المجتمع الدولي والتحول الديمقراطي في السودان… من المسؤول؟؟

 


 

 

لقد ذهب الدكتور عبد الله حمدوك، وتبدد الأمل الذي كان يحمله تجاه هذا الوطن. ذهب مفعما بحب الوطن، ومحملا بهمومه، وحتى الرمق الأخير من حقبة توليه لرئاسة وزراء الفترة الإنتقالية. وبذهابه خرجت العقارب والحيات من كل جحر، لتلاحق إنسان شريف ونظيف باللثعات واللدغات. هؤلاء الذين رتبوا لإستقالته مبكرا، وهو يتأبط حقائب الدولة بهمة، محاول الحفاظ عليها حتى لا تبتل. وبأي شيء يمكن لها أن تبتل؟ تبتل عندما يتغير المسار، من فضيلة إلى رذيلة، بتفشي الفساد والظلم. إنهم الآن فرحين في إفشال نجاح أخير للتحول الديمقراطي، كان له أن يخرج بنا وببلادنا إلى النور، الذي بدأ يتوهج ساطعا، منذرا بقرب المنال. ولكن هيهات، هكذا تعودنا أن نهدم ما بنينا بأيدينا، وفي المقدمة أهل النخبة مدمنة الفشل، التي ترتص الآن صفوفا، فرحة بذهاب الدكتور حمدوك. يقول المثل السوداني الدراجي البسيط، "كان أبيت الزول، خاف الله فيه". هذا الرجل الهمام الذي أبت نفسه، إلا وأن يدفع ضريبة الوطن بنفسه، ثم يفاجأ بسحب البساط المفروش من تحت أقدامه تارة فتارة، وكلما إتجه وجد نفسه وحيدا من دون مساند، وملاحقا من أعداء المواطن والوطن. يحمد للدكتور حمدوك نكرانه للذات، بتسليمه لحقائب عالمية، مفضلا عنها العمل من أجل بلاده، ولأهل بلاده. وأي شيء أكثر من هذا يمكن أن يعني عرفان النفس ونبل الإنسان في مجتمعه، وحبه للمجتمع الذي أخرج منه إنسان. لنا أن نخاف الله في الدكتور حمدوك، ونتلبس ثوب الشجاعة والأمانة، باننا سبب الفشل الذريع، في آداءه للمهام بالحرية المطلوبة، للوصول للتحول الديمقراطي السليم.

نفشل أكثرعندما تنعدم في البلد أبسط مقومات الدولة الحديثة التي تواكب، وخصوصا في القرن الحادي والعشرين، الذي تحارب فيه الدول من أجل وجودها. الشيء الذي يجعل من المظاهرات المنددة بالفساد والظلم، رد على الواقع المر المعاش يوميا. والشيء الذي يجعل من الخروج للمظاهرات، ظاهرة تستمر أطول من ساعات العمل. من هو المستفيد من وراء كل هذا الفشل، وما هي الدول المكتسبة من وراء إنعدام الدولة ونظام الحكم؟ ماهي شرعية المجالس التي تعقد وتحل في الشهر أكثر من مرة؟ من هو الذي من وراء التعجيل في أمر إنتخابات، وليس هناك حزب مستعد الآن لخوضها، لا ماديا ولا معنويا؟ من هو الذي يعطل مشروع البناء، يعين ويفصل من يشاء، لا إستشارة مهنية من ذوي الفكر والرأي، ولا مرجعية قانونية تبيح القرارات والأفعال؟ نعم لدور الجيش والشرطة والمخابرات في أمن وسلامة الدولة، ولكن لا لدماء الأبرياء التي تباح من دون ذنب. تثبت كل المعطيات الأخيرة بأن هناك إقتناص متعمد، والجديد فيه، قتل من لهم مظهر آخر – الذين يوصفون بذوي شعر طويل، أو بناطلين تختلف – نحن الآن وصلنا نقطة تحول خطيرة، يولى فيها الإهتمام بالإنسان حسب مظهره الخارجي، وهذا بغض النظر عما إذا كانت تحمل الشخصية، الدرويش المتقشف، أو المؤذن الملتزم، أو الإمام الدين (ووصف مشابه ينطبق هنا على مواطني السودان، وأهله من ديانات أخرى غير الإسلام). وتأبى النفس عندما يصل القمع والظلم إلى درجة الإفلاس الجنسي، والإنحطاط الأدبي، بتخويف وتأديب المتظاهرين بوسائل الحرب الجنسية.

كما ندري جيدا، التعلم عن تجربة شخصية هو أسلم أنواع التعلم. وهكذا نتعلم من الأيام، بأننا المسؤولين عن هذا التطور المرتد علينا، الذي يمثل منعطفا خطيرا في مسيرة البلاد تجاه التحول الديمقراطي المنشود. وكما هو الحال، لا شيء يأتي من العدم، وحتى الفشل يأتي من الإنسان نفسه. يجب أن نتحمل المسؤولية التي سلمها لنا الدكتور حمدوك كاملة، وفي نص خطابه الأخير، بإرجاع الأمانة للمواطن وللوطن (أهل الثورة من الشابات والشباب). سر القضية هي كيف يمكن أن يحفظ مستلم هذه الأمانة للشابات وللشباب، الذين أطاحوا بالنظام البائد بجدارة، وأتوا بالحرية لأنفسهم ولوطنهم، وكيف للمستلم أن يعمل من أجلهم، حتى لا يتم إستنساخ النظام البائد في طبعة جديدة، وفي وجوه جديدة؟ هذه النقطة هي نقطة تحول محورية، وبسبب الفشل فيها أو تجاوزها، يمكن أن يحدث ما لا تحمد عقباه في البلاد. الشيء الذي يمكن له وبكل تأكيد، أن يحول السودان إلى بلد همجي ومنسي إلى أبد الآبدين. فيه ينتشر كل ما هو محزن من حروب وإقتتال وتناحر، وبه يمكن أن نقول، بأننا قمنا بدق الصيوان لمآتم بلادنا، ويغيب عنا وقتها من يعزي فيها. نرجع لعنوان المقال "المجتمع الدولي والتحول الديمقراطي...": ليس هناك ما يمكن له أن يغير فينا شيء إلا إذا أردنا نحن أنفسنا، ولكن هناك من يمكن له أن ينعم في حياته بفشلنا وتردينا. المجتمع الدولي موجود على ساحات تناحرنا، يتفرج ويتعلم بجد من وضعنا الحالي. ونكون من السذج، إذا كنا نعتقد بأن هناك قوة، أو حليف يستطيع أن يخرجنا إلى بر أمان. هذا البر الذي هو أمامنا، يجب علينا أن نكتشفه بأنفسنا لأنفسنا.

E-Mail: hassan_humeida@yahoo.de
///////////////////////////

 

آراء