الدين والابداع

 


 

 

في مقتبل العمر قرر أحد أصدقائي ان يتدين ، كان قرارا مفاجئا ولكنه بالنسبة لي طبيعي فالتقلبات الايمانية تزدحم وتتكثف في مرحلة عمرية معينة ، والوصول الى نتيجة نهائية يكون أمرا صعبا في ظل لولبية المفاهيم الدينية وتبايناتها ومصادراتها. ترتب على حالة التدين هذه أن ترك صديقي هذا الموسيقى والغناء والرقص والشعر والقصة والرواية والمسرح وكل ما يرتبط بالابداعي الفني والأدبي باعتباره محرما. طبعا النصوص الدينية حمالة أوجه فيمكن أن نستخلص منها الحكم ونقيضه في وقت واحد وهذا ما يحدث حالة الانقسام الحاد الآن بين المتدينيين بل انقسامات عدة ناتجة عن التفسير والتأويل للنص.
أن يقف الدين في مواجهة الإبداع فهذه حالة لا تختلف عن الإشكالية التاريخية للعلاقة بين الدين والعلم ؛ لأن الإبداع جزء من عمارة الأرض ، وجزء من أمانة الحرية التي قبل بها الإنسان ، وجزء من زينة الحياة التي تخفف من وطأة الوجود المادي لذات البشري داخل بيئة موضوعية جدا ومفارقة له .
أن يقف الدين في مواجهة الابداع فهذا يعني أن هناك إشكالية في فهمنا لعلاقة الدين بالحياة وميله للإرتباط بالموت أكثر ، هل صحيح أن الدين يميل الى الموت؟؟؟ هل صحيح أنه يصادر على القليل المتبقي من ملطفات الحياة؟؟؟ هل صحيح أن النصوص (حمالة الأوجه) يجب التعامل معها بالتقية ، أي ترك تسعة أعشار الحلال خوفا من الوقوع في عشر الحرام؟؟؟ إن هذه أسئلة إجابتها تختلف ما بين متشدد ومرن ، ما بين فهم ليبرالي للنص وآخر راديكالي ، أي أنه جدل لا ينتهي وخلافا لما أشار إليه هيجل فهو لا يخلق سبيلا ثالثا من ديالكتيكه ، بل يظل يجتر مؤونته من العنف والعنف المضاد في سبيل تجذير سلطته على أرض الواقع ، ولا يعني هذا أننا لم نأت إذا بجديد ، فنحن لنجدد الفهم يجب أن نعيد ربط أذهاننا بالغايات الأساسية التي يتغياها الدين من الفرد والمجتمع ، وعلينا أن نعيد النظر في تصورنا للقوة المطلقة التي تحرك هذا الكون والصانع الذكي الذي براه. هل يمكن للإبداع أن يهدد ويقوض سلطات ومصالح هذه القوة أو الصانع الذكي؟؟؟ ؛ وماهو وجه تعارض الإبداع إذا مع الوصايا والتعاليم المقدسة؟؟؟ هل الإبداعي هو المضاد للروحاني أم أنه جزء أصيل منه ، أليس الدين نفسه -وفي زوايا منه- عبارة عن إبداع وفن؟؟؟ أليست المعجزات فنا مفارقا لقانون الطبيعة ، وأليس الاستقرارا الكوني فنا يؤسس لاستقرار ميزان الطبيعة ؟؟؟ أليس تشبعنا بالقانون الكوني هو فن روحاني بامتياز؟؟؟ أليس اكتفاء الكون بذاته فنا متكاملا بحق؟؟؟.
عندما نجيب على هذه الأسئلة فإننا نستطيع -حينئذ- أن نرى الحبر السري الذي كتبت به مابين النصوص التي تحتاج إلى تفسير وتأويل، لأننا سنربط حروفها بانفعالات الحياة وضروراتها ، وبالتالي فإننا نخلق تجديدا حقيقيا نابعا من عمق التجربة الإنسانية الحية والثرة.
30 نوفمبر2016

amallaw@hotmail.com

 

آراء