الخرطوم وصراعات المصالح المتضاربة

 


 

 

"من الخرطوم"

الأزمة السياسية السودانية، من خلال تتبع الخطابات السياسية لكل المجموعات المتصارعة، و مناقشة المنتمين لكل مجموعة، يعتقد هؤلاء أنها معركة بين قوى ثورية و قوى النظام السابق ( الفلول) و يعتقد دعاة الثورية أن عناصر النظام القديم تقوم بدور الكوابح حتى لا تستطيع القوى الثورية أن تسيطر على مفاصل الدولة و مؤسساتها، و هؤلاء رافضون لعملية التحول الديمقراطي. و عندما تسأل قيادات الثورية، لماذا يتمحور الخلاف و الصراع بشكل حاد داخل القوى التي تصف نفسها بالثورية؟ الإجابة تصبح " أختلاف في رؤى الحل السياسي المفضي للديمقراطية" و أين هو المشروع السياسي الذي يفضي للديمقراطية؟ و هنا تبرز كل مجموعة مشروعها – الحرية المركزي مشروعها "الإتفاق الإطاري مؤسس على وثقية اللجنة التسييرية لنقابة المحاميين، و مجموعة المركزي مدعومة من قبل الثلاثية و الرباعية و هي الركيزة التي تعتمد عليها هذه المجموعة، و غدت أداة ضغط ضد الآخرين" و مجموعة الديمقراطي " تتمسك بالوثيقة الدستورية القديمة و تبني مشروعها على الوثيقة و هي التي توافق على دعوة مصر لحوار بين القوى السياسية في القاهرة لتوحيد الرؤى في رؤية واحدة" و هناك الحزب الشيوعي و حزب البعث يتمسكان بالجذرية رغم إختلاف الرؤية و الأهداف" و أيضا هناك لجان المقاومة.
و عندما تسأل بعض المثقفين الداعمين لكل مجموعة عن علاقة مصطلح (الثورية) بالديمقراطية أين يلتقيان و أين يفترقان؟ لا تجد إجابة واضحة.. مما يدل أن المصطلحات السياسية في السودان تفقد خاصيتها العلمية تماما، و حتى بقايا الطائفية تعلقوا بأهداب المصطلح لكي يقيهم شرور القوى الريديكالية، و البعض الأخر فضل الاستعانة بالخبرات التي لها، أو كانت من سدنة المصطلح، و يصبح الكل ملتحف بمصطلح تغيرت معالمه تماما. هنا لا أللوم الحزب الشيوعي السوداني، باعتبار أن المصطلح يمثل له مدلولات تختلف عند بقية القوى السياسية الأخرى، فالثورية عند الزملاء هي أداة التغيير التي تحدث التغيير الاجتماعي السياسي أي نظاما ثوريا ( يخدم مصالح طبقة واحدة) و حزب البعث الأصل يستخدم المصطلح كأداة تكتيكية حسب مقتضى المصلحة، أو بمعنى أخر هو العمل المسلح لأنه يرتبط بالقضية المركزية ( فلسطين). إذأً شعار الثورية يستخدم كأداة تكتيكية لخدمة مصلحة، و ليس لاسقاط نظام أو عملية تطهير، أو مؤسسات، و عملية التصنيف بين ثوري و غيره لا تؤسس على معايير واضحة. فالديمقراطية واضحة و معاييرها و شروطها واضحة جدا، وأهم خصائص القيادة التي تسعى للتغيير من أجل الديمقراطية الإرادة و التجرد و الشفافية و وضوح الهدف. و أي قوى سياسية تجعل السلطة هدفا من أجل تحقيق أهداف أخرى غائبة عن الجدل السياسي هؤلاء مشروع شمولية جديد، مهما تدثروا بالشعارات الديمقراطية.
القوى الأخرى التي تشكل الجانب الأخر في المواجهة، و تقع تحت دائرة الإتهام، هي عناصر النظام القديم ممثلة في ( عضوية المؤتمر الوطني) و الإسلاميين بكل مكوناتهم و أختلاف مذاهبهم، إلي جانب القوى السياسية التي كانت مشاركة مع نظام الإنقاذ حتى لحظة سقوطه. و التي يطلق عليها إصطلاحا ( الفلول) باعتبار أن كل هذه القوى ذات اتجاه شمولي، أو بمعنى أخر المعارضة لعملية التحول الديمقراطي. و هي قوى في مجال إتهام متواصل لسببين: الأول لأنها تجد الرفض من الشارع، و الثاني هي الشماعة التي تعلق عليها القوى الأخرى أخطائها، و هذا يقودنا مباشرة؛ لتأكيد ضعف الثقافة الديمقراطية، و سيطرة الثقافة الشمولية بحكم طول عمر النظم الشمولية في البلاد، و التي خلفت تراكما كبيرا للثقافة الشمولية، و هي قوى إذا أرادت القوى الثورية أو لم تريد سوف تدافع عن مصالحها بشتى الطرق، و تشكل تحديا للأخرين.
من القضايا التي تحير العقل؛ عندما يتحدث شخص اعتقادا أنه قائد سياسي يحمل لواء التغيير، و يحاول أن يرمي لوم الإخفاق على عناصر النظام السابق، بأنها تنشط أو تتأمر على الثورة. هل كان السيد القائد يعتقد أن نظاما حكم ثلاثين عاما بعد سقوطه سوف يلزم عناصره منازلهم و يفسحوا الطريق للأخرين دون أي معارضة، هذه سذاجة سياسية...! لآن عشرات الألاف من عناصر النظام، و غيرهم، قد أرتبطت مصالحهم بالنظام سوف يدافعون عنها بشتى الطرق و الوسائل، و كان على القيادات السياسية أن تكون مدركة لذلك، و لديها مشروعا سياسيا مفصل و بفترات زمنية من القصير و المتوسط و البعيد، و تدير معركتها وفقا لهذه الفترات الزمنية، تشرع في انجاز القضايا التي لا تجد معارضة كبيرة، محاكمة الذين أجرموا و الذين أفسدوا و الذين استغلوا وظائفهم للمنافع الذاتية، و تشرع في تفكيك دولة الحزب لمصلحة التعددية، و ليس الغرض من ذلك إخلاء وظائف قيادية لتمكين جديد كما حصل في الفترة السابقة، و أيضا تفتح حوارا مع البعض الذين تعتقد أنهم راغبين في عملية التحول الديمقراطي. و كما قال غازي صلاح الدين نحن نراهن على الزمن لتغيير الواقع السياسي، و بالفعل الزمن أحدث واقعا جديدا في الساحة السياسية. و للأسف؛ ماتزال حتى الآن بعض القيادات لا تحاول أن تقرأ الواقع قراءة علمية تحليلية، تعتمد على المعطيات الحقيقية، و ليس على افتراضات تحاول بها إيهام المواطن. فالتغيير ليس شعارات بل هو معركة يومية متواصلة، تحتاج لتقييم و تقويم مستمر، إلا أنه أمر غير متوفر في الساحة السياسية. نواصل ( التدخل الخارجي و خياراته)( حميدتي الانتقال من العسكرية للسياسة) و موضوعات أخرى.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء