الدور على مشروع الزيداب: (القطار دورّ حديدو)!

 


 

 

 

إذا فرغ الأماجد من الإعداد اللائق لإعلان إنهيار مشروع الزيداب فإن في ذلك (إنجاز) يُحسب (على قدر أهمية الحدث) ذلك أن لهذا المشروع قصة ينبغي أن تكون في خاطر الوطن، فهي حكاية شيقة مبعثها ريادة باكرة بدأت عام 1902 والحكم الثنائي في سنواته الأولى والدنيا غير الدنيا! وهو عام يوافق بداية تأسيس التعليم الحديث في السودان، وقد كان المشروع يمثل الخطوة الأولى التي سيخرج من معطفها (مشروع الجزيرة) بكل هيله وهيلمانه من حيث أنه كان أعجوبة من أعجوبات الدنيا؛ ربما هي الوحيدة التي يمكن أن يقال أنها عديمة النظير في العالم بطوله وعرضه؛ ذلك أن مشروع الجزيرة كان على وشك أن يوضع ثامناً على رأس (عجائب الدنيا السبعة) فما كان لغيره تكون له كل هذه المساحات الشاسعة من الأرض المستوية تحت إدارة واحدة، ونظام ري واحد، بكل فروعه من كنارات وقنوات ومن محابس وبوغات وتفاتيش.. وإذا كان الأمر كذلك في مشروع الجزيرة (إبن الزيداب) فلا بد للوالد الراحل من وقفة وداع لإلقاء النظرة الأخيرة، إن لم يقيّض الله له من فوق سبع سموات دورة حياة أخرى!

لقد شهد هذا المشروع غضارة ونضارة التأسيس الأولى وبداية التجارب الباكرة لزراعة القطن بعد تمحيص المناخ والتربة والطبوغرافيا والجغرافيا ومجري النيل وطبيعة عمل السكّان ومزاجهم العام.. وجاءت بعد هذه المرحلة مهام القياس الدقيق لنتيجة التجارب، وفحص عينات لوزات القطن، ومعاينة إستجابتها للحليج، ثم خروج القطن الناصع المندوف الذي يشبه قطع السحاب الجَهام و(الهرع) الذي يركض قريباً من الأرض في بدايات الخريف! وخرجت الشحنات الأولى من الزيداب عام 1906 متجهة صوب مصانع لانكشير للغزل والنسيج، وتوالت (بُشرى الهواتف أن قد) كان الميلاد الكبير لقصة الإنتقال بالتجربة الى مشروع الجزيرة، وبهذا يكون مشروع الزيداب بمثابة (الأب الحاني) لـ(لجزيرة بورد) التي حملت السودان في أكنافها الموطأة وفاض خيرها على أهله وجواره وعلى العالمين، وكان السودان (محسود القارة) و(محط آمال العالم) في نوعية قطنه الذي ضجت ببالاته سكك حديد الجزيره و(دوّر حديدها) نحو قطار بورتسودان منقولاً الى أقطار العالم.. ودارت أرقام مزاداته في بورصات أوروبا والعالم الجديد تضع الأسعار وترفعها تزاحماً على الذهب الأبيض، ثم كان ما كان من (وأد الجزيرة ومشروعها) قبل التفرّغ (لتأديب) مشروع الزيداب المتسبّب الرئيسي في هذا الفرح المؤود!

ما يحدث في مشروع الزيداب ونهاية بالإعلان المنسوب لإدارة المشروع وفحواه أنهم قد وصلوا إلى مرحلة (التبشير بإنهياره) وأن الأحوال فيه وصلت الي (مرحلة اللاعودة) بانهيار البيارات والقنوات ومقومات المشروع الرئيسية، لا يبدو من (المُستغربات) بالنظر إلى مصائر المشروعات الزراعية الأخرى في بلاد السودان من أدناها إلى أقصاها.. وهذه الحكاية لن تنزعج لها المجالس التشريعية الإقليمية أو القومية ولا القطاع الإقتصادي.. ويبدو أن لدينا أولويات (ومشاغل أخرى) غير الزراعة.. والجماعة عن كل ذلك (في شغل فاكهون)!


murtadamore@yahoo.com

 

آراء