التفكير بالمصير في صخب كورونا !!

 


 

 

 

(نقلا عن مجلة الرابطة السعودية)

Hashimh640@gmail.com
"هذه تأملات بين يدي جائحة كورونا، وقد رأيت الناس يموتون بالمئات، ويرحلون دون تشييع. منظر التوابيت تنقلها الشاحنات، حتى تحدث البعض عن أزمة في مقابر تضم كل هذه الجثث."
قناعة الموت كانت تجري في الناس مجرى الشك، ولكن كورونا جعلها أقرب من الشك إلى الحقيقة. هذه الجائحة التي أهمل الإنســان بسببها كل ملماته، حيث لا شاغل ســواها. ويّل لمن يكون مرضه هذه األايام غير كورونا،حيث لايجد من يلتفت إليه !!..ربمــا هي إعتبــارات في نظام الكون وســنن الحياة لتصحيح غفلة الإنسان.
لقد بكت الحياة مرتين،الأولى حينما خرج الإنســان إلى فضاء الكون فكُتمت الأنفاس وصاح الصغير، والآخرى وقد تفىشى كورونا والحياة في مســار علوها، وتيهها، ولهوها، وصخبها، فكان هجوم كورونا فصاحت. ليــس هناك محصن من قدر الموت، لكن الإنســان في غفلته نــسي أن الموت الذي يهابه هو واقع، ليس بســبب كورونا، ولكن كورونا ربما تكون أحد أســبابه. أصدق ما يقال في معية الموت قول الله تعالى: "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا". والإنسان في مواساة أخيه الإنسان يقول "كل من عليها فان " هذه حال الدنيــا.. كلمات نُخفف بها أحزاننا على كل فقيد يرحل عن دنيانا. الدنيا ســميت دنيا لأنها دانيةُ غير دائمة. والموت ينكــره الناس عندما يبكون ويصمتون حزنا غالبًا، وهو اليقين الذي ينتظر كل إنسان مهما طال به العمر، بل هو مآل من سبقونا من الآمم والآجيال.. الإنســان لا يُريّد ذكر الموت، بل لا يريد الإعتراف بأنه مصير كل مخلوق..المـوت غريب فقط لكونه يأتي بغتة، ويخطف بغتة دون مشــاورة للمخطوف أو من يحيطون به من أهل وأحباب. تخيل لو كان هناك تنســيق بين الموت والبشر، هل يكون الحزن هو ذات الحزن الدنيوي على فراق األحبة؟! وهل يكون الموت هو ذلك الكابوس الذي نهابه ولا نُريد سماع إســمه..؟
الله تعالى جعل الموت غيبا لحكمة ربانية في الفناء والبقاء وعمارة الأرض. ينســب إلى الحسن البصري قوله: "ما رأيت يقينا لا شــك فيه أشبه بشك لا يقين فيه إلا الموت"، وهو يدل على عدم الإتســاق بين الإنسان والتفكر الصحيح في المصائر. نحــن نحتاج إلى فكرة جديــدة في التعامل مع الموت، أوً ينبغي أن ننظــر إليه غاية من الغايــات لا أمر طارئً عارضا. نتعايش معه كشئ أصيل في حقائق الوجود، فلكل أجل كتاب. نحن محتاجون لترسيخ قناعة الموت باعتباره التدرج الطبيعي في مسير الانسان ومصيره...نحن محتاجون لهذه النظرة لرحيلنا وتذكر إنتقالنا نحن الصاخبين حينما يأتي الآجل. فكما جئنا نذهب وكما إبتسمنا ونحن رضع في كنف الحياة فلنبتسم ونحن في وداع الحياة، أكان وداعا بكورونا أم بغيرها..! بهــذه الفكرة والنظرة لوجودنا في الحياة، نعمل لتطبيــع صلتنا بالموت ولا نهابه،بل نغني له ولحياتنا غناء ذلك الشاعر الحكيم:
أآمل أن أحيا وفي كل ساعة تمرّ بي الموتى تهزّ نعوشها
وهل أنا إلا مثلهم غير أنّ لي بقايا ليال في الزمان أعيشها

 

آراء