بالأمس 21 أغسطس 2015، غيب الموت علم من أعلام النضال الثوري ورائد من رواد الإستنارة والإنحياز للغلابة والمهمشين من أوساط حركة المزارعين السودانيين. لقد رحل العم يوسف أحمد المصطفى، أحد مؤسسي العمل الثوري في أوساط المزراعين على مدى أكثر من ستين عاماً ولاسيما مزراعي الجزيرة والمناقل. وإرتبط بنهوض حركة المزراعين الثورية التي نهضت في أجزاء متفرقة من السودان. وتصدر الأعمام الشيخ الأمين محمد الأمين وعبد الله بروقاي ويوسف أحمد المصطفى في شمال الجزيرة قيادة العمل الثوري في أوساط المزارعين المنحاز للفقراء، وإرتبطوا بالدفاع عن حقوق المزراعين وكانوا مشاعل للإستنارة ونشر الأفكار التقدمية في أوساط المزارعين والشباب وعُرفوا بالحفاظ على صلواتهم وثوريتهم، وبلغوا شأوا عظيما في التأثير على كامل الحركة الوطنية قبل إستقلال السودان وبعده. وعشية الإستقلال بلغت رأياتهم عنان ميدان عبد المنعم الذي شهد تدفق آلالاف المزراعين في مظاهرات تحدت الإستعمار في قلب الخرطوم وإنتزعت حق المزارعين في التنظيم وإستقلالية إتحاداتهم حتي خلدتهم أغاني البنات في ذلك الوقت التي تغنت بشجاعة الشيخ الأمين محمد الأمين (اللمين في خرطومنا قيل وبات.. واللمين غنت ليك بنات شمبات) و (اللمين الدقدق مساميرو)، جاؤا من كل أنحاء السودان. إلتقيت في سنوات سابقة وأجريت محضر نقاش مطول نُشر في جريدة (الميدان) مع أحد أكبر رواد تلك المسيرة العظيمة العم الراحل شيخ الخير ود بريمة، رئيس إتحاد مزارعي النيل الأزرق منذ عام 1957 إلى عام 1971بمنزله المتواضع في قرية كريمة البحر، وقد رافقني إليه المناضل السناري الشهير عيسي أحمد آدم (حكيم) والصديق خالد موسي. عُرفت هذه المجموعة بإلتحامها الوثيق مع الحركة العمالية وحركة المثقفين والنساء والشباب، وكانوا من رواد الإستنارة وساهمت بشخصيات كبيرة من قادة العمل الثوري في زيادة وعيهم بالقضايا الوطنية والإقليمية والعالمية خصوصاً المحترفين الثوريين الذين ساهموا في بناء تنظيمات المزارعين وحملت السنوات الخمسين (من عام 1950 إلى عام 2000م) أسماء كبيرة منهم. عمل يوسف أحمد المصطفى مع بعضهم من الخمسينيات حتي بداية السبعينيات، ومنهم كامل محجوب ويوسف عبد المجيد ومحمد إبراهيم نقد والتجاني الساكن جاد كريم (جلال) والعم عبد الحميد علي (عثمان جزيرة) "عثمان هوايد الليل الصمت والكتمان"، وساهمت هذه المجموعة في نمو حركة المزارعين. وبالقطع فإن الأستاذ عبد الخالق محجوب قد كانت بصماته واضحة في حركة المزارعين. عُرفت قيادة المزارعين بمعرفتها وإلمامها بالعمل السياسي والتنظيمي وبالإهتمام بالقضايا الوطنية وشاركوا على نحو حاسم في معارك الإستقلال وثورة اكتوبر حتي تم تمثيلهم في وزارة اكتوبر بتعيين شيخ الأمين محمد الأمين وزيراً للصحة في فترة هي الأعلى في مراقي نهوض حركة المزارعين. عُرفت هذه الحركة بعلاقاتها بإتحادات المزارعين على المستوى الإقليمي والدولي وزار قادتها الإتحاد السوفيتي والصين وتضامنوا مع قضايا الشعوب المضطهدة وساهموا في جذب مجموعات مؤثرة للعمل الثوري وقضايا التغيير، ويوسف أحمد المصطفى على نحو التحديد ذهب أبعد من ذلك واهتم بقضايا الهامش وقد رافقته للإلتقاء بالدكتورجون قرنق دي مابيور في إجتماع في العاصمة الإرترية أسمرا وأجرى معه مناقشة عميقة عن واجب الحركة الشعبية في تبني قضايا الفقراء في كل أنحاء السودان ولاسيما المزارعين، وظل دائم الإهتمام بقضايا السودان وجنوب السودان. على الرغم من صلة الرحم من الدرجة الأولى التي تربطه مع عمر البشير ولكنه ظل ثابتاً وقاطعاً في موقفه المعادي لدكتاتورية الإنقاذ وأسمع صوته مراراً وتكراراً لعمر البشير في كل المناسبات التي جمعتهما، وكان موقفه وموقف الأعمام الراحلين الكبار العرضي الحسين ومحمد الحسين والأستاذ المحترم مدني العرضي الحسين المحامي موقفاً مؤثراُ في الإستقامة ورفض الحكم الشمولي وإن كان على رأسه من يمت إليهم بصلة من الدرجة الأولى. أصالة عن نفسي ونيابة عن قيادة الحركة الشعبية، أتوجه بالعزاء الحار لأسرته وأهله جميعهم وللحاجة فاطمة، ولمحمد، وصديق، ومحاسن، وآمال، وقرشية، وقاسم وأماني، والطيب، ولحركة المزارعين في الجزيرة.. وندعو الله أن يتقبله قبولاً حسناً مع الصديقين والشهداء. ياسر عرمان