السودان موطن الهجرات

 


 

 

 

السودان موطن ألهجرات، قدم إليه المهاجرون من مصر وشمال وغرب ووسط وشرق أفريقيا، هذا فضلاً عن الأتراك والهنود والأقباط واليهود والأرناؤوط والشركس والأرمن والأوربيين، الذين أتت بهم التجارة والغزوات، وهؤلاء تجد تمركزهم في العاصمة والمدن الكبيرة وحواضر الأقاليم، وهنالك القبائل المشتركة بينه وبين دول الجوار في الشمال والشرق والغرب والجنوب، هذه الفسيفساء من المكونات المجتمعية أنتجت الإنسان السوداني بتميزه وتفرده المدهش، الذي ظل يمثل حضوراً مميزاً ومحسوساً في العالم والإقليم، التميز الذي يؤهل بلاده لأن تكون أقوى دولة في الأقليم بل والعالم إذا قاد أمره الوطنيون الخلّص و تخلص من العملاء والمأجورين.

ألعنصريون من أبناءه في الشرق والغرب تحركوا هذه الأيام بسلوك هستيري لعرقلة مساعي السلام والأستقرار في الإقليمين، وبين أيدينا أحداث الجنينة وكسلا، التي مهما نسبنا أسبابها إلى الصراعات المحلية إلا أن خيوط المؤامرة حولها تبدو أكثر وأكبر اتساعاً، كما ألمح وصرح بذلك نائب رئيس المجلس السيادي أول أيام عيد الأضحى المبارك، ومثل هذه النزاعات والنزعات القبلية لا يمكن لها أن تستعر إلا بضلوع ناقمين تنهش قلوبهم نار القبلية البغيضة في الإقليمين، ومثل هؤلاء الناقمين تحركهم عواطفهم أكثر من أن تتحرك فيهم الروح الوطنية.
ألأقليم الشرقي به قبائل مشتركة بين إرتريا والسودان، وكما هو معلوم أن الأرض الممتدة من هناك مروراً بتشاد والنيجر ومالي كان يطلق عليها إسم السودان، فانظر إلى هذا القطر العملاق الذي إذا تطايبت فيه النفوس لأصبح الأول في أفريقيا، الحدود التي رسمها الأنجليز والطليان والفرنسيون يجب أن لا تعنينا في شيء، بقدر ما يعنينا الثراء الاقتصادي والتعاون التجاري المشترك والتسامح والتداخل المجتمعي، لكن مؤامرات الساسة لن تدع البسطاء يتنفسون الصعداء فتتفجر الأرض تحت أقدام ساكنيها براكين من المآسي والمجازر والأشلاء، إرضاءًا لغرور الذين لم تشملهم معادلات الصراع السياسي ولم تأت بهم للقصور المنيفة والظلال الوريفة.
ألوالي المدني الجديد لولاية كسلا جاء من صميم المجتمع الكسلاوي، لكن دعاة العنصرية رفضوه بحجة أن جذره القبلي مشترك بين أرتريا والسودان، دون أن يبحثوا في الجذور العرقية لحكام السودان الحديث الذين وفد أجدادهم من تمبكتو، وبغير ما يعلموا أن هتلر الذي ملأ اسمه الدنيا وقاد الشعب الألماني نحو تحقيق حلم إمبراطوريته النازية كان في الأصل نمساوي، إن الأنتماء المزدوج ليس عيباً بل العيب كل العيب في العنصرية المقيتة التي تأكل مقدرات الشعوب كأكل النار للحطب، وتنخر في هيكل الدولة العظمي كما يفعل السرطان، نقول لأهل كسلا أنكم أمة واحدة منذ زمان مملكة أكسوم السحيق، ولسكان شمال السودان نذكّر بأن مملكة نوباتيا كان نصفها واقع على أرض جنوب مصر والنصف الآخر بالسودان، وللعنصريين من دارفور نوجه لهم القول الفصل بأن سلطنة وداي منقسمة أرضها بين السودان وتشاد وكذلك دار اندوكا.
ألخطاب الذي قدمه نائب رئيس المجلس السيادي بمناسبة عيد الأضحى، يجب أن يكون ملهماً للوطنيين من أبناء السودان الذين يبحثون عن مخرج صادق لأزمات الوطن، وأن تكون الجملة المحورية التي قال فيها أن كل الدول المحترمة تمنح الجنسية لكل من أقام بها مدة لا تقل عن خمس سنوات، ديدناً لشعبنا ولمنظومتنا السياسية في عدم التمييز بيننا وبين أبناء عمومتنا، الذين يشاركوننا الأرض والمصير المشترك، في جنوب مصر وشرق تشاد وشمال غرب ارتريا وشمال جنوب السودان، لابد من جعل هذه المجتمعات المشتركة مصدراً لتقوية الدولة السودانية لا سبباً في وهنها وضعفها، فإذا ما أهملناها سيتم استغلالها من قبل الجيران في تحقيق مآرب لهم.
الأقليم الغربي (دارفور) شهد معارك في غير معترك الأسابيع الماضية، لقد أثار المنغلقون قبلياً موضوع ما يسمى (المستوطنون الجدد)، الملف الذي أشعل الحرب في الأقليم الغربي منذ ثمانية عشر عاماً، بزرع بذور الفتنة العرقية بين مكونات مجتمع عاش مئات السنين في سلام ووئام، عبر منظومة إدارية أهلية تمنح حق الأستنفاع من الأرض للذي يفلحها، لكن الأجندة السياسية التي يتبناها بعض المغامرين والطامحين في الوصول إلى دهاليز قصر غردون ، أبت إلا وأن تشعلها فتنة عرقية تأكل الأخضر واليابس طالما أن معادلة الأمن والسلم لن تأتي بهم حكاماً.
ألرسالة التي يجب أن يعلمها سكان دارفور من القبائل الموالية لبعض من المتمردين المتطرفين من أبنائها، أن مجتمع دارفور ليس به مستوطن قديم وآخر جديد، وإذا لم يرعوي حملة مشاعل الفتنة القبلية ويتعظوا من المصير الذي آلت إليه شعوب تعيسة كثيرة خاضت ذات الحروب العبثية الحمقاء، ما عليهم سوى إنتظار مشاهدة سيناريو حروب رواندا الأهلية، التي استُهدفت فيها قبيلة التوتسي القليلة العدد إستهدافاً عنصرياً بغيضاً، فتم وصمها بالمستوطنة وغير الأصيلة، وخاضت قبيلة الهوتو صاحبة الأغلبية السكانية حرباً ضروساً ضد التوتسي بقصد إبادتها عن بكرة أبيها، ثم أتت مخرجات الحرب بالأخيرة منتصرة وفاتحة للعاصمة كيقالي، وراعية للسلم والأمن والتصالح المجتمعي وقائدة ورائدة لمسيرة نهضة التنمية الإقتصادية التي نراها اليوم، وخاب فأل الهوتو ولم تنفعهم كثرتهم ولا إدعائهم الأجوف والأرعن بأنهم أصحاب الأرض، وبهذه المناسبة ولمن لا يعلم فإنّ التوتسي قبيلة مشتركة بين ثلاث دول، وحالها كحال القبائل المغضوب عليها في الشرق والغرب السوداني.
ألملاحظ أن السكان في جميع أنحاء الأرض من الذين يتمترسون خلف شعارات القبيلة والأصالة المزعومة والأسبقية التاريخية، جلهم كسالى ويتفوق عليهم الموصومون بأنهم مهاجرون أو مشتركون، ففي شرق السودان نشط أفراد القبائل المستضعفة وحققوا نجاحاً مبهراً في الزراعة والأقتصاد والتجارة والسياسة، بينما ظل من يهتفون باسم التاريخ والماضي السحيق قابعين في كهوفهم يمتص دمائهم القمل ويهتك أسترة رئاتهم السل، ذات الأمر حدث ويحدث بدارفور، حيث خسر الصارخون باسم ملكية الأرض والتاريخ خسراناً مبينا في الحرب التي اشعلوها قبل عقدين، وسوف يخسرون الكثير طالما ظلوا سادرين في غيهم يعمهون، ولن يستبينوا الرشد إلا بعد فوات الأوان وحينها لن ينفع الندم.

إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com

 

آراء