المرحوم الدكتور/حسن الترابى: لماذا لا نُثمن ونشيد بخواتيم أعماله؟

 


 

 


yusufbuj1965@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم
    يقول الله تعالى: ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ )الأية(145).سورة أل عمران.
    لم أرى أو أسمع فى تاريخ السودان الدينى والسياسى القريب أو البعيد،شخصاً شغل عقول  الناس ردحاً من الزمان ،بفتاويه أو مؤلفاته أو تصريحاته أو حواراته الصحفية عبر أجهزة الإعلام المختلفة ،بالمدح فى المجهود الذى بذله فى هذه الأعمال تارةً،وبالقدح فيها من مناصريه الذين إنشقوا عنه أو من أعدائه التقليديين تارةً أخرى،غير الشيخ حسن الترابى والذى هو الأن بين يدى ربه،فله ماله وعليه ماعليه،ولكننا كمسلمين نقول إن جنة الله واسعة،فنسأل الله له المغفرة،بالرغم من المظالم التى وقعت على السواد الأعظم من السودانيين منذ يونيو1989م وإلى 1999م أى فترة مشاركته فى إدارة دولاب العمل بالدولة وإشرافه بالكامل على التنظيم الحاكم فى تلك الفترة وهذه السنوات له حصريا،أما حتى يومنا هذا فما زال السواد الأعظم من الشعب السودانى ،بعيداً عن مؤسسات الدولة،سواء كان فى مشاركته فى إتخاذ القرارات التى تهم المواطن والوطن أو فى تولى الوظيفة العامة ،إذ أن القرار الذى يهم مستقبل البلد وشعبه فى يد قلة من أبنائه ،كما أن الوظائف العامة أصبحت حصرياً على قواعد المؤتمر الوطنى أو الذين يوالونهم من الأحزاب ذات القواعد الجماهيرية المحدودة أو البسيطة.
    وبالعودة للحديث عن المرحوم د.الترابى،فإن معظم الناس يتفقون على أنه رجل شديد الذكاء،يمتلك ذاكرةً فولاذية لم يصيبها الوهن حتى تاريخ وفاته،وفى هذه الجزئية وكاتب هذه السطور  كان شاهد عيان فى أكثر من لقاء معه،إذ ذكرنى بالعلامة المرحوم البروف عبدالله الطيب طيب الله ثراه،حيث أنهما يمتازان بالسرد الدقيق للموضوع محل النقاش،وينعطفان بالمستمع جهة اليمين تارةً وللجهة اليسرى تارةً أخرى،ويفرعا ن الموضوع حتى تظن أنت كمستمع أن هذا المتحدث قد نسى الموضوع الرئيس،ولكنهما وبكل حنكة وحكمة يعودان مجدداً للموضوع الرئيس،وهذه السمات أو قل الملكات النادرة لم أجدها أو أسمعها إلا عند هذين الرجلين العالمين .وهذا الأسلوب بلا شك يعتبر من المقاييس الدقيقة التى يمكن أن تقيس بها الشخص المتحدث،هل هو ملم بجوانب الموضوع المختلفة والذى يتحدث عنه أم لا؟
    والأن بعد وفاته هنالك جهات دينية أو  رجال دين  قاموا بتكفيره وإعتبروه مرتداً، لأرائه فى بعض أمور الدين ،فأنا هنا ليس للدفاع عنه،فله أتباعه ولهم المقدرة على الرد على هولاء النفر،كما إننى لست ممن يؤيد هذه الجهات أو الأفراد والذين لهم رأيهم فى مؤلفاته أو فتاويه،لأن مثل هذه الأمور تحتاج لمعرفة دقيقة بأصول ديننا الحنيف،وإطلاق الكفر على عواهنه لا يجلب للأمة المسلمة إلا الوهن والضعف،فعلينا أن نتبين طريق الحق من طريق الباطل،كما علينا أن نعمل على جمع الناس لا تفريقهم،فالرجل الراحل ،كانت له إسهاماته الكبيرة والواسعة الدينية والسياسية فى عالمنا العربى والإسلامى،أما على المستوى المحلى لوطننا الحبيب،نجد أن هذا الشيخ المرحوم،وبعد المفاصلة الشهيرة بين القصر والمنشية وللعلم فإنها كانت حقيقية100%وليست مسرحية كما يظن بعض أصحاب العقول العليلة ويجب ألا نعطى بعض أنصار الحركة الإسلامية ذكاءاً وحسن تدبير لا يستحقونه ،ظناً أو إعتقاداً بأنه كان تكتيكاً من الشيخ وهذا ما لم يحدث على الإطلاق وشواهدنا على ذلك كثيرة يضيق المجال بذكرها ،وكما يقول العلامة البروف عبدالله الطيب يرحمه الله هذا بابٌ واسع لا أريد أن أبسط فيه ،أقول بعد هذه المفاصلة قام المرحوم الترابى بنقد تجربة الحركة الاسلامية فى الحكم ووصفها بالفساد وخيانة العهد والكثير من الصفات الذميمة التى لا تليق بحركة تدعى أنها تطبق شرع الله،كما أنه كان زعيم المعارضة الوحيد الذى كان يقلق مضاجع المؤتمر الوطنى لأنه يعرف أبنائه تماماً(in&out)وتم سجنه أكثر من مرة،كما أنه كان على صلة بالحركات المتمردة،ولكنه فى نهاية المطاف رأى أن قضايا السودان لا تحل إلا عن طريق الحوار وبالفعل كان له دوراً كبيراً فى الحوار الوطنى الداخلى بالرغم من غياب بعض القوى ذات الوزن الكبير ولكنها كانت بدأية جادة من أجل الوصول لإيجاد حلول ناجعة لمشاكل الوطن ،وبالفعل إنتهت جلسات الحوار الوطنى والذى رفعت توصياته للرئيس  البشير،والذى إلتزم بتنفيذ هذه التوصيات ،ولكن قبل ذلك أرجو أن تنفذ ف
    أفكار ومفترحات المرحوم وذلك بعرض هذه النتائج على قوى نداء السودان من أجل التوصل لقواسم مشتركة ومن ثم حل جميع مشاكل السودان ..
    ولا شك أن المرحوم الترابى كان يمنى نفسه بأن يرى السودان موحداً،وان تكون هنالك مصالحة وطنية شاملة،وهذه الأمنيات تحسب له وبلا ريب ،وهى كانت من الأقوال التى يرددها كثيراً قبل وفاته،وبعد هذا ألا يحق لنا أن نشيد ونُثمن مثل هذه المواقف التى تصب فى مصلحة الوطن والمواطن وخاصةً أن وطننا الحبيب يمر بأخطر وأدق مرحلة فى تاريخه الحديث؟.
وبالله التقة وعليه التُكلان
د/يوسف الطب محمدتوم/المحامى
    yusufbuj1965@gmail.com

 

آراء