التسوية السياسية في السودان وأزمة التجزئة

 


 

 

 

ezzeldin8@yahoo.com

خرجت علينا مصادر عديدة خلال الأسابيع الماضية حول تسوية سياسية (سميت تدللا بالهبوط الناعم) مع نظام الإنقاذ سبقتها ترتيبات وتنسيق امتد منذ العام 2016م شمل عواصم عديدة منها برلين وباريس واديس ابابا فضلا عن عواصم أخرى برعاية دولية من الولايات المتحدة الامريكية والترويكا وألمانيا وفرنسا. كان وما زال الغرض من مثل هذه التسويات استمرار نظام الإنقاذ وتوسيع قاعدته الاجتماعية وبالتالي توسيع تحالفاته وربط مصالح الأقسام الجديدة المنضمة اليه به. الشيء اللافت في التسوية انها تتم بالتجزئة بخلاف الصحيح والمأمول بالنسبة للشمول المطلوب في حل قضايا متعددة وشائكة مثل ما هو حادث في السودان. هذه التسوية استبعدت أطرافا اصيلة لها وزن لا يستهان به في الساحة السياسية هي قوى الاجماع وهي قوى سياسية تاريخية. استمرار المحادثات والتوقيع على الاتفاقيات فيما بعد، اذا تم التوصل الى بعضها، لا يمكن ان يقود لحل شامل ينهي سلطة الحزب الواحد ويضع البلاد على طريق التحول الديموقراطي ومعالجة الازمة الاقتصادية الطاحنة والأوضاع الحالية التي تكاد تعصف بالبلاد وبوجودها. لم تسعى سلطة الإنقاذ ولن تسعى لتسوية شاملة لانها تمثل اعترافا بالازمة الشاملة وفي نفس اللحظة يمثل ذلك تحولا في تفكيرها وبحثها عن الحلول ولكن هل يمكن ان تقبل سلطة الإنقاذ بحل شامل؟ الحل الشامل ضد مصالح هذه السلطة وسيؤدي الى تفكيكها طال الزمن ام قصر لذلك لن تلجأ اليه الا تحت ظروف محددة.

يبحث المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة والترويكا والبلدان انفة الذكر عن التسوية السياسية التي تفي بمصالحه السياسية والاقتصادية وربما لا يجد نظاما يفي بمعالجة هذه المصالح اكثر من نظام الإنقاذ في الوقت الحالي وبالتالي فقد تطابقت مصالح الطرفين ولكن ما يجعل المجتمع الدولي يأنف عن التواصل المباشر مع سلطة الإنقاذ والعمل بصورة جادة لاكمال خططه هو وجود البشير نفسه بصفته مطلوبا للمحكمة الجنائية الدولية. في خضم كل ما يجري، اين هي مصالح شعبنا؟ هل تمثل سلطة الإنقاذ التي أكملت 30 عاما مصالح الشعب السوداني؟ إن الذي يسعى لتطوير البلاد لا يصادر حرية شعبها ولا يفسد فيها حتى لا يتبقى في خزينتها ما يسد ميزانية الدواء وينهار اقتصادها لهذا الحد ولا يسفك الدماء باشعال الحروب والإصرار على استمرارها في جميع الأوقات.

تجزئة التفاوض والاتفاقيات التي اشرنا اليها، والتي سبق وان جربتها القوى السياسية جمعاء، لن تؤدي لحل شامل وستنقلب عليها سلطة الإنقاذ وسيعزز ذلك من سلطة الإنقاذ نفسها لانه يؤدي لتقسيم وتفتيت هذه القوى نفسها، وكل ما ينتج عن ذلك، كما هو حادث من قبل، ان تنال بعض القوى السياسية والمسلحة بعض المصالح الاقتصادية والمناصب المحدودة وفيما يلي ذلك من وقت تتحول مصالح القوى هذه لمصالح افراد كما هو حادث ومشاهد الان ان يمثل زيد او عبيد الحزب الفلاني او الفلاني او الحركة المسلحة الفلانية وبعد اشهر قليلة يصبح زيد او عبيد هو نفسه الحزب او الحركة وربما بعض افراد عائلته ولا شيء غير ذلك!

الناظر للساحة السياسية يجد حركة كثيفة لمطالب واضرابات وبيانات ووقفات احتجاجية تمتد من اقصى البلاد الى أقصاها الا ان العمل السياسي الفوقي المعتمد على البيانات والشجب والادانة مسألة مخلة بعملية التغيير ولن تؤدي لنتائج ملموسة ولن تحفز الجماهير. إن السياسية هي مصالح الفئات المنضمة او المحسوبة على تنظيم او حزب معين وهذه مصالح الفئات الممثلة للطبقات ولا تعالج مثل هذه المصالح بمثل اصدار البيانات والشجب والادانة برغم ان الأخيرة جزء من الوسائل بل بالعمل على الأرض سواء كان ذلك في أوقات الحرية او في أوقات الدكتاتوريات التي ابتليت بها البلاد.

إن الطريقة غير المهذبة والفجة التي عوملت بها المعارضة في اجتماع باريس في ابريل 2016م (اننا لم ندعوكم هنا للتحدث عن الانتفاضة على حساب دافعي الضرائب) يوضح الفكر والعمل والهدف المضاد لمقصد المعارضة التي تهدف للانتفاضة وبالتالي إيجاد حل شامل وحاسم لقضية السلطة السياسية في السودان ولاجل هذا السبب تم استبعاد القوى السياسية التي تجعل من الانتفاضة هدفا لها. كان لحادث اجتماع باريس ان يكون حلا لجعل قوى المعارضة المدنية بالخارج ان تعود للداخل وان تتواجد حيث تتواجد جماهيرها وان تدرك حقيقة مصالح البلاد. على القوى التي تعمل على اجراء مفاوضات خارج السودان مع سلطة الإنقاذ ان تدرك وان تضع في حسبانها شمولية الحل وعدم تجزئة المفاوضات لان التجزئة تعني المراوحة في نفس المكان ولن تخلق حلا حتى لو كان برعاية دولية امام سلطة استمرأت نقض الاتفاقيات.

يظل العمل على الأرض مع مختلف فئات الجماهير وتوحد قوى المعارضة هو بداية الحل لانه سيعلن عن تنظيم هذه الجماهير نفسها وعن قوتها وحقيقة مطالبها وهي مطالب الأغلبية الساحقة في الحرية والحياة الكريمة بصورة اكيدة ولن ينصلح الحال ولن يكون هنالك حل قريب مأمول لهذه الازمة ما لم نعرف البداية الصحيحة للعمل.

//////////////////

 

آراء