المخـبز الحـلبي

 


 

 



بسبب المعارك الشرسة الدائرة في حلب بين جيش الأسد والجيش الحر ، أصبح العمل في المخبز خطيراً للغاية ، فالمخبز يُصدر ناراً ودخاناً ، وفي زحمة القصف الجوي، من الممكن أن يتخيله طيارو الأسد هدفاً عسكرياً معارضاً ويقومون بقصفه ببرميل متفجر وعندها سيُقتل الكثيرون من المدنيين الأبرياء، لكن لا بد من تهريب الدقيق والحطب من الضواحي إلى قلب المدينة الثائرة، لا بد من صنع الخبز وبيعه يومياً وإلا فسوف يموت الناس من شدة الجوع إذا لم يموتوا تحت الأنقاض بسبب القصف العشوائي لطائرات ومدافع النظام السوري، شعر الخبازون بأن صنع الخبز ، والذي كان فيما مضي مهمة يومية آمنة ، قد أصبح اليوم مصدراً لأكبر المخاطر الكامنة!
رغم أزيز الطائرات الأسدية المغيرة ورغم دوي البراميل المتفجرة هنا وهناك، ظل المدنيون في حلب يتهافتون على صف الخبز صباحاً ومساءاً وهم يطمئنون أنفسهم بافتراض سلمي مفاده أنه مهما استعرت المعارك ، فإن المخبز لا يُعتبر هدفاً عسكرياً حسب قوانين الحرب وإنما هو موقع مدني يجب تركه يعمل بسلام لأغراض توفير الخبز للمدنيين الذين أوقعتهم أصعب الظروف بين مطرقة الحكومة المستأسدة وسندان المعارضة المسلحة، الناس العاديون هنا وهناك يرددون بثقة افتراضية لا تتزعزع: الدقيق ليس ذخيرة ، أقراص الخبز المستديرة الحارة ليست ألغاماً ، والمدنيون المصطفون في صف الخبز من الرجال والشباب والأطفال ليسوا مقاتلون وإنما هم مدنيون جائعون يتزاحمون من أجل الحصول على قطعة خبز تسد الرمق!
الصغيران سامر وتامر ، اللذان أجبرتهما ظروف الحرب على ترك مقاعد الدراسة وبقيا مع عائلتيهما اللتين رفضتا اللجوء إلى الدول المجاورة ، راحا يخوضان مغامرتهما اليومية الصغيرة وهي الذهاب إلى المخبز ، الوقوف في الصف والحصول في نهاية المطاف على أقراص الخبز الساخنة التي أصبحت المصدر الوحيد للحياة بعد انعدام كل المواد التموينية الأخرى، كانت مشاعر الصغيرين متضاربة لأبعد الحدود فهما يشعران بالاثارة المتناهية من مغامرة الحصول على الخبز ويحسان بالخوف العميق من عواقبها فهما يعرفان جيداً أن كثيراً من الأطفال قد قُتلوا تحت أنقاض المباني المدمرة!
في ذلك الصباح ، كان الصغيران سامر وتامر يقفان في الصف ويتزاحمان مع جمع من المدنيين الآخرين من أجل الحصول على أقراص الخبز والعودة بها إلى منزلي ذويهما اللذين سلما حتى الآن من القصف ، كانت هناك يد تمسك بالنقود وأخرى تمتد بكومة من الخبز من داخل شباك المخبز ، في تلك اللحظة ، سمع الجميع أزيزاً خافتاً ، فجأة ، قُصف المخبز ببرميل متفجر وتطايرت جدران المخبز واشلاء المدنيين المصطفين في صف الخبز وخيم الموت والدمار في مكان كان قبل ثانية واحدة يضج بكل مظاهر الحياة! دفن المشيعون شهداء الخبز في مقبرة عشوائية في طرف المدينة ثم عادوا من هناك واجمين وهم يفكرون في أمر واحد فقط وهو كيف يُمكنهم الحصول على الخبز بعد أن أصبحت المخابز أهدافاً عسكرية لسلاح الجو الأسدي!
sara abdulla [fsuliman1@gmail.com]

 

آراء