الصراع في سوريا تنافس القوى الكبرى ودور الأجندات الإقليمية

 


 

لنا مهدي
10 December, 2024

 

بقلم: لنا مهدي

١٠ ديسمبر 2024

انطلق الصراع في سوريا عام 2011 كجزء من موجة الثورات العربية التي طالبت بالحرية والديمقراطية وسرعان ما تحول الحراك الشعبي إلى نزاع مسلح نتيجة لقمع النظام السوري للمظاهرات السلمية. ومع تصاعد العنف، تحولت البلاد إلى ساحة معقدة للتنافس الدولي والإقليمي، حيث تداخلت مصالح قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا وإيران وأدى هذا التنافس إلى تعقيد الحرب وإطالة أمدها، مع سعي كل طرف إلى تحقيق أجنداته الخاصة.

سعت الولايات المتحدة إلى إسقاط نظام بشار الأسد ضمن استراتيجيتها لإضعاف محور إيران-روسيا في الشرق الأوسط. قدمت واشنطن دعمًا ماليًا وعسكريًا لبعض فصائل المعارضة السورية، وخصوصًا “الجيش السوري الحر”، كما نفذت ضربات جوية استهدفت مواقع للنظام، مثل الضربة التي استهدفت قاعدة الشعيرات الجوية عام 2017 ردًا على استخدام الأسلحة الكيميائية. في الوقت نفسه، ركزت الولايات المتحدة على محاربة تنظيم “داعش”، حيث دعمت قوات سوريا الديمقراطية لتحرير مناطق واسعة شمال شرق سوريا. إلا أن هذا الدعم أدى إلى توتر علاقاتها مع تركيا بسبب النفوذ الكردي. ومع كل ذلك، واجهت واشنطن تحديات كبيرة، أبرزها التردد في التدخل العسكري المباشر بسبب إرث التدخلات السابقة في العراق وأفغانستان، بالإضافة إلى التنافس مع روسيا التي كانت في البداية تدعم الأسد بقوة.

إسرائيل من جانبها تعاملت مع الصراع السوري من زاوية أمنها القومي، حيث ركزت على منع التموضع الإيراني داخل سوريا ومنع نقل الأسلحة المتطورة إلى حزب الله. نفذت إسرائيل مئات الضربات الجوية التي استهدفت مواقع عسكرية ومنشآت تطوير أسلحة، لكنها لم تدعم علنًا الإطاحة المباشرة بالنظام، بل فضّلت بقاء الأسد ضعيفًا على احتمال انهيار الدولة وانتشار الفوضى على حدودها.

أما تركيا، فقد مثّل الصراع السوري تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، خاصة مع صعود وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني. دعمت أنقرة المعارضة السورية بقوة، وساعدت في إنشاء مناطق آمنة على طول حدودها لاحتواء تدفق اللاجئين السوريين ومنع تشكيل كيان كردي مستقل. نفذت تركيا عمليات عسكرية مباشرة داخل الأراضي السورية، مثل “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”، التي استهدفت تحجيم النفوذ الكردي وتعزيز حضورها الإقليمي. كما استغلت الأزمة السورية لتوسيع نفوذها الجيوسياسي، عبر دعم الفصائل الموالية لها في شمال سوريا.

إيران، من جهتها، اعتبرت بقاء نظام الأسد مسألة حيوية لمشروعها الإقليمي المعروف بـ”محور المقاومة”، حيث يمثل النظام السوري حلقة وصل استراتيجية بين طهران وحزب الله في لبنان. قدمت إيران دعمًا عسكريًا واقتصاديًا كبيرًا للنظام السوري، وأرسلت مستشارين عسكريين من الحرس الثوري، بالإضافة إلى حشد ميليشيات شيعية متعددة الجنسيات مثل حزب الله وفاطميون وزينبيون. لعب هذا الدعم دورًا كبيرًا في تعزيز صمود النظام أمام المعارضة المسلحة. بالنسبة لإيران، سقوط الأسد كان سيشكل تهديدًا مباشرًا لنفوذها الإقليمي ويعزلها عن حلفائها الأساسيين.

في المحصلة، تحولت سوريا إلى ساحة صراع بالوكالة بين هذه القوى الكبرى والإقليمية، حيث حاول كل طرف تحقيق مصالحه الخاصة على حساب الشعب السوري. وبينما تمكن نظام الأسد من البقاء في السلطة بفضل الدعم الإيراني والروسي في البداية، فإن الثمن كان باهظًا، تمثل في تدمير البلاد وتشريد ملايين السوريين.

أسفر هذا التنافس الإقليمي والدولي عن تفاقم الأزمة الإنسانية، حيث نزح الملايين من السوريين داخليًا وخارجيًا، وانهار الاقتصاد السوري، فيما تمزق النسيج الاجتماعي بفعل الاستقطاب الطائفي والعرقي. كما أصبحت سوريا نقطة ساخنة لتصدير الإرهاب العالمي نتيجة لنشوء تنظيمات متطرفة مثل “داعش”.

ولا يزال مستقبل سوريا رهينًا بتغير موازين القوى وتفاهمات دولية جديدة، فمن الأهمية بمكان فهم الأبعاد الإقليمية والدولية للصراع في سوريا، إذ لا يمكن فصل الأزمة عن مصالح وأجندات القوى الكبرى والإقليمية.

lanamahdi1st@gmail.com

 

 

آراء