القرار الطارئ المعلن عنه في ولاية الخرطوم، هل سيؤدي إلى انتهاكات جسيمة قائمة على أسس عرقية واثنية؟

 


 

 

تقرير: حسن اسحق
أعلن والي الخرطوم المُكلف مؤخراً، أحمد عثمان حمزة، الخميس ٢ مايو ٢٠٢٤، عن حالة الطوارئ في الولاية، وقرر تشكيل خلية أمنية ترصد أنشطة وقواعد الدعم السريع الاجتماعية ضمن مهام أخرى. وقد جاء هذا القرار بعد موافقة رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، على توصية ولاية الخرطوم بشأن الإعلان عن حالة الطوارئ، والتعامل مع الأجانب المحتملين تورطهم في أعمال عنف ضد المدنيين.
وأشار، في بيان آخر، إلى أن الوالي أصدر أمر طوارئ بتكوين "خلية أمنية" للعمل على إحالة القضايا التي تحتاج إلى عمل أمني تقليدي طويل المدى، إلى القوات النظامية، مثل؛ حركة الحواضن المجتمعية في مناطق وجود العدو، في إشارة للدعم السريع. وأفاد البيان، بأن مهام الخلية تتمثل في جمع المعلومات، وتحليلها، وتصنيفها، والتعامل معها، إضافة إلى عملها كجهاز إنذار مبكر للقوات النظامية، والتركيز على المعلومات الاستخباراتية، والأمنية العاجلة، التي تُشكل تهديدا لا يقبل البطء في التعامل معه بالطريقة التقليدية.
مخاوف المراقبين
وفي إطار شرح هذه المخاوف، يرى مراقبون ومتابعون، إن العاصمة السودانية الخرطوم أصبحت ساحة معركة، وأدت قوانين الطوارئ إلى انتهاكات واسعة النطاق، واعتقالات تعسفية، بعد إصدار السلطات السودانية أمر الطوارئ، الذي يسمح لها بالقبض على أي شخص تعتبره "مشاركاً في أي جريمة تتعلق بحالة الطوارئ. في ذات الوقت، يتم استغلال حالة الطوارئ المعلنة عنها لقمع المعارضة، واستهداف النشطاء، والتعدي على حقوق المواطنين، حيث شهدت الخرطوم ارتفاعا في عمليات الاعتقال التعسفية.
يتخوف الحقوقيون، من ارتفاع الاعتقالات التي تستهدف الصحفيين، والقادة السياسيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان. كما تم تعقّب مؤيدي قوات الدعم السريع، مع التركيز على قبائل محددة، باعتبار أن هذه الخطوة نهج تمييزي. إلى جانب ذلك، يواجه المعتقلون ظروفا غير إنسانية، بما في ذلك الاحتجازات التي تشكل عزلا عن العالم الخارجي، والتمثيل القانوني وعن تواصلهم مع عائلاتهم، بحيث تتعامل الأجهزة الأمنية مع المعتقلين بنوع من القسوة.
على الرغم من أنه يقع على عاتق الدول واجب توفير الأمن، إلا أن ذلك يجب ألا يأتي على حساب الحقوق الفردية، ويجب أن تكون قوانين الطوارئ في السودان متوافقة مع المعايير الدولية، لكن أدى قانون الطوارئ رقم ٣ الصادر بعد قرارات ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١، إلى انتهاك العدالة وتقويضها، حيث أعطي سلطة وصلاحيات للأجهزة الامنية بالاعتقال والتفتيش، وتحديد حرية تنظيم الحركات، ومصادرة البضائع والممتلكات، مع توفير الحصانة للقوات النظامية.
وفي إطار منع وقوع ذلك، يطالب الناشطون، أن تلعب آليات المساءلة في المحكمة الجنائية الدولية دورا في منع استمرار مثل هذه الانتهاكات، وذلك في ظل وجود مخاوف سابقة ذات صلة بعرقلة التحقيقات في الجرائم، التي اُرتُكِت بموجب قانون الطوارئ.
القرار لم يكن مستبعدا
في ذات السياق، يوضح المحامي والباحث القانوني عبد الباسط الحاج، أنه يجوز للجهاز التنفيذي من أدنى إلى أعلى مستوى، عن إعلان حالة الطوارئ في الظروف الاستثنائية والطبيعية القاهرة، أو في حالة اندلاع حرب، وبالتالي فإن الإعلان عن حالة الطوارئ في الخرطوم، يعتبر جزء من الاجراءات الدستورية والأحكام العُرفية التي يتم تنفيذها في أي بلد.
ويقول عبد الباسط، "لم يكن القرار مستبعدا في ظل الظروف التي يمر بها السودان، خاصة وأن النص الموجود في القرار المتعلق بـ الحواضن الاجتماعية للدعم السريع لا يزال غامضا وحاملاً في طياته أوجهاً وتفسيرات متعددة، باعتبار أن تتبع حركات المواطنين في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع، يعتبر اجراءً أمنياً بالمفهوم الضيق، ويجب الانتباه إليه، لأن النص ربما يكون مفخخاً، ما قد يؤدي إلى تصنيف جغرافي قائم على أسس عرفية.
سيطرة الجيش على المواقع الاستراتيجية
يقول أبو القاسم الزبير الباحث والمحلل السياسي، إن دلالات فرض حالة الطوارئ بعد أكثر من عام من الحرب في السودان، هي دليل على أن الحكومة بدأت تبسط سيطرتها على ولاية الخرطوم، وكل الأجزاء والمواقع الاستراتيجية في مدينة أم درمان، ولم يتبقى إلا غربي أم درمان في أحياء سكنية، وأسواق توجد بها مليشيا الدعم السريع في منطقة الصالحة.
وتحرك الجيش في شمال مدينة بحري في منطقة الجيلي، وكذلك مصفاة الخرطوم للبترول، والسيطرة الملموسة في منطقة الكدرو، وعمل مسيرات بارزة داخل منطقة معروفة في قلب العاصمة الخرطوم، وأصبح الجيش أكثر ارتياحا، وأصبحت الحكومة تفرض سيطرتها، وإعلان حالة الطوارئ دليل على أنها تعاود مهامها بصورة طبيعية في المناطق التي سيطرت عليها.
القرار يصب الزيت على النار
يقول الكاتب الصحفي محمد الأسباط، إن القرار فارغ من أي مضمون ومحتوى، لأن الخرطوم منطقة عسكرية، تدور فيها معارك في مناطق مختلفة، حيث إن لجيش يسيطر على بعض المناطق والدعم السريع يسيطر على أغلب مناطق العاصمة السودانية، وهذا القرار يصبّ في مسار يقود السودان نحو حرب أهلية، خاصة عندما تترك السلطات في يد أفراد يحددون من هو الأجنبي وغير الأجنبي، ومع هي القوات النظامية تتولى التحقق من الأجانب وغير الأجانب، ومن الذي يملك الأوراق الثبوتية لتحديد من جنسيته؟.
أوضح الأسباط، أن مثل هذه القرارات تصب المزيد من الزيت على النار، وتزداد الحرب اشتعالا يوما بعد يوم، هي مجرد تعزيز لسلطة الفوضى، وسلطة المزاج التي أوردت البلاد إلى مورد الهلاك على مدى عام من الحرب، بينما المستفيد الوحيد من هذا الوضع، هو الذي اشعلها، واتهم بجماعات الإسلام السياسي في المشاركة فيها، والحلفاء من داعش والمنظمات الإرهابية، وظواهر جديدة لم يعرفها الشعب السوداني، مثل قطع الرؤوس، ونبش القبور، واستهداف الأضرحة. أضاف الأسباط، إن عمليات التحشيد وبث خطاب الكراهية والتفرقة العنصرية والجهوية والمناطقية خصوصا بعد تجاوزت الحرب العام، ينذر بكارثة قادمة. ويؤكد المتحدث باسم تنسيقية تقدم بكرى الجاك، أن تقوم السلطات في ولاية الخرطوم بشن حملة اعتقالات للمناوئين للجيش، خصوصاً الأشخاص الرافضين للحرب أو الواقفين على الحياد على أقل تقدير، وأضاف هذا أصلاً بدأ يحدث ليس للمناوئين للجيش، بل الرافضين للحرب .وأضاف بكري، إن قرار حكومة ولاية الخرطوم من الصعب تنفيذه في الوقت الحالي، وقد يأتي في إطار رغبة المؤسسة العسكرية في القيام بحملات عسكرية، تحت غطاء الإعلان عن حالة الطوارئ.
سلطات الأمر الواقع تفرض حالات الطوارئ
بينما يضيف المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان محجوب داؤد، إن أمر الطوارئ حالة استثنائية، يخول بموجبه إصدار تشريع من جهة غير منوط بها إصدار القانون في الوضع الطبيعي، وتفرض لظروف معينة، والغرض منها حماية المواطنين وممتلكاتهم، وحماية الدولة نفسها من مخاطر محدقة بها، ويشترط لتطبيقها خضوعها للقانون، وينص على تحديد الجهة التي يجب عليها إصدار قانون الطوارئ.
يقول داود، أن القرار المعلن عنه ليست لها علاقة بمصلحة البلاد أو المواطنين، ومثل هذه الإجراءات تعزز من بقاء الأنظمة الشمولية، موضحا إن الرجوع الي تلك الأوامر نجدها تستهدف المواطنين بالتنكيل وحرمانهم من الحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور.
ارتكاب انتهاكات واسعة النطاق
يقول الناشط السياسي من منطقة جنوب الحزام بالعاصمة السودانية الخرطوم، زكريا عيسى ل" سودان بوست" إن قرار حكومة ولاية الخرطوم سوف يؤدي إلى ارتكاب انتهاكات واسعة النطاق في المناطق المهمشة في أم درمان، وبعض مناطق شرق النيل، بالإضافة إلى بعض الأحياء جنوب العاصمة، ويعتبر القرار انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، ويعطي السلطات الأمنية شرعية في تنفيذ اعتقالات خارج نطاق القانون. وأضاف زكريا، إن القرار ربما سوف يستهدف الحواضن الاجتماعية لقوات الدعم السريع، هذا وبدوره سوف يجعل الأجهزة الأمنية ترصد حركات الأفراد على الأساس الإثني والقبلي، إضافة إلى كل فرد تورط في التعاون مع هذه القوات، بغض النظر عن الانتماء أو الاثنية والجهوية.
إجراءات أمنية متوقعة
يتوقع المواطن محمد عمر في منطقة الحاج يوسف حي البركة بمحلية شرق النيل، ان السلطات الأمنية في الولاية سوف تتخذ اجراءات أمنية صارمة تجاه منطقة الحاج يوسف بكل مربعاتها في الفترات المقبلة، يقول عمر لــ"عاين" إن أمر طوارئ الخلية الأمنية كما جاء في قرار حكومة ولاية الخرطوم، ربما يلاحق كل المتعاونين مع قوات الدعم السريع في المنطقة، لأسباب عديدة.
أوضح عمر أيضا أنه ليس بالضرورة أن يكون الأفراد من الحواضن الاجتماعية للمجموعات المكونة لقوات الدعم السريع، بحيث وجد كثيرون بعض اشتداد المعارك في الخرطوم، فرصة سانحة للعمل كمرشدين ومتعاونين، بهدف الكسب المادي، وآخرون يرون أنها فرصة للانتقام، لذا فإن تنفيذ القانون سوف يستهدف الحواضن الاجتماعية، وكل من تورط وشارك بالقول، والفعل مع الدعم السريع في تنفيذ أعمال إجرامية ضد الأبرياء، وجرائم أخرى تراها الحكومة أنها جرائم ضد الدولة. وتضمنت مهام الخلية الأمنية رصد الخلايا النائمة، ومراقبة الأشخاص والأماكن والأنشطة المشبوه فيها، والتحقيق المشترك مع المقبوض عليهم، علاوة على تفتيش ومداهمة المواقع المشتبه بها. وتُدير حكومة الخرطوم شؤون الولاية من محلية كرري التي يسيطر عليها الجيش، إضافة لأحياء أم درمان القديمة، فيما تخضع أحياء أم درمان الأخرى ومعظم مناطق الخرطوم بحري لسيطرة الدعم السريع، وتعمل الخلية الأمنية، وفقًا للبيان، تحت إشراف اللجنة العليا للتنسيق الأمني والعملياتي.

ishaghassan13@gmail.com

 

آراء