ما يجب أن تكون عليه موازنة حكومة السودان القومية للعام 2020

 


 

 

 

قلت فى الجزء الأول من هذا المقال وكان بعنوان : (موازنة أو ميزانية العشم أو موازنة حكومة السودان القومية للعام 2020)؛ قلت إن الموازنة غير واقعية ومفرطة فى التفاؤل فى جانب الإيرادات ولاتوجد سياسات واضحة وأولويات للإنفاق تخاطب أهم التحديات الاقتصادية اليوم وهى فى تقديرى الغلاء والبطالة والإنهيار شبه الكامل للبنيات التحتية. فمن الأمور المهمة جداً فى وضع الميزانية مراعاة أن تكون أرقامها واقعية وتقوم على الأداء الفعلى للإيرادات فى الماضى القريب وأن تكون معقولة ولا تقوم على الشطحان فى الأحلام والإسراف فى التفاؤل ولا على الوعود. والملاحظات التى ترد فى هذا المقال تستند على مشروع موازنة الحكومة القومية للعام المالى 2020أو موازنة الدكتور إبراهيم أحمد البدوى عبدالستار .. وقد قمت بقصد تسهيل التحليل بتقسيم إيرادات الحكومة القومية إلى قسمين؛ إيرادات ذاتية أو من مصادر محلية وإيرادات خارجية أى مصادرها من خارج السودان وأعنى بها المنح النقدية والعينية بالتحديد. ومصادر الإيرادات الذاتية هى الضرائب بشقيها والمصادر غير الضريبية. والشق الأول للضرائب هو الضرائب المباشرة على دخول عناصر الإنتاج( أرباح الأنشطة التجارية وإيجار الأصول المالية مثل العقارات والفوائد على القروض والأجور ) والشق الثانى للضرائب هو الضرائب غير المباشرة على السلع والخدمات ( الجمارك والقيمة المضافة وضريبة الأنتاج الخ).أما الإيرادات غير الضريبية فتتكون من توزيعات الأرباح (dividends)ودخل البترول ورسوم نقل بترول جنوب السودان وبيع سلع وخدمات حكومية والرسوم وغيرها من الإيرادات غير الضريبية.وتقول ارقام الموازنة أن إجمالى إيرادات الحكومة القومية يتوقع أن يصل إلى (611)مليار جنيه سودانى(بالجديد) فى 2020وبزيادة مقدارها (275)% مقارنة مع إجمالى إيرادات العام 2019 .وتقول الموازنة أن نسبة (47)% من إجمالى إيرادات العام 2020سوف يكون إيرادات ذاتية وباقى الإيرادات أو (53)% من إجمالى الإيرادات منح أو يتوقع أن يأتى أكثر من نصف إجمالى الإيرادات من خارج السودان فى شكل منح نقدية وعينية. ويتوقع أن يبلغ إجمالى إنفاق الحكومة القومية فى العام 2020مبلغ (671)مليارجنيه منها (93) % صرف جارى على تشغيل أو تسيير المؤسسات والأجهزة والمرافق الحكومية و (7)% فقط من إجمالى الإنفاق الحكومى فى العام 2020على التنمية أو تعزيز الطاقات الإنتاجية. ويتوقع أن يكون عجز موازنة العام2020 مبلغ (60) مليار جنيه أو نسبة(9)%من إجمالى الإنفاق العام للحكومة القومية . وسوف يمول العجز بطباعة وإصدار الجنيهات السودانية وزيادة نار الغلاء إشتعالاً.ويتوقع أن يستنفز دعم إسهتلاك البنزين والجازولين والقمح والكهرباء مبلغ (265) مليار جنيه وتشكل نسبة (39.5) % من إجمالى الإنفاق

عدم واقعية وإفراط فى التفاؤل
قمت بمراجعة الأداء الفعلى للإيرادات الذاتية فى الىستة أعوام من 2014 إلى 2019(فعلى تقديرى). ووجدت أن الإيرادات الذاتية الفعلية كانت مبلغ (49)مليار جنيه فى 2014 ،ومبلغ (54)مليار جنيه فى 2015، ومبلغ (56)مليار جنيه فى 2016، ومبلغ (75)مليار جنيه فى 2017،ومبلغ (118)مليار جنيه فى 2018، ومبلغ (151) مليار جنيه فى 2019. وقمت بحساب نسبة الزيادة السنوية للإيرادات الذاتية فى كل من الأعوام الخمسة 2015 إلى 2019 بالمقارنة مع الإيرادات الذاتية للعام السابق له . ووجدت أن نسب الزيادة السنوية كانت (10)% و(3)% و(34)% و(57)% و(28)%.وعليه يكون متوسط نسبة الزيادة السنوية فى الإيرادات الذاتية (26)%.ولكن أرقام مشروع الموازنة تقول أن الإيرادات الذاتية للعام 2020 يتوقع أن تزيد عن الإيرادات الذاتية لعام 2019،تزيد بنسبة (90)%.لتقفز من (151)مليار جنيه إلى (287) مليار جنيه. وفى هذا عدم واقعية وإفراط فى التفاؤل.وإذا ما تفاءلنا تفاؤلاً معقولاً وإفترضنا زيادة الإيرادات الذاتية بنسبة (30)% فى العام 2020سوف تصل إلى (196)مليار جنيه سودانى. وهذا فى تقديرى الرقم الواقعى والمعقول وليس مبلغ (287)مليار جنيه الذى جاء فى مشروع موازنة العام 2020.أما إيرادات المنح فهى مجرد عشم .
يقول مشروع الموازنة أن إيرادات المنح يتوقع أن تكون (323)مليار جنيه أو (53) % من إجمالى إيرادات الحكومة القومية فى 2020.ولكن يقول كتاب مشروع الموازنة فى الصفحة رقم (64)أن (169)مليار جنيه من ذلك المبلغ يتوقع الحصول عليها وفق إتفاقيات موقعة مع مصادر التمويل الدولية والإقليمية وبرامج الأمم المتحدة. ولكن باقى مبلغ المنح أو (154)مليار جنيه فهو مجرد عشم وأكرر مجرد عشم ولا يستند على إتفاقيات موقعة ولا حتى وعود.ويعشم الدكتور إبراهيم أحمد البدوى عبدالستار وزير المالية والتخطيط الإقتصادى فى الحصول على مبلغ (44)مليار جنيه من أصدقاء السودان ومبلغ (110)مليار جنيه منح من منظمات وطنية لدعم التحويل النقدى بدلاً من الدعم السلعى ( وقد سمعت بعض الروايات حول هذا الأمر المدغمس).ولذلك قمت بإستبعاد عشم الدكتور البدوى لتكون المنح (169)مليار جنيه فقط أو المبلغ الذى يستند على إتفاقيات مبرمة. وعليه أتوقع أن تكون إجمالى إيرادات الحكومة فى العام 2020 مبلغ( 196)مليار جنيه إيرادات ذاتية زائداً (169) مليار جنيه منح لتكون إجمالى الإيرادات مبلغ (365) مليار جنيه وليس المبلغ المتوقع فى مشروع الموازنة وهو (611) مليار جنيه .وأتوقع أن ترتفع الإيرادات بنسبة مقدرة فى حالة تحرير سعر صرف الجنيه السودانى وبيع الدولارات التى تحصل عليها الحكومة من تصد ير المشتقات النفطية ورسوم عبور نفط دولة جنوب السون ومن المنح والقروض الخ؛ بيعها بسعر الدولار فى السوق الحر.

على ماذا يجب أن ننفق الإيرادات؟
قلت أعلاه أن التقدير الواقعى وغير المفرط فى التفاؤل يقول أن إجمالى إيرادات الحكومة القومية فى العام 2020 يتوقع أن تصل إلى (365)مليار جنيه منها (196)مليار جنيه أو حوالى (54)% إيرادات ذاتية وباقى الإيرادات (169)مليار جنيه أو (46)% منح.ولأن إحترام النفس self- respectوالمنطق الرشيد والمسؤول يقول يجب أن نعتمد فى إنفاقنا على أمننا و أكلنا وشرابنا وعلاجنا وتعليم أبنائنا وبناتنا وفى الإنفاق على الإستثمار للنهوض ببلدنا؛ يجب أن نعتمد فى كل ذلك على جيوبنا( إيراداتنا الذاتية ) وأكرر جيوبنا وليس على جيوب الآخرين. ونسبة لفقر بلدنا وضعفنا وهواننا بين الأمم؛ أرى أن نشد الأحزمة على البطون فى الحاضر والمستقبل القريب ونقلص الإنفاق الجارى إلى أدنى حد ممكن ونجوه الموارد المالية إلى الصرف على التنمية؛ الصرف على البنيات التحتية وخاصة الطرق وعلى التعليم والتدريب والبحث العلمى التطبيقى والصحة وصحة البيئة. ويقول مشروع الموازنة أن الإنفاق الجارى (التشغيل)سوف يرتفع من مبلغ (205)مايار جنيه (فعلى تقديرى) فى 2019؛ يرتفع إلى (627)مليار جنيه فى 2020 ( للدفاع والشرطة والأمن (14.6) % والصحة(5.3)% والتعليم (1.5) % وحماية البيئة (0.0) % ) أو سوف يزيد بنسبة (206)%. وهذا جنون. لأن المبلغ المرصود للإنفاق الجارى فى مشروع الموازنة وهو (627)مليار جنيه يساوى (320)% من الإيرادات الذاتية الواقعية المتوقعة للعام 2020 وهى مبلغ (196)مليار جنيه كما شرحت أعلاه. ولابد من مراجعة المبلغ المرصود للصرف الجارى فى 2020 حسب مشروع الموازنة وتخفيضه إلى ما لا يزيد عن (75)% من الإيرادات الذاتية الواقعية المتوقعة للعا م 2020 أو تخفيضه إلى مبلغ (147)مليار جنيه وإنفاق ما يتبقى منه وكل ما نحصل عليه من خارج السودان فى شكل منح عينية ونقدية وقروض ؛ إنفاق كل ذلك فى التنمية .وهذا ممكن. لأن دعم إستهلاك البنزين والجازولين والقمح والكهرباء الذى تسمع به أغلبية الشعب السودانى مجرد سمع لأن نصيبها من تلك السلع المدعومة يكاد يكون صفراً يشكل (42) % من المبلغ المرصود للإنفاق الجارى فى مشروع موازنة 2020 .وقد قلت عن ذلك الدعم فى أكثر من مقال إنه فساد صريح وظلم فادح وعدم رشد وعدم مسؤولية فى إستخدام الموارد. ومن المؤسف جداً أن هناك من يزايد ويدافع عن الدعم، مثل حزب البعث العربى الإشتراكى عشماً فى الكسب الحزبى أو لإفشال حكومة الدكتور عبد الله آدم حمدوك لشئ فى نفوسهم .وهناك رموز أحزاب (أرانب) يهربون من تحديد موقف واضح حول الموضوع .وفى حالة التخلى عن دعم الإستهلاك المعمول به حالياً سوف ينخفض المبلغ المرصود للإنفاق الجارى فى 2020 سوف ينخفض بمقدار (265)مليار جنيه ويصير (362)مليار جنيه بدل (627)مليار جنيه. ويمكن تخفيضه أكثر بتأجيل زيادة الأجور التى يتوقع أن تفتح باب المطالب والإستعاضة عنها بحماية القيمة الشرائية للدخول بالتوقف الكامل عن الإستدانة من البنك المركزى أو طباعة وإصدار العملة.وتأجيل مشروع الوجبة المدرسية .ومراجعة كل بنود الصرف الجارى بنداً بنداً.

ورشة عمل بدل مؤتمر:
وقد قررت الحكومة وقوى الحرية والتغيير عقد مؤتمر إقتصادى فى نهاية شهر مارس 2020. وفى تقديرى لايحتاج السودان للمزيد من إهدار الوقت فى طق الحنك والرغاء.وما نحتاجه ورشة عمل workshop تنظمها رئاسة مجلس الوزراء وتعقد فى منتصف فبراير 2020 ولمدة معقولة.ولا يزيد حضورها عن المائة شخص .و تكون أغلبيتهم من ممثلين لكل الكتل الحزبية فى المسرح السياسى السودانى والحركات المسلحة ولجان المقاومة. وتناقش الورشة ورقتين فقط. الورقة الأولى حول السياسات المالية و موازنة الحكومة القومية للعام 2020 وتعد الورقة وتقدمها وزارة المالية والتخطيط الإقتصادى. والورقة الثانية حول السياسات النقودية والمصرفية ويعدها ويقدمها بنك السودان المركزى.

s.zumam@hotmail.com

 

آراء