الصادق المهدى والكرسى المفقود … بقلم: د . احمد خير / واشنطن

 


 

 

أعلم تمام العلم بأن قضيتنا الأولى يجب أن تكون منحصرة فى مايفعله الحزب الحاكم وماستؤول إليه البلاد بعد إستفتاء عام 2011 والعمل بقدر الإمكان على تلافى إنشطار السودان وإيجاد صيغة تمكننا من الحفاظ عليه بحدوده الجغرافية التى عهدناها . سودان المليون ميل مربع يجب أن نشد عليه بالنواجز ليبقى للأجيال القادمة بنفس الملامح التى خلقت منه مكاناً فريداً ظللنا نفخر به . وبينما نحن فى شغلنا الشاغل للبحث عن مخرج ، نواجه بمنغصات تظهر بين الفينة والآخرى تدفعنا قسراً لتحويل البوصلة للنظر فى إمكانية تلافيها قبل أن تنفذ إلى السطح فتصبح معوقاً يجرنا إلى دهاليز يصبح معها الخروج إلى النور صعب ويحتاج إلى جهد ووقت . مع علمنا بأن الوقت ليس فى صالحنا إذا ما أردنا الخروج من نفق الإنقاذ لتفادى الإنزلاق فى متاهات الإنفصال الذى بات البعض يدق على أبوابه ويعمق من فرقتنا نحن أبناء الوطن الواحد ، إلا أننا نجد أنه لزاماً علينا الوقوف عند تلك المنغصات .

ماأعتبره فى عداد المنغصات هو مايصدر من وقت لآخر من السيد الصادق المهدى ، حيث قد تعود أن يجتهد " ولكل مجتهد نصيب " ولكن إجتهاداته " الفردية " هذه إذا ما وجدت المجال للتطبيق ستأخذنا إلى نهايات لايعلم بها إلا الله ! وكى لانظلم الرجل ونخط بعموميات قد يفسرها البعض بأننا نحمل عليه بدون شواهد أو أدلة ، سأتطرق إلى ما جاءت به بعض المصادر من أقوال أو أفعال نسبت إليه .

جاء فى سودانايل بتاريخ 2 يوليو 2010 مايلى" أعلن المهدى ان حزبه يعتزم طرح مايسمى بـ ( الحوكمة البديلة ) وذلك بداية من يوم الأثنين المقبل . الفكرة تتلخص فى طرح رؤية حول الجنوب ودارفور والمياه ، وغيرها من المشاكل التى تواحه البلاد فى الوقت الراهن ...لافتا أن هذه الفكرة ستساهم فى تشكيل المشهد السودانى فى هذه الفترة المهمة والتى سيتحدد على اساسها مصير السودان . .. (و) ان الحزب أيضا بصدد التحضير لمذكرة للأمم المتحدة لمطالبتها بعمل آلية لمراقبة الإستفتاء "

ونتساءل: هل حزب الأمة القومى كحزب ، وأعنى هنا كوادر الحزب قد شاركت فى دراسة وصياغة ما أعلنه المهدى !؟ أشك فى ذلك ، ولعلمى الأكيد بأن الرجل قد إعتاد أن يجمع بعض المراجع ويدخل فى غرفته " خلوه " ويكتب ما يشاء ويخرج إلى الملأ ليقول " أنى أريكم ما أرى " ويبدأ فى بث ماتوصل إليه هو خلال أجهزة الإعلام المختلفة موقناً بأنه يحقق مالم يتمكن منه كل رجالات السياسة والإقتصاد وعلوم الأرض والفضاء !

قبل عدة أيام إستضاف الصديق الإعلامى المصرى اللامع / حافظ الميرازى فى برنامجه التليفزيونى من الخرطوم السيد الصادق المهدى وكان على الجانب الآخر من واشنطن الصديق الدكتور/ رشدى سعيد وكان الموضوع عن مياه النيل والأزمة القائمة بين دول الحوض . أشير هنا إلى أن الدكتور/ رشدى سعيد يعتبر من الخبراء القلائل الذين لهم معرفة عميقة فى النيل من منبعه إلى المصب . وله مؤلفات فى مياه نهر النيل . وكان هو من الرجال القلائل الذين إعترضوا على قيام مشروع توشكى الذى كان قد تسارع إليه رجال السياسة فى مصر إبان فيضان نهر النيل فى عام 1998 بحجة تصريف مياه الفيضان فى مجرى توشكى وإقامة مشاريع زراعية فى المنطقة . إعتراض الدكتور/ سعيد فى ذلك الوقت كان ناتج على أن ما أحدثه الفيضان ماهو إلا حالة مؤقته ستزول بإنحسار مياه النهر ، بعدها سيحتاج المشروع إلى ماكينات تضخ المياه إلى إرتفاع 63 قدم فوق منسوب المياه فى فترات إنحسار مياه نهر النيل . وكان أن أثبتت الأيام صدق دعواه ولم ينجح مشروع توشكى ولم تتمكن السلطات المصرية من تحويله إلى مشروع إستثمارى .

نعود إلى ماحدث فى برنامج الميرازى حيث قال السيد الصادق المهدى أن لديه الحل المناسب لمشكلة حصص مياه النهر وخاصة الجزء الذى يخص مصر والسودان وأثيوبيا ، وكان أن تقدم بإقتراحه المتمثل فى " أن تقوم فى السودان مشاريع زراعية مشتركة بين مصر والسودان وإثيوبيا ، وأن السودان على أتم إستعداد لتقديم الأرض التى تقام عليها تلك المشاريع ، وبذا تكون مشكلة المياه بين السودان ومصر وإثيوبيا قد حلت "

بعد أن فرغ السيد الصادق المهدى من تقديم رؤيته حيال مشروع الحل الذى تقدم به ، إبتسم الميرازى وبدون تعليق تحول إلى الدكتور/ رشدى سعيد فى واشنطن مستكملاً أسئلته !

ونتساءل هنا: من الذى أعطى للسيد الصادق المهدى الصلاحية للتبرع بتقديم الأراضى السودانية لإقامة مشاريع زراعية بين مصر والسودان وإثيوبيا !؟ ومن هم الخبراء الذين إستشارهم للخروج بهذا المقترح !؟ إذا كان هناك خبراء وراء ماتبرع به سنكون جد شاكرين إن أمكن تعريفنا بأسماء أولئك الخبراء . وإن لم يكن هناك خبراء وأن هذا المشروع الجبار من إجتهاداته الخاصة فعندها سنعترف بأن الرجل يملك من الحكمة والخبرة فى مجالات الزراعة وإستصلاح الأراضى والمياه والطاقة والإقتصاد والسياسة الدولية والتجارة وكل أساليب التكامل الإقتصادى بين الدول بالإضافة إلى حق الملكية فى أراضى السودان ! عندها ، لن نحتاج إلى خبراء متخصصين فى المجالات المذكورة آنفاً وعلى الدولة إغلاق جميع الجامعات والمعاهد المتخصصة ومعاهد الدراسات ومنح حق ملكية أراضى السودان للسيد الصادق المهدى ليتصرف فيها كيفما يشاء ! كما أن على منظمة الوحدة الأفريقية أن تغلق مكاتبها وتصرف العاملين فيها وتنتظر مايمكن أن تجود به قريحة السيد المهدى ! كما أن على دول حوض النيل الكف عن الإجتماعات وماتقوم به من أساليب فض النزاعات ، طالما الحل عند رجل واحد يعتبر من أعقل عقلاء أفريقيا " وإحنا مش عارفين "

ثالثة الأسافى هى ماذكره السيد الصادق المهدى " .. ان الحزب بصدد التحضير لمذكرة للأمم المتحدة لمطالبتها بعمل آلية لمراقبة الإستفتاء "

ونتساءل: هل دخلت الأمم المتحدة من قبل فى مسألة تخص إقليم من أقاليم أية دولة للإشراف على إستفتاء تقرير مصير وخرجت بتوصية تنادى بوحدة الإقليم مع الدولة الأم !؟ بالطبع لا ، إذن ماذا يريد السيد الصادق المهدى للسودان بمذكرته المزعومة ؟ دعونا نترك الإجابة على هذا السؤال للمستقبل القريب لنرى ماذا فى جراب الحاوى . والسؤال الأخير هو: هل فعلاً يعمل السيد الصادق المهدى لتقديم الحلول لمشكلات السودان ، أم أن كل همه هو إستعادة كرسى الحكم المفقود !؟ مجرد سؤال .

Ahmed Kheir [aikheir@yahoo.com]

 

آراء