التحولات في العقل الجمعي: الفردانيه القادمة بديلا للتواصل الاجتماعي .. كتب: د. بشير احمد محي الدين

 


 

 


boshker100@gmail.com

مما لاشك فيه ان البشرية تسير بسرعه في مدارج التطور فقد بدأت (تحبو) في عصورها الأولى ونتيجة للتحديات والمصاعب والمخاطر، وبدأ العقل الانساني يستوعب التحولات ويكتشف الفرص من بين المخاطر وعمد على محاكاة الطبيعة من حوله وبدأ يفسر أشكال العلاقات بين المجموعات ( الحيواتية) التي تشاركه في كل شيء.
ثم إن العقل البشري مر بثورات عظيمة وتحولات رهيبة، فبعد استيطان البشرية علي الأرض بدأت في تكوين تجمعات في شكل بدوي رعوي ومنه إلى القرى والمدن، وكل هذه المراحل اكتشف فيها الانسان النار و(العجل) الذي ساعده على النقل ومن قبله استأنس الحيوان وصهر الحديد وأصبحت له قدرة على الزراعة والإنتاج، وجاءت (ثورة البارود) تزحف من الصين لتزيد من منعة الكائن البشري والأديان لتقوم سلوكه وتفسر له سبب وجود وهدفه، وبعدها دخلت الانسانية في مجال الفكر فظهرت النظريات العلمية وكل هذا الانسان بطبعه كائن اجتماعي فنمت المدن واختلطت الأعراق وتصاهر البشر وان تقسموا لطبقات ملوك ونبلاء وعامة وعبيد. المهم ان الانسان كفرد لم ينفصل عن واقعه كونه(كائن اجتماعي) متفاعل مع بني جنسه في العمل والسكن والتعلم.
وحدثت (ثورة البخار) وعصر النهضة الصناعية والحروبات فزادت درجة الترابط الاجتماعي واصبح الفرد يعتمد علي المجتمع لتوسع النقل والسفر وعبرت البضائع والأفكار الحدود السياسية للمالك وأصبحت عملية الإختلاط أكبر وحقق البخار شكلاً من التواصل بين الأفراد وقرب المسافات، وجاءت بعده (ثورة النفط) لتفجر الطاقات وتزيد من حركة الفرد بحراً وبرا وجوا بعد صناعة وسائل النقل وتطورت الصناعة بشكل غير مسبوق.
وإستمر الحال إلى أن بدأت (ثورة الكهرباء) واختراع الترانسزتور والردايو والتلفاز وأجهزة الكهرباء، فانتقلت المجتمعات من عصر السنيما إلى التلفاز وهذا الأمر نقل ثقافة الشعوب وادخلت الإنسانية في (ثورة التكنولوجيا) الرهيبة التي ربطت أجزاء المعمورة ببعضها البعض بشكل كبير.
ثورة التكنوجيا بداية الخير والشر.
ولعل المتابع لصيرورة الأحداث والتحولات الكبرى من بداية ستينيات القرن المنصرم قد لا يتوقف كثيرا في مسألة تفسير هذه الظواهر المصاحبة لها وخاصة بعد ظهور أجهزة الكمبيوتر وشبكات الإنترنت والبث المباشر في هذه الموجة أراد بشكل رهيب نوع التشبيك بين الناس، فكان الفرد يرى الحدث على الهواء وإدت هذي الثورة إلى سقوط الإتحاد السوفياتي نتيجة الثورات في شرق أوربا، وسقوط الإتحاد السوفياتي بدأت مرحله جدية في عمر البشرية آلتي أصبحت تتحكم فيها شركات التلفزة المملوكة للدول او الشركات الكبرى وحتى هذه المرحلة كان دور الدولة كبير في التحكم في الرأي العام وتبرير الأحداث فكان كل حدث يشاهد في لحظه الأحداث فيما عرف بالبث المباشر الحي، فشاهدنا الحرب في البلغان وحرب الخليج واحتلال العراق وأفغانستان، الا ان أدوات صناعة الرأي العام من سينما وصحف ومجلات وقنوات تلفزة كانت تحت سيطرة وتوجية الدول القطرية.
الثورات الملونة حدث كبير:
اسهم البث المباشر والإعلام الحديث المؤدي إلى بروز ظاهرة (الثورات الملونة) في فترة وجيزة فسقطت نظم وحدثت تحولات في الخارطة الجيوبولتيكية الدولية وانتقلت الثورات في الدول التي كانت تقع في المجال الحيوي السوفياتي وبدأت معالم الاتحاد الأوربي وعملته الموحدة( اليورو) وإعلان النظام العالمي الأحادي الجانب الذي أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية من طرف واحد كبديل للنظام العالمي ثنائي القطبية، وأصبحت تدير مقاليد النظام الدولي الولايات المتحدة الأمريكية.
عصر التواصل الاجتماعي:
استمرت البشرية في التشبيك والتواصل بين الأفراد فظهرت تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل (فيس بوك وتيوتر وواتس اب وتليغرام والماسنجر ولنكد ان وغيرها) من التطبيقات التي ربطت الأفراد في شكل مجموعات (قروبات) منتوعة ونتيجة للتواصل الكثيف الذي غطى كل مناحي الحياة من سياسية واعلامية واقتصادية واجتماعية وتقنية، اصبح الحدث سريع الانتشار ولا تحده الجغرافيا السياسية ولا تتحكم فيه النظم وكنتيجة لهذا التطور الذي استلزم كثافة التشبيك بين الأفراد ونتيجة للمقارنات بين الاوضاع السياسية من قبل الناشطين في الاقتصاد والحريات بين الأمم والشعوب بل في الدولة الواحدة وتحرر الأفراد من هيمنة ايدولوجيا الدولة، بدأت الجماهير تتململ فظهر (الربيع العربي) ولم تستطع الدولة العربية محاربة مجموعات التواصل الاجتماعي فعمت الاحتجاجات واسقطت نظم راسخة لها قواعد وبدأت بحرق شاب لنفسه(البوعزيزي) بعد حادث فردي في سوق نائي في تونس لتعم البلدان العربية من المحيط إلى الخليج. صحيح ان هناك نظم عبرت لاعتمادها المزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية تجاوزت الربيع العربي ولكن بالمقابل سقطت دول في فخ الحروبات الأهلية والصراعات وبرزت الجهوية والقبلية وتعزز دور التدخل الخارجي في شئون الدول فأصبح من نتائج التواصل الاجتماعي في شكل مجموعات بروز ظاهرة الارهاب وتناميها وازدياد الجريمة المنظمة العابرة للحدود وعودة الرق الابيض. فقد استفاد المجرمون و(الهكر) من ثورة التكنولوجيا التي لم ترحم الأيدي العاملة في المصانع والحقول لتفرز طوابير من العطالة وتكدست الثروة بيد أقل من 10% من سكان كوكب الأرض.
لم يكن الربيع العربي وحدة الخطر الذي أطل برأسه، بل استخدمت التكنوجيا كسلاح ماض في تهديد الشعوب ونهب مقدراتها وانجازاتها وتهديد اقتصادها وما الأزمة المالية العالمية وسقوط الاقتصاديات الكبرى في وحل الإفلاس، تسببت التقانه في استلاب مقدرات الامم.
والثورة التكنولوجيه عزلت مستخدميها فادمنوا التواصل مع اشخاص تفصلهم عنهم المسافات ولكنها نجحت في خلق حالة من التواصل بين الافراد ولان التكنوجيا ماضية ففي كل يوم تستحدث تطبيقات وبرامج ونظم جديده اصبح من الصعوبة مجاراتها ومواكبتها فما رائد في عالم اليوم يصبح في ارشيف الغد وحتي شركات ومؤسسات التطوير البحثي اصبحت تتسابق حتي لا تخرج من السوق وعليها اعتماد ميزانيات ضخمة للتحديث والتطوير حتي اصبحت التكنوجيا وحشا لا يروض بل انها استعبدت البشر وغيرت انماط حياتهم فبعد ان كنا نقول ان العالم قرية اصبح غرفه وماض في اكثر من ذلك.
الفردانية والثورة القادمة.
ولا شك ان ثورة التكنولوجيا زاحفه من عالم التواصل الاجتماعي الذي يضم مجموعات التي غيرت في السياسة والاقتصاد الي تعظيم دور الفرد الدي اصبحت بعض التطبيقات تمجد دورة وتعزز شهرته فنحن نشاهد صفحات النجوم والسياسين والرأسماليون والمفكرين لتنقل في شكل تطبيقات بيد مستخدمي ثورة المعلومات ووسائط التواصل الاجتماعي فظهرت تطبيقات تبرز الفرد وتحرمة من الاندماج في مجموعات واصبحت الصورة الشخصية بمختلف اوضاعها والاخبار الخاصة والانجازات الفردية تزيد من نشاط الفرد. وعلي غرار ثورات البث المباشر في الثورات الملونه والتواصل الاجتماعي في الربيع العربي ندخل اليوم الي ثورة الفرد الواحد والتي حتما ستفرز اثار جديدة غير منظورة في وقتنا هذا.
علي غرار نظريات نهاية التاريخ وتفوق الامريكيين وتنميط العالم علي القيم والسلوك الامريكي كانت افكار صراع الحضارات وما استلزمها من تغيرات بنيوية كبيرة في النظام الدولي الي مرحلة صراع الهويات التي تقود الصراعات الاثنية والمناطقية والعقدية فاننا اليوم نتجه نحو فردانية لا تأبة للنظم السياسية والحدود ومفهوم الوطنية وصولا لتكريس الذات. ويشهد علي ذلك تفسخ القيم الاخلاقية وعدم الاكتراث للتدين والانفاق علي المتعة والسياحة ونشر الصور الخاصة وبذلك يتفكك العقل الجمعي وترد البشرية لمراحل ما قبل نشوء المجتمعات الانسانية.
ولا يمكنني ان اقدم لمحة عن اثر انتشار موجة الفردية والتي بدات تعم المجتمعات الغربية وتتسرب الي مجتمعاتنا ببطء لكن حتما سيكون لتنامي الفكر الفرداني اثار سياسية واجتماعية واقتصادية وهي مرحلة في طور التشكل والتنامي وهو ما يتطلب من مفكرينا التنبه لها ودراسة اثارها... هذا والله اعلم

 

آراء