الدهماء ليس لها رأي

 


 

 

هذه المقولة ليست من عندي...بل قالها الفيلسوف الاغريقي القديم ( سقراط) في القرن الخامس قبل الميلاد،في خطبته الشهيرة لأهل أثينا ،دفاعا عن النفس ،بعد صدور الحكم بإدانته، بأنه كان يسبح بفكره في السماء،ويسب الآليهة ،ويبث تعاليمه بين الشباب ،وهو يلبس الباطل ثوب الحق ،ويحرضهم بالخروج علي العادات والتقاليد التي ورثوها عن أجدادهم .
وجاءت مقولة ( سقراط) بعد أن رأي أعدادا كبيرة من الأثينيين قد شاعت بينهم تلك التهم وصدقوها،وخرجوا في جماعات يؤيدون حكم القضاة بإعدامه ،بينما كانوا حتي الأمس القريب ضد محاكمته!! فقال مقولته الشهيرة ( الدهماء ليس لها رأي).
ويقصد بذلك ،أن الرعية يمكن أن تساق كالقطيع تحت تهديد السلاح أو المال أو الخطب الرنانة..فالذين كانوا يعارضون محاكمته ،هاهم، أنفسهم ،يخرجون اليوم في مواكبهم ويطالبون بتنفيذ تلك الأحكام ، رقم فظاعتها ، وهي باعدام( سقراط الحكيم) !
اقول ذلك،وفي الخاطر،تلك المظاهرات الحاشدة التي سيرتها جماهير التيار الإسلامي يوم السبت الماضي..فهي مسيرة ،و لاأشك إطلاقا، بأن المئات من المشاركين فيها، إن لم نقل الآلاف، قد خرجوا ايضا في مليونيات المعارضة السابقة ضد حكم الأسلاميين ممثلا في حزب المؤتمر الوطني...وهم يعلمون بأن هذا الحزب موجود بكثافة في هذه المسيرة !!
وهذا يذكرني بالقول المشهور ،الذي ينسب جورا علي السودانيين بأنهم ( شعب كل حكومة).. فهو قول غير صحيح ،ولكن ذلك لا ينفي بأن بعض ( الدهماء ) هم فعلا ( شعب كل حكومة) .وقد تأكد لي ذلك عندما اتصلت هاتفيا ،ذلك اليوم، بأهلي في السودان كما جرت العادة من وقت لآخر، متفقدا أحوالهم،فسألتهم عن( فلان) فقيل لي أنه قد خرج في مظاهرة التيار الإسلامي...وكنت أعلم أنه كثيرا ما كان يتصدر المليونيات السابقة لقوي المعارضة ضد عودة النظام السابق للحكم.
وعندما عاودت الاتصال به لاحقا ،وسألته حقيقة ماجري ؟ لم ينكر وجاء رده صادما( أنه مع مصلحة البلد...ومصالحه الشخصية)!! وتلك هي الدهماء عندنا في السودان...وقد صدق ( سقراط) فيما قال( الدهماء ليس لها رأي ).
د.فراج الشيخ الفزاري
f.4u4f@hotmail.com

 

آراء