الحوار الوطني يفضي لسودان يسع الجميع (5)

 


 

 

 


بسم الله الرحمن الرحيم
مقاربة بين مبادئ الحوار الوطني وحادثة الإفك

في غزوة المصطلق خرجت عائشة رضي الله عنها مع الرسول (صلى الله عليه و سلم)، وبعد انتهاء الغزوة وفي طريق عودة الرسول وصحبه المجاهدين إلى المدينة ، تأخرت السيدة عائشة رضى الله عنها عن الموكب بفترة تبحث عن عقد لها فقدته، ورحلت القافلة والجميع يعتقدون بوجود أم المؤمينين عائشة رضي الله عنها بالهودج، إذ لم يشعر أحد بتخلفها عن الموكب. بقيت بعدها وحيدة في الطرقات ولكن الله تعالى لم يتركها وحدها، فوجدها شخص يدعى صفوان بن المعطل وأعادها إلى بيتها .

أعداء النبى صل الله عليه وسلم وحاسدات عائشة رضى الله عنها اختلقوا الإشاعات غير البريئة عن السيدة عائشة رضى الله عنها و أتهموها رضى الله عنها بالزنى، فتأذى النبى (ص)، كما تأذت هي وأهلها عند سماع ذلك، وهجرها (ص) وكان دائماً يسأل أهله وأهل السيدة عائشة عن ما حدث فيقولوا أنهم ما سمعوا عن عائشة رضى الله عنها إلا خيراً وإنها من المستحيل ان تفعل ذلك ابداً.
فذهب إلى السيدة عائشة فى بيت أبيها أبى بكر الصديق وورد عنه (ص) أنه قال لها: أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ». فنظرت السيدة عائشة لأبيها ابى بكر وامها وقالت لهم : آلا تجيبان؟ فقال لها ابى بكر: والله ما ندرى ما نقول، فقالت لهم السيدة عائشة : والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت ابداً، والله يعلم أنى بريئة، ووالله ما أقول أكثر مما قال أبو يوسف {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا َصِفُونَ}.
هنا نزل الوحى على النبى و أخبره ببراءة السيدة عائشة من هذة الحادثة الشنيعة ونزل الله فى هذا الموقف قرآناً، قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿١١﴾ لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَـٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ ﴿١٢﴾ لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَـٰئِكَ عِندَ اللَّـهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴿١٣﴾ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿١٤﴾ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ ﴿١٥﴾ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴿١٦﴾ يَعِظُكُمُ اللَّـهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿١٧﴾ وَيُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۚ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿١٨﴾ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿١٩﴾ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّـهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴿٢٠﴾ (سورة النــور)
وهنا تبشر الرسول (ص) و أبتسم و أخبر عائشة رضى الله عنها فقالت لها أمها :
آلا تشكري رسول الله ؟ فقالت لها السيدة عائشة رضى الله عنها : بل أشكر الله الذى برءنى و أنزل فى قرآنا يبرءنى من هذا الذنب العظيم.
لقد ظلت الحكومة والمعارضة يتبادلون الاتهامات بعدم الجدية وفقدان المصداقية وعدم الوفاء بالعهود والمواثيق، وكل منهما يتهم الآخر بالوقوف وراء معاناة الشعب من ظروف اقتصادية طاحنة وغلاء للمعيشة وتضخم غير مسبوق وتدهور للعملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، والتسبب في معاداة المجتمع الدولي للسودان، والسبب في المقطاعة الاقتصادية، والنزاعات والحروب، والأزمة الاقتصادية والفساد، وغيره من اتهامات.
في إطار سلسلة "الحوار الوطني يفضي لسودان يسع الجميع" وفي هذا الجزء الخامس من السلسلة، وحتي نكون موضوعيين في تناولنا لقضايا جوهرية تتصل بالحوار الوطني الذي نجزم بأنه يمثل فرصة غير مسبوقة للخروج بالسودان إلى فضاءات أرحب وتمكين المواطن والمجتمع السوداني من قيادة الدولة، كما صرح بذلك السيد الرئيس في كلمته خلال الجلسة الختامية التأسيسية للحوار الوطني في العاشر من أكتوبر 2016م، لدينا للحكومة والمشاركين في الحوار والممانعين ولكافة الشعب السوداني بكل طوائفه وطبقاته، كلمات نهلناها من الكتاب العزيز من آيات حادثة الإفك، ومن تعامل الرسول صل الله عليه وسلم، والسيدة عائشة رضي الله عنها، ووألديها، وعشيرتها وصحابة رسول الله (ص) ومجتمع المدينة، لها صلة بالعلاقة بين الحكومة والمعارضة وبين الحكومة والمشاركين في الحوار الوطني، حتي نستبين طريقنا ونحدد منهجنا في التعامل، بما يعزز الثقة بيننا جميعا ويعيننا على المضي قدما في طريق الحوار الوطني المفضي، بإذن الله، إلى سودان يسع الجميع.
كل منا، وبخاصة الناجحين و الشخصيات العامة معرضين للحسد والنقد البناء وغير البناء، ولكيل التهم حقيقة وظنا.
المسؤلون في الحكومة أو المعارضة غير مبرئين.. وهم، تماما كما غيرهم إن لم يكن أكثر من غيرهم، معرضون للخطيئة. وقربهم من رئيس الحزب الحاكم أو المعارض أو الحركة لا يجعلهم معصومون من الخطأ، وبالتالي لا يجب أن يجعلهم بعدين عن متناول يد العدالة.
إن كانت هناك تهم واضحة بدلائل وبراهين يجب تقديمها للجهات ذات الاختصاص التي يجب أن تعمل الحق وتطبق القانون حتي ولو على فاطمة بنت محمد (ص)، كما قال بذلك الرسول صل الله علىه سلم. فالناس سواسية أمام القانون، غنيهم وفقيرهم، أبيضهم وأسودهم، كبيرهم وصغيرهم، وزيرهم وخفيرهم.
على المسؤولين في الدولة إنزال أرض الواقع قرارات السيد رئيس الجمهورية الخاصة بتقديم كل من تثبت إدانته للمحاكمة العادلة، دون أي محسوبية! فلا أحد فيينا يعلم الغيب، ولا يمكن لنا أن نقول إلا ما نعلم، مع الإقرار بمحدودية علمنا، لأننا نعلم جزء من الحقيقة. فلا حتي المصطفى صل الله عليه وسلم، ولا حتي وألديها لم يجزموا ببرأة السيدة عائشة زوجه رسول الله صل الله عليه وسلم، أم المؤمنين، وبنت أبو بكر الصديق صحاب رسول الله، وثاني رسول الله (ص) إذ هما في الغار، وأول الخلفاء الراشدين إلا بعد نزول الوحي، وفرحه (ص) بنزول الآيات التي برأت وزجه رضي الله عنها، يعكس مدى تأثره عليه السلام بما كان يقال، رغم يقينه في نفسه ببرأتها، ولكنه كان ينتظر قول الله سبحانة تعالى. فنحن حين نعمل على إحقاق الحق فإننا إنما نطبق شرع الله سبحانة تعالي الذي قال :"لا يجرمنكم شنأن قوم على أن لا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى"، على نهج نبيه صل الله عليه وسلم.
لنا في رسول الله صل الله عليه وسلم أسوة حسنة، حين وقف موقف المحايد عند حادثة الإفك، بل ذهب إلى أكثر من ذلك بإن ابتعد شيئا ما عن السيد عائشة رضي الله عنها وتغيرت معاملته لها، إذ قالت تصف موقفه منها أيام الإفك ما معناه أنها لم تعرف عنه اللطف الذي كنت تراه منه، في إشارة إلى حساسية القضية وجديته في التعامل منها، ولو كان الأمر يعني السيدة عائشة زوج رسول الله صل لله عليه وسلم وأم المؤمنيين. فلا محاباة ولا بغض إلا في الله. وحدود الله واضحة لا هوادة فيها، ولا تهاون.
يجب أن لا ننجر وراء الظنون.. وأن نعلم أن حديث شخصا ما، مهما كانت مكانة هذا الشخص مسؤول كبير في الحكومة أو المعارضة، عن فساد فلان أو علان، لا يعني بالضرورة صحة ومصداقية ما يقال، لأن السيدة عائشة رضي الله عنها، إنما ساعد في انتشار حادثة الإفك عنها الحسد والبغض والفجور في الخصومة، ممن كانوا حولها وحول رسول الله صل الله عليه وسلم. فعلينا أن نحذر من أن تصيبا مصيبة بما نقول بعلم أو دون علم. يقول الله تعالى: "إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ ﴿١٥﴾، النور.
لا يجب علينا تصديق كل ما يقال.. فأحيانا يبلغ الحسد والبغض والعداء بصاحبة مبلغ يجعله رهينة للشيطان الذي يأمره بالسوء والفحشاء والكيد والدسائس لمنافسه وخصمه. وهو في غمرته هذه يتخطى كل حدود الله ويكون مستعدا لينسج من بنات أفكاره القصص والحكاوى للنيل من خصومه دون ورع أو خوف من الله سبحانة وتعالى، فيدمغوا فلا يستطيعون سمعا ولا بصرا ولا فقها. وقد حذرنا الله سبحانة تعالى من ترديد ما يقول أمثال هؤلاء، فقال سبحانه وتعالى: "وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴿١٦﴾، سورة النور.
علينا أن نحذر أن من بين بني جلدتنا من باع دينه وعرضه وسعى في الأرض فسادا ويحب أن تشيع الفاحشة في بلاد المسلمين. فيبررون للناس الحرام من خلال الترويج بأن فلان ذو المنصب العالي والمرموق قد سرق أو عاث فسادا، فإذا كان ذلك قد فعل فما بالكم أنتم!!! وفي هذا يقول سبحانة وتعالى في قوله جل وعلا: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿١٩﴾ النور.
على المسلمين أن يحسنوا الظن بالله وبأنفسهم وأن لا يهنوا ولا يضعفوا أمام أي تحدي يواجههم. وأن لا يصدقوا ما يقال عنهم وعن إخوانهم المؤمنين مهما كان طالما لا توجد دلائل وبراهين ولا حتي قرآئن، وأن يحسنوا الظن بأنفسهم وأن لا يرددوا ما لا يعلمون صحته، ولا مصدره. فقد كان هناك رجال حول رسول الله صل الله عليه وسلم قد خاضوا فيما خاض فيه عامة الناس، والمنافقون والمشركون واليهود. فقد حذر الله سبحانة وتعالى من ذلك في قوله تعالى: "لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَـٰذَا إِفْكٌ مُّبِين" الآية 12 سورة النور.
يعتقد بعض الناس ظنا أنه ما من شائعة إلا وفيها نسبة من الصحة. ويدللون على ذلك أن بالمثل الشعبي القائل: "ما من دخان إلا وتحته نار". وهذا بهتان بائن. وهناك من يستغل هذه الأمثال ليدلل بوعي أو من غير وعي على أوهام صاغها آخرون ضد آخرين لشئ في أنفسهم. وحادثة الإفك، تدلل على صحة ما نقول، لأننها كانت كلها إفك من بدايتها إلى نهايتها، ودليلنا في ذلك القران الكريم وآيان الإفك أعلاه، والتي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك بأن كل حادثة الإفك كانت كذبا وتلفيقا.
نحن لا نعلم الغيب، وعلمنا محدود بمحدودية حواسنا وإدراكنا، لذلك كثيرا ما نسقط ما يحدث لنا على واقعنا، غافلين أو مستغفلين الغيب. لذلك كثيرا ما نتأذى ونظن أن ما يحدث لنا ويقال عنا ويحاك ضدنا هو شرا لنا ولأهلنا، وكذلك كان ظن كثير ممن شهدوا حادثة الإفك إلى أن جاءت آيات الله لتؤكد أن ما وقع هو خيرا بإذن الله، إذ يقول الله سبحانه وتعالى " إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿١١﴾، النور.
إن الإنسان بطبعه خطآء.. وخير الخطائين التوابون. والخطأ لا يعني نهاية المطاف، ولا نهاية الدنيا. فمن كان منكم بلا خطئية فليرمها بحجر. ففي خضم حادثة الإفك طلب الرسول صل الله عليه وسلم من السيدة عائشة: "فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ". وقول المصطفى صل الله عليه سلم يؤكد لنا أن الإنسان يمكن أن يخطئ، إن كانت زوج رسول الله صل الله عليه وسلم، وأن باب التوبة النصوح مفتوح أمامه على مصرعيه، وأن الله يقبل التوبة ويغفر الذنب بإذنه تعالى، البر الرحيم.
يجب علينا أن ندرك أهمية العفو والتسامح في ديننا. ولنا في قصة مسطح الذي هو بمثابة العم لعائشة رضي الله عنهم، ابن خالة أبيها الصديق رضي الله عنه، دروس وعبر. - فقد كان أبوبكر الصديق عليه رضوان الله يجود على أخيه أبن خالته الفقير بماله. وكان مسطح رضي الله عنه ممن خاضوا في عرض بنت صاحب اليد الممتدة إليه. فحين نوى الصديق بعد أن براء الله عائشة رضوان الله عليها، كونه بشر يشعر ويحس ويفرح ويتألم، بوقف النفقة التي كان يدفعها لمسطح، فقد قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه بعد نزول آيات الإفك وتبرئه عائشة رضوان الله عليها: "والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة". ترسيخا لقيم العفو والتسامح، وتشيجعا للبذل والتصدق في سبيل الله أنزل الله عز وجل: " وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى } إِلَى قَوْلِهِ :{أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُم" . فأرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال: "لا أنزعها منه أبدا".
علينا أن نتعلم قيم العفو والتسامح والتجاوز والتعاون على البر والتقوى والمصلحة العامة، علينا أن لا نقف عند أخطأ الآخرين، علينا أن نجد العذر لمن أساء إلينا وأخطأ في حقنا إن كنا حقا نعمل بإخلاص ونية صادقة قاصدة ولمصلحة الوطن الذي نأمل ونحسب أنه قد آن الآوان لأن يصطف جيمع أبناءه للدفع به إلى حجز المكانة المرموقة التي يستحق، بإذن الله وفضلة.
اختلف الواقع القيمي في المجتمع المسلم ما قبل حادثة الإفك عما بعدها إختلافا كبيرا. فالمؤمنين الذين كانوا مع الرسول صل الله عليه وسلم، زاد امتثالهم ما بعد حادثة الإفك لأوامر الله وإنتهو بنواهيه عامة وخاصة ما ورد في آيات الإفك من أوامر ونواهي، فظنوا بأنفسهم والمؤمنات خيرا، وعلموا أنه لا بد من شهداء عند اتهام شخصا ما، وعلموا أنه لولا فضل الله عليهم ورحمته لمسهم فيما أفاضوا فيه عذا عظيم، لأنهم ألقوا بألسنتهم وقالوا بأفواههم ما ليس لهم به علم وكانوا يحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، وتعلموا أنه لا يجوز لهم الحديث بهذا لأنه بهتان عظيم، وتعاهدوا أن لا يعودوا لمثله أبدا ما كانوا مؤمنين لأن الله سبحانه وتعالى بين لهم الآيات وهو العليم الحكيم، ولأنهم علموا أن هناك من يجب أن تشيع بينهم الفاحشة فعليهم الحذر والحيطة، وأن ذلك كله كان بفضل الله ومنه ورحمته إنه هو الرؤوف الرحيم.
عند خطاب الوثبة الأول كان حال الجميع ما بين مصدق ومكذب وما بين ذلك.. وشكك الكثيرون، خاصة من أحزاب المعارضة والحركات، في مصداقية السيد رئيس الحوار الوطني رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الوطني في ما التزم به من تهيئة المناخ لإجراء الحوار الوطني، وقد كان أن أوفى بما قطع على نفسه. ووعد السيد الرئيس بتنفيذ كل ما يتم الاتفاق عليه في وثيقة الحوار الوطني، وجدد هذا الالتزام حين الجسلة
الختامية التأسيسية للحوار الوطني في أمام جموع الشعب السوداني وأمام القيادات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأمام ضيوف البلاد من الرؤساء وممثلي المنظمات الإقليمية والدولية.
فإذا كان السيد الرئيس أوفى بتنفيذ مخرجات نيفاشا، ومخرجات اتفاق سلام دارفور "الدوحة" ومن قبلهما وبعدهما كثير من الاتفاقيات التي وقعت مع معارضين وحاملي السلاح، وكما أوفى بما التزم به من تهيئة المناخ للحوار الوطني، فما الذي يحول، سائلين الله أن يمد في أيامه وأيام الجميع، دون أو يوفى بإلتزامه المتجدد بتنفيذ الوثيقة الختامية للحوار الوطني!!!
فهلا تبدلنا حالنا بعد التوقيع إجماعا على الوثيقة الختامية للحوار الوطني، وزدنا من ثقتنا بالله وأنفسنا، وأحسنا الظن بالله وبأنفسنا، وأن ننأى بأنفسنا عن ترديد ما نحسبه هينا وهو عند الله عظيم، كما تبدل حال المسلمين بعد حادثة الإفك إلى أحسن حال وسادت بينهم القيم التي تعضد من تمساك المجتمع وتدفع به إلى الأمام ليحل محله بين الأمم.
"فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ". صدق الله العظيم

والله من رواء القصد وهو يهدي السبيل،،،
د. خالد علي لورد


khldlord@gmail.com

 

آراء