«القدس العربي»: ما مصير مبادرات وتحالفات الموالين للعسكر؟

 


 

 

الخرطوم – «القدس العربي»: في وقت تشهد الساحة السياسية في السودان العديد من المبادرات، وقعت مجموعات سياسية وعشائرية على وثيقة قالت إنها للتوافق حول إدارة المرحلة الانتقالية وإيجاد حلول وطنية للمشكلات السودانية، لكن سرعان ما تبرأ منها العديد من تلك المجموعات، مؤكدة أنها لا تمثلها.
وكانت وكالة السودان للأنباء قد قالت إن 76 جهة وقعت على “الوثيقة السودانية التوافقية لإدارة الفترة الانتقالية” بمبادرة من المركز الأفريقي لدراسة الحوكمة والسلام والتحول ومركز دراسات السلام والتنمية بجامعة بحري”.
ونصت الوثيقة التي وقعت عليها مجموعات موالية للعسكريين وحزب المؤتمر الوطني المحلول- الحزب الحاكم السابق- بالإضافة إلى رئيس حزب الأمة المكلف فضل الله برمة، الأربعاء، بالخرطوم، على العودة للشراكة بين المدنيين والعسكريين وتمديد الفترة الانتقالية لتنتهي بالانتخابات في 2024، وصياغة وثيقة دستورية جديدة تحدد مطلوبات المرحلة الانتقالية، مع الالتزام باتفاق السلام الموقع في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 حسب نسخة من الوثيقة أطلعت عليها “القدس العربي” .
وقالت إنها جاءت نتاجاً لمبادرة جمعت 42 مبادرة أخرى وإن هدفها توحيد رؤى القوى السياسية والمجتمعية لتجاوز الأزمة والانتقال الآمن للحكم المدني الديمقراطي، مؤكدة على ضرورة توطين الحلول الوطنية ومناهضة التدخلات الأجنبية.
ودعت لتكوين مجلس سيادي من 11 عضواً مناصفة بين العسكريين والمدنيين بالإضافة لـ3 مقاعد للحركات المسلحة، وأن يراعي التنوع الجغرافي والتعدد في السودان، فضلاً عن مجلس وزراء من 20 وزيراً تُمثل فيه كافة الولايات السودانية.
وقال مدير المركز الأفريقي لدراسات الحوكمة والسلام والتحول، محمود زين العابدين المحسوب على نظام الرئيس المخلوع، عمر البشير، خلال مخاطبته برنامج التوقيع، إن مبادرة وثيقة الانتقال منصة وطنية مفتوحة يشارك فيها الجميع دون شرط أو قيد وإن الباب ما زال مفتوحاً لذلك.
لكن يبدو أن التحالف الناشئ سرعان ما انفرط عقده، حيث شهدت الساعات التي أعقبت إعلان الوثيقة، انسحابا واسعا للعديد من المجموعات والأحزاب الموقعة عليها والتي أكدت أنها لا تمثلها.
وبعد اعتذاره وتأكيده على أنها لا تمثل رؤيته، قال حزب الأمة القومي في بيان أمس، إنه عقد اجتماعا طارئا الخميس، لمناقشة تداعيات توقيع رئيسه على “الوثيقة السودانية التوافقية لإدارة المرحلة الانتقالية” التي وصفها بالمحاولة اليائسة لإكساب السلطة الانقلابية شرعية زائفة، لن يشارك فيها حزب الأمة القومي والقوى الوطنية الديمقراطية المشاركة في الحراك الثوري الشعبي المستمر.
وأكد أن توقيع رئيس الحزب المكلف فضل الله برمة على هذه الوثيقة كان بمبادرة منه على اعتقاد أنها تجميع لكل المبادرات في الساحة السياسية دون الخوض في تفاصيلها، الأمر الذي لا يتسق مع رؤى الحزب وخريطة الطريق التي توافق عليها. وكذلك أعلن برمة في بيان منفصل، أنه وقع على الوثيقة بشكل منفرد وأنها لا تعني الحزب في شيء.
ونفت حركة تجمع قوى تحرير السودان، وحركة تحرير السودان المجلس الانتقالي، الأعضاء في الجبهة الثورية، المشاركة في التوقيع على الوثيقة التوافقية لإدارة الفترة الانتقالية. وقالت إنها ملتزمة بمبادرة الجبهة الثورية لإيجاد مخرج للأزمة السياسية السودانية، وتسعى لتحقيق توافق سياسي وفقاً لبرنامجها المطروح.
وكذلك انسحبت وتحفظت على الوثيقة أحزاب موالية للعسكريين مثل حزب الأمة الإصلاح والتجديد برئاسة مبارك الفاضل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل برئاسة محمد عثمان الميرغني.
والفاضل، الذي كان وزيراً للاستثمار في حكومة البشير الأخيرة، ويرى ضرورة أن تُدار الفترة الانتقالية وفق سلطة عسكرية ودون مشاركة الأحزاب وصولاً للانتخابات، قال إنه تحفظ على الوثيقة لجهة إهمالها نقاط كثيرة يرى حزبه أنها مهمة وأساسية لحل الأزمة.
وأشار إلى أنها نصت على الشراكة المدنية العسكرية لإدارة الفترة الانتقالية بذات الشكل السابق الذي أفرز الأزمة الحالية، وأشارت في كثير من فقراتها إلى اتفاق جوبا كما هو، بينما يدعو الحزب لضرورة تعديل الاتفاق وإلغاء مسارات الشرق والوسط والشمال منه باعتبار أن الاتفاق كان يختص فقط بمناطق النزاع بدارفور وجنوب النيل الأزرق، لجهة أن الإبقاء على اتفاق جوبا كما هو سيعمل على تكريس وإعادة إنتاج الأزمة.
وأضاف: “اقترحت الوثيقة تمديد الفترة الانتقالية في وقت يرى الحزب إكمال الفترة الانتقالية المتفق عليها مسبقا وصولا للانتخابات.”
وتابع: “نصت الوثيقة على حكومة توافقية تكرس للمحاصصة الحزبية مرة أخرى”، مشيراً إلى أنها ستقود لفشل جديد في وقت يرى الحزب تكوين حكومة تكنوقراط لا تشارك فيها الأحزاب السياسية.
وبعد أن تبرأ من وثيقة الانتقال، قدم الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، مبادرة جديدة الخميس للقائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، قال إعلام المجلس السيادي أنها تتعلق بمبادرة حل الأزمة السياسية في البلاد وتحقيق الوفاق الوطني الشامل، مشيرا إلى أنها تأتي ضمن مبادرات عديدة مطروحة لحل الأزمة السودانية. والشهر الماضي سافر البرهان إلى القاهرة بالتزامن مع إعلان مجموعة من الأحزاب الاتحادية المحسوبة على النظام السابق الوحدة.
والتقى البرهان رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل عثمان الميرغني، الذي يقيم في القاهرة منذ سنوات.
وفي السياق، يرى المحلل السياسي عبد الله رزق الذي تحدث لـ”القدس العربي”، أن هذه المبادرات محاولة لملء الفراغ السياسي الراهن في البلاد، في وقت يبدو أن سلطات الأمر الواقع لا تستطيع إدارة البلاد، وستواصل العمل على هذه المبادرات في محاولة للخروج من الأزمة.
وأشار إلى أن هذه وثيقة الانتقال الموقعة الأربعاء الماضي، قامت بها مجموعة من الأحزاب والمجموعات المحسوبة على النظام السابق والمجموعة الانقلابية، في محاولة لتكوين تحالف سياسي في ظل غياب حاضنة للانقلاب لملء الفراغ الذي تركه إبعاد المكون المدني في الحكومة الانتقالية (قوى الحرية والتغيير)، مؤكداً أن هذه المحاولات أثبتت عدم جدواها لكونها في غالبها مصنوعة من المكون العسكري وتتكون من مجموعات معزولة من الشارع ومن كوادر النظام السابق الذي أطاحت به الثورة الشعبية ومجموعات أخرى غير مؤثرة.
وأضاف: “المبادرات المطروحة تفتقر للرؤية السياسية وغير قادرة على التأثير على الوقائع الأساسية.” وتابع: “بالنظر إلى الوثيقة التي وقعتها مجموعة من الموالين للعسكريين مؤخرا، وشهدت انسحابا سريعا لعدد من القوى التي سبق ووقعت عليها وتحفظ لآخرين، قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به، وانهارت منذ لحظة التوقيع عليها، يتضح أن التحالف ولد ميتا.”
وتوقع رزق تقديم المزيد من المبادرات والمحاولات لخلق تحالفات سياسية والتي تقوم على مساع لحل الأزمة بتشجيع من المكون العسكري، إلا أنها ستظل بعيدة عن الشارع ومطالبه الواضحة والمحددة بإسقاط الانقلاب وإبعاد العسكر عن السياسة، واشتراطاته الواضحة؛ لا شراكة لا شرعية لا تفاوض، مع قادة الانقلاب، وكذلك هي منقطعة الصلة بالمبادرات الدولية ولا تجد دعما وقبولا من المجتمع الدولي، حسب رزق، الذي لفت إلى أن هذه المبادرات تولد في العزلة بعيداً عن جهود تفكيك الأزمة وتوجهات ومطلوبات القوى السياسية الأساسية مثل لجان المقاومة وقوى الحرية والتغيير، وايضا معزولة داخليا وخارجيا وستظل كذلك.
وأضاف: “لعل الانسلاخ السريع من الوثيقة يعود إلى أن التحالف سرعان ما أصبح في غالبه من مكونات موالية لنظام البشير”، مشيرا إلى تأشير ذلك في الغالب لعدم توحد الموقف السياسي للعسكريين القائمين على الانقلاب، واستقطاب تلك المكونات للقوى الموالية. ولفت إلى أن العسكر إذا كانوا عاجزين عن توحيد مواقفهم من الداخل سيكونون كذلك عاجزين عن توحيد القوى السياسية حولهم.
وأشار إلى أن المطلوب ليس تكوين حكومة، ولكن أن تكون هذه الحكومة قادرة على السيطرة على الفترة الانتقالية، وفك العزلة الخارجية، الأمر الذي يبدو غير ممكن في ظل الانقلاب العسكري.
وبين أن تكوين حكومة من الجانب الفني ليس أمرا صعبا إلا أنها لن تكون قادرة على القيام بمهامها إذا لم تحظ بقبول قطاع شعبي واسع ومشاركة قوى الشارع وتحالف الحرية والتغيير.
فيما يرى المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ، الذي تحدث لـ”القدس العربي” أن الوثيقة التوافقية لإدارة الفترة الانتقالية، مقصدها غير المعلن إيجاد منبر مواز لمسار الآلية الثلاثية، وأنها كانت تراهن بشكل أساسي علي ثقل ثلاثة أطراف أحدها موجود في سلطة الانقلاب وهي الجبهة الثورية ومكونان خارجها هما حزب الأمة القومي والاتحادي الأصل، لافتا إلى أن إعلان الأمة والاتحادي الأصل أن التوقيع عنهما تم بشكل فردي ودون موافقة المؤسسات وإعلان أطراف من الجبهة الثورية عدم توقيعها على تلك الوثيقة جعلها فعليا “مولدا لتجمع حلفاء المؤتمر الوطني” وبالتالي ولدت هذه الوثيقة ميتة.
وأشار إلى أن قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان يتحرك في عدة مسارات واتجاهات في الوقت ذاته ، بشكل بات يصعب تحديد مساره الاستراتيجي بسبب تناقض تلك التحركات والتي تستند في جوهرها إلى إحساسه بتنامي الأزمة داخليا والانسداد الخارجي.
وأضاف أبو الجوخ: “هذا التناقص هو الذي يفسر تضارب المواقف وسط المجموعة الانقلابية الحاكمة لحد التناقض وهو ما ستترتب عليه تصدعات أكثر وضوحا وسط داعمي الانقلاب وسيجعل غير المنخرطين فيه حاليا أكثر تحفظا في الانضمام لنظام يعاني من تصدعات داخلية.”
وتابع أن “أي حلول لا تستجيب لمطالب الشارع المتمثلة في إنهاء الانقلاب واستعادة الانتقال الديمقراطي، فضلاً عن إخراج العسكريين من السياسة وإبعاد الجنرالات المتورطين في الانقلاب من أي ترتيبات مستقبلية مع وجود وجهة نظر أخرى تطالب بمحاكمتهم وتكوين حكومة انتقالية غير حزبية؛ جميع هذه الشروط إذا لم تتم الاستجابة لها فإن حالة الانسداد والرفض الشعبي ستستمر، متوقعا انهيار البلاد وانزلاقها في أتون العنف والحرب الأهلية في حال عدم التوصل لاتفاق مقبول يلبي تطلعات الشارع، وفي ظل هشاشة وضعف الدولة المركزية.”
ويرى أن المشكلة الحقيقية ليس غياب مؤسسات الحكم، مشيرا إلى أنها موجودة حاليا- وزراء مكلفون – ولكن في عدم الرضا الداخلي وحالة الخصام بين هذه الحكومة وشعبها، والانسداد الخارجي الذي يوجهها.
وأكد أن تسمية رئيس وزراء أو إجراء انتخابات في الأوضاع الحالية لفرض الأمر الواقع سيكون هروباً للأمام من الأزمة الأساسية وسيفضي لتعقيد الأزمة عوضا عن حلها.
وتابع: “ما عاد في الإمكان استخدام سياسة الأمر الواقع لفرض الوضع الحالي، لذلك الأفضل معالجة أساس الأزمة بالعمل على تشكيل مؤسسات تحظى بقبول ورضا شعبي، وهذا لن يحدث إلا بإنهاء الانقلاب واستعادة مسار الانتقال الديمقراطي”.
//////////////////////

 

آراء