الجديد في ما يكتبه الكوده هو تحديد طبيعة الخلل

 


 

 

 

ragad103@yahoo.com.

في ملتقى (المائدة المستديرة) في صحيفة (التيار) والتي استضافت فيه الأستاذ مبارك الكودة،(الإسلامي) السابق والذي طرح نقدا مباشرا للفكرة وشدد على عدم وجود مايعرف بالإسلام السياسي.
اذن، الجديد في كلام الكوده هو في تحديده لطبيعة الخلل.
الكثيرون وخاصة الإسلاميون، يعتقدون في تقييم تجربة الإنقاذ، ان الخطأ في التطبيق، ويقولون دائما: لو تم تطبيق المشروع الإسلامي حسب ماهو " سؤال: حسب ماهو ايه؟؟؟؟".. او حسب مابشر به الترابي لكانت النتائج مختلفة. ودائما تغلبهم الاجابة على السؤال: ما هو المشروع الإسلامي لإدارة الدولة؟
بيد ان الأخ مبارك الكودة لم يقع في فخ الاستسهال والاستهبال، والكسل الفكري وإنما تحدث مباشرة عن خطل الفكرة، واكاد أتصور انه يقول اصلا لم تكن هنالك فكرة، وإنما بعض الأشواق لنماذج سابقة في التاريخ.
لدي حوارات كثيفة مع أستاذ مبارك الكودة بدأت بشكلة "هههه"، واعرف تماما تصوراته وأعتقد أنها تصورات جريئة بالنسبة لاسلامي سابق، ولكنها تصورات صحيحة وفيها شجاعة.
أغلب الإسلاميين تحدثوا عن خطأ التطبيق، حتى الراحل الترابي اعتصم خلف خطأ التطبيق، ولم يكن جريئا بما يكفي ليقول ليس لدينا فكرة لإدارة دولة. على الإسلاميين الخروج من نفق التبرير والانكار والخوف من طرح الأسئلة الجوهرية لفهم فشلهم غير المسبوق في إدارة الدولة السودانية.
في فترة الإنقاذ الأولى كان هناك تيارا جارفا صنعه التجييش للقتال (الجهاد) والذي لم يوفر أي فرصة لطرح تساؤلات منطقية وعقلانية حول كيفية إدارة الدولة، خاصة وأنه قد تم تصميم الحالة لتشكل نموذجا للحرب يتماثل مع نماذج من تاريخ المسلمين في صدر الإسلام، مع أعدائهم (الكفار).
وبعد إنتهاء هذه الفترة وبداية انكشاف العوار والفشل في تقديم نموذج معقول للنجاح في إدارة الدولة فيه بعض قيم العدل والمساواة واحترام المواطنيين، وتوفير الحد الأدنى من العيش الكريم، بدأت ترتفع بعض الأصوات الناقدة من الإسلاميين، ولكنها اتجهت اتجاها تبريريا فيه الكثير من الاستسهال حيث وضعوا كل الإشكالية في عدم التطبيق الجيد (للمشروع الإسلامي) او اختطاف المشروع من بعض الفاسدين وووالخ.
غير انه كان على الإسلاميين ومع استحكام الفشل أن تكون ردة فعلهم متجاوزة للتبريرات النمطية على شاكلة خطأ التطبيق وصواب الفكرة إلى تقييم وقراءة الفكرة في ذاتها. ولذلك كان لزاما عليهم طرح أسئلة جوهرية حول الفكر السياسي للجماعة وعلاقته بالمصدر الديني الأساسي وهو القرآن الكريم حتى يكتسب مشروعهم صفة الإسلامي،
أولا- ماهو نظام الحكم (الإسلامي) الذي تم استنباطه من القرآن الكريم، والذي يفترض بما انه من القرآن أن يكون نموذجا صالحا للتطبيق على كل الحالات وفي كل زمان ومكان؟
ومع ملاحظة أن ما يمكن أن يصلح للسودان كنظام حكم، ربما لايصلح لسويسرا أو دولة ج.السودان، لأن لكل مجتمع تحدياته الخاصة، التي تحتاج إلى نظام يتناسب مع ظروفه، هذا فضلا على أن إختلاف السياق التاريخي عامل مهم في وضع نظم للحكم، فما يصلح الآن لن يصلح بعد 300 عام.
لذلك هل وضع الدين نموذج لنظام حكم يصلح لكل زمان ومكان؟
ثانيا- الإقتصاد أصبح هو عصب أي دولة. وعليه السؤال هل هناك منهج ونظرية إقتصادية(اسلامية) من التنزيل الحكيم لكل دولة؟ خاصة أن الإشكالات وحتى درجة التطور الإقتصادي تختلف من دولة لأخرى. وهل الزكاة هي نظام اقتصادي أم شعيرة دينية؟ وهل نحتاج لمحاربة أسباب الفقر والافقار عبر إجراءات وسياسات إقتصادية، أم المحافظة على فقر الفقراء واعطاءهم من زكاة أغنياء البلد؟ بمعنى آخر، هل علينا المحافظة على المسافة بين أغنياء المجتمع وفقراءه؟
ثالثا-كيف يمكن النظر لمنتوج الأمم التي أنتجت نظم سياسية واقتصادية وقانونية ناجحة ولم يستنبطوها من أي كتاب مقدس،وهم بشر مثلنا واجهتهم نفس التحديات التي واجهتنا؟
رابعا_هل اقتصر دور الإنسان فقط في استنباط كل شيء من الكتب المقدسة؟
هناك الكثير من الأسئلة على (الاسلاميين) طرحها بكل وضوح والبحث عنها في القرآن الكريم وليس البحث عنها في تنظيرات الآخرين أيا كان هؤلاء، أو تسقط من طرحهم أي صفة دينية وتصبح أفكارهم وضعية بشرية خاضعة للتقييم لمدى نجاعتها في حل قضايا وأزمات الوطن والمواطن، دون أي قدسية وتغبيش لوعي المواطن. تحياتي.

 

آراء