المسؤولية السياسية للوزارة  .. بقلم د. ماهر إبراهيم عبيد إمام

 


 

 

هنالك مبدأ أساسي في النظام البرلماني هو مسؤولية الحكومة عن كيفية تسيير وتصريف شؤون الدولة أمام أفراد الشعب، ونظراً لاستحالة تطبيق صورة الديمقراطية المباشرة التي يتولى بموجبها الشعب حكم نفسه بنفسه في الوقت الحالي فقد قررت الكثير من الأنظمة السياسية الأخذ بصورة الديمقراطية النيابية، وبموجبها أصبح من الممكن أن تتعرض الوزارة الحاكمة للمسؤولية أمام ممثلي الشعب في البرلمان، ولذلك نجد أن الوزارة في النظام البرلماني مسؤولة عن أعمالها أمام مجلس البرلمان المنتخب من الشعب ،ويطلق علي هذه المسؤولية اسم المسؤولية الوزارية السياسية Political Ministerial Responsibility وهذه المسؤولية قد تكون جماعية إذا تعلقت بعمل من أعمال السياسة العامة للحكومة أو بتصرف من تصرفات رئيس الوزراء كما قد تكون فردية إذا تعلقت بأعمال وتصرفات الوزير الخاصة بوزارته، ومقتضى المسؤولية الوزارية أن الوزارة إذا فقدت ثقة مجلس البرلمان المنتخب تسقط بأكملها، وكذلك إذا سحب المجلس الثقة من أحد الوزراء فإن عليه أن يستقيل من منصبه .

ولا شك أن ظهور فكرة المسؤولية الوزارية وتقريرها كقيد على السلطة السياسية يعد ضماناً جدياً للوقاية من شرور السلطة ومفاسدها، ولإبعاد كل من يتجه نحو الدكتاتورية عن السلطة بالوسائل السلمية، وبالتالي تجنيب البلدان الثورات والانقلابات العسكرية والمساوئ التي تنجم عقب نشوب أي منها، وقد نصت على المسؤولية السياسية للوزارة كل الدساتير السودانية المتعاقبة منذ قانون الحكم الذاتي لسنة 1953إلى الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لعام 2019م والتي ورد فيها في المادة (15) الفقرة (3) [تكون مسؤولية الوزراء تضامنية وفردية أمام المجلس التشريعي الانتقالي عن أداء مجلس الوزراء والوزارات] وقد نصت المادة (25) الفقرة (ب) من الوثيقة على سلطة المجلس بمراقبة أداء مجلس الوزراء وسحب الثقة منه أو من أي من الوزراء ونصها[مراقبة أداء مجلس الوزراء ومساءلته وسحب الثقة منه أو من أحد أعضائه عند الاقتضاء] وبناء على ذلك سوف نتناول بالدراسة في هذا المقال الجوانب المختلفة لنظرية المسؤولية الوزارية السياسية وذلك من خلال الآتي:

 أولاً: ماهية المسؤولية الوزارية السياسية:

وفي حديثنا عن ماهية المسؤولية الوزارية لابد من أن نتطرق إلى تعريف المسؤولية الوزارية ولابد أن نتحدث عن نشأتها وتطورها وذلك وفقاً للآتي:

1/ تعريف المسؤولية الوزارية:

عندما نتحدث عن المسؤولية الوزارية فإننا نقصد بها تلك المسؤولية التي تنعقد أمام مجلس البرلمان المنتخب، وهي خلافاً للمسؤولية القانونية التي توجد في المحاكم ولذلك توصف بأنها سياسية لأن النتائج التي تترتب عليها نتائج سياسية ، تتمثل في ضرورة ترك الحكم بمجرد فقدان ثقة ممثلي الشعب في البرلمان، وعلى ذلك جاء تعريف المسؤولية الوزارية بأنها [حق البرلمان] في سحب الثقة من أحد الوزراء أو من الوزارة بأكملها إذا كان التصرف الصادر عنه أو عنها يستوجب المساءلة ويترتب عليه استقالته أو استقالتها، ويترتب على هذا التعريف عدد من النتائج تتمثل في الآتي:

أ‌. أن الوزارة في النظام البرلماني مسؤولة عن أعمالها أمام مجلس البرلمان المنتخب.

ب‌. تتخذ المسؤولية الوزارية صورتين، مسؤولية فردية لأحد الوزراء ومسؤولية جماعية تطال الوزارة بأجمعها.

ج‌.   تعتبر المسؤولية الجماعية التضامنية من أهم الخصائص المميزة للنظام البرلماني.

2/ منشأ المسؤولية الوزارية:

نشأة المسؤولية الوزارية في بريطانيا مهد النظام البرلماني بعد تطورات عديدة فقد كانت مسؤولية الوزارة أمام البرلمان في بادئ الأمر جنائية، حيث كانت تثار أمام مجلس النواب الإنجليزي الذي كان له حق الاتهام وتتم محاكمة الوزراء أمام مجلس اللوردات، وهو وضع مشابه لما نص عليه الدستور الأمريكي فيما يتعلق بالاتهام الجنائي، ثم ظهرت المسؤولية السياسية إلى جانبها لتشمل الأخطاء الجسيمة التي تقع من الوزراء أثناء إدارتهم لشؤون الحكم أو تلك التي تضر بمصلحة الدولة ثم أصبحت مسؤولية سياسية اعتباراً من عام 1741م ومع بداية القرن الثامن عشر أخذ البرلمان يستخدم الاتهام الجنائي – وهو وسيلة تستلزم إسناد جريمة إلى الوزير أو مستشار التاج وهو وسيلة فردية لا توجب مسؤولية الوزراء بالتضامن – كوسيلة لتهديد الوزراء بهدف إبعادهم عن مناصبهم ، فأصبحت العقوبة تقتصر على العزل وبذلك تغيرت وظيفة الاتهام الجنائي فلم تعد جنائية ولكن سياسية بصفة أساسية وهكذا فقد أصبح يكفي أن يهدد مجلس العموم ، باستخدام الاتهام الجنائي حتى يستقيل الوزراء، إذ كان التهديد في ذاته يدفع الوزراء إلى الاستقالة وهكذا نشأة المسؤولية السياسية للوزارة بصورتيها الفردية والجماعية التضامنية من بين ثنايا الاتهام الجنائي، وفي تطور لاحق انتقل تقرير المسؤولية الوزارية من أمام البرلمان لتكون أمام هيئة الناخبين وذلك لأنه عند حدوث نزاع جدي بين الوزارة والبرلمان فإن الوزارة بدلاً من أن تستقيل تطلب من الملك أو رئيس الجمهورية حل البرلمان واستفتاء الناخبين من أفراد الشعب في هذا الخلاف فإن أيدها الناخبون ظلت في مركزها وإلا وجبت استقالتها، وتولت حينئذ المعارضة مقاليد الحكم ومن هنا أصبحت الوزارة تستمد ثقتها لا من البرلمان ولكن من هيئة الناخبين، وقد ترتب على هذا التطور في المسؤولية السياسية للوزارة أن مجلس العموم البريطاني بصفة خاصة أو البرلمان في أي نظام برلماني بصفة عامة  لم يعد في مركز أسمى من مركز الوزارة بل كل منهما يشغل مركزاً واحداً وكل منهما يعترف بخضوعه لسيد مشترك هو هيئة الناخبين .

ثانياً: صور المسؤولية الوزارية السياسية:

 هنالك صورتان للمسؤولية الوزارية، المسؤولية الجماعية للوزراء التي تنشأ من ممارستهم للسياسة العامة للحكومة، والمسؤولية الفردية للوزراء التي تنشأ عن الأعمال الخاصة بوزارتهم وسوف نتناول ذلك وفقاً لما يلي:

1/ المسؤولية السياسية الجماعية للوزراء:

المسؤولية الوزارية الجماعية هي نظرية أساسية في النظام البرلماني ، تقوم على قواعد العرف الدستوري ومفادها أن أعضاء الحكومة مسؤولون جميعاً أمام مجلس البرلمان عن جميع التصرفات والأعمال التي تتصل بالسياسة العامة التي تنتهجها الحكومة لإدارة شؤون الدولة ، كما يلتزم هؤلاء جميعهم بالدفاع عن سياسة الحكومة والقرارات المتخذة من جانبها تنفيذاً لهذه السياسة، سواء داخل البرلمان أو خارجه، فإذا كان أحدهم غير راضٍ عن هذه السياسة ولا توجد لديه الرغبة في الدفاع عنها فإنه يجب عليه أن يستقيل، وهي مسؤولية يتحملها بالتضامن كل عضو يظل في الحكومة بعد اتخاذها لقراراتها بالإجماع وذلك باستثناء الحالات التي يعلن فيها رئيس الوزراء أو مجلس الوزراء عدم تطبيق النظرية أو بمعنى آخر تعليق العمل بقواعد المسؤولية الوزارية الجماعية بخصوص مسألة معينة وتوصف هذه المسؤولية بالجماعية لأن الوزراء وفقاً لمنطق النظام البرلماني يكونون جميعاً وحدة متجانسة يمثلها الوزير الأول ولهذا فإذا اقترع البرلمان بعدم ثقته في الوزير الأول فإن هذا يعني أنه سحب الثقة من هيئة الوزارة بأكملها وهو ما يوجب استقالتها.

 أما عن وصف هذه المسؤولية بالتضامنية فقد جاء من أن البرلمان إذا ما اقترع على عدم الثقة بأحد الوزراء من أجل تصرف يتعلق بالسياسة العامة للوزارة فإن عدم الثقة بهذا الوزير للسبب المذكور ينسحب على الوزارة بأكملها فيكون عدم الثقة بالوزراء كلهم وبالتالي فإنهم جميعاً يلتزمون بالاستقالة حتى ولو وجد من بينهم من يعارض السياسة العامة للوزارة التي أدين الوزير بسببها، لأن النظام البرلماني يقوم على مبدأ التضامن الوزاري الذي يفترض أن هذه السياسة هي عمل كل الوزراء حتى ولو وجد من بينهم من يعارضها، وأن القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء في خصوصها تعتبر وكأنها قد صدرت بالإجماع.

 وهنالك ثلاثة قواعد تحدث عنها الفقهاء الإنجليز تحكم نظرية المسؤولية الوزارية الجماعية وتتمثل هذه القواعد في قاعدة الثقة ومضمونها أنه يجب على الحكومة حتى تستطيع البقاء في الحكم أن تكون حائزة على ثقة مجلس العموم ويترتب على ذلك أنه إذا منيت الحكومة بهزيمة واضحة في مجلس العموم بخصوص قضية رئيسية على إثر الاقتراع على الثقة بها وجب عليها أن تستقيل، وقاعدة الإجماع التي بموجبها يجب على جميع الوزراء أن يؤيدوا أو يساندوا في البرلمان بصورة علنية سياسة الحكومة، وقاعدة السرية التي تقول إن الوزارة هي عبارة عن هيئة سرية مسؤولة بشكل جماعي أمام مجلس العموم عن القرارات المتخذة من جانبها، وبناء على ذلك فإنه يجب على الوزراء بحكم مركزهم الذي يمكنهم من الاطلاع على أسرار الحكومة عدم إفشاء أو نشر أية وثائق رسمية يكون لها طابع سري .

ويرتب الفقهاء على القواعد الثلاث سالفة الذكر عدد من الالتزامات هي:

أ‌. يجب على الوزير أن يدافع عن سياسة الحكومة.

ب‌. يجب على الوزير ألا يصوت ضد سياسة الحكومة.

ج‌. القرارات التي تصدر من مجلس الوزراء هي قرارات تعبر عن رأي الحكومة بأكملها.

د‌. يجب على الوزير الامتناع عن القيام بعمل يسبب الحرج للوزارة.

ويترتب على المسؤولية الجماعية للوزراء عدد من النتائج تتمثل في الآتي:

أ‌. أن رئيس الوزراء والوزراء الآخرين مسؤولون بصفة جماعية أمام مجلس البرلمان المنتخب.

ب‌. بالرغم من أن الوزراء مسؤولون بصفة فردية أمام البرلمان عن أعمال وزاراتهم فإن أعضاء مجلس البرلمان إذا ما أرادوا لوم أحد الوزراء بخصوص سياسته فإن الحكومة بصورة عامة ستعمل على استجماع قوتها وحشد أنصارها للدفاع عنه.

ج‌.    يشترك السياسي الذي يعمل كوزير في المسؤولية الجماعية لكل الوزراء بمعنى أنه يجب ألا ينتقد بصورة علنية سياسة الحكومة.

د‌.      يجب على الوزراء ألا يظهروا الاختلافات أمام البرلمان.


2/ المسؤولية السياسية الفردية للوزراء:

وهذه المسؤولية تعني أن يكون الوزير مسؤولاً بصفة فردية وشخصية أمام البرلمان عن الأعمال والتصرفات الخاصة بوزارته، والتي لا تندرج تحت السياسة العامة للوزارة، سواء تلك التي تصدر عنه شخصياً أو التي تصدر عن الموظفين الحكوميين التابعين له فإذا قرر البرلمان سحب الثقة من الوزير المسؤول، وجب عليه، عندئذ الاستقالة من الحكومة بمفرده ودون أن يؤثر ذلك على مركز الوزارة أو بقية زملائه من الوزراء، كما تم تعريف المسؤولية الفردية أيضاً بأنها تعني سحب الثقة من وزير معين أو من عدد من الوزراء، ولا تؤدي بالتالي إلى استقالة الوزارة بأكملها بل تقتصر على وزير أو وزراء معينين إلا إذا قررت الوزارة التضامن مع الوزير أو الوزراء المستقيلين فتنقلب المسؤولية الفردية إلى مسؤولية تضامنية، ولا تثار المسؤولية الفردية إذا كان التصرف متعلقاً بالسياسة العامة للوزارة ولكن يشترط لإثارتها أن يكون التصرف متعلقاً بالسياسة الداخلية للوزارة أي عندما يكون التصرف صادراً عن الوزير بصفته رئيساً إدارياً على الوزارة أو عن أحد الموظفين التابعين له، أو الذين فوضهم في بعض اختصاصاته بموجب القانون واللوائح ، والحكمة من مسؤولية الوزير في حالة التفويض أنه يتم بناء على تقديره وله حق الإشراف على التنفيذ ويملك إلغاء التفويض أو تعديله واتخاذ الإجراءات اللازمة لحسن سير المرافق الخاضعة لوزارته، وغالباً ما يحيط المشرع الدستوري هذا الحق بعدة ضوابط لخطورة ما يترتب عليه من عدم الاستقرار الوزاري إذا ساءت العلاقة بين الوزارة والبرلمان، ولم يكن الصالح العام هو الهدف من استعماله وذلك عن طريق النص على بعض الإجراءات والمواعيد التي يهدف من ورائها إلى تأجيل استعماله حتى تصدر القرارات بعد التروي والتريث بعيداً عن الانفعالات الحزبية والتشنجات السياسية، ويستطيع الوزير أن يتجنب المسؤولية الفردية إذا قام بالالتزامات التي تفرضها عليه هذه المسؤولية والمتمثلة في أن يقوم الوزراء بشرح وتوضيح أعمالهم وتصرفاتهم أمام البرلمان ، وإبلاغه بالأحداث أو التطورات التي تدخل ضمن مجال مسؤوليتهم، وأن يعتذروا عن الأخطاء التي تقع سواء من قبلهم شخصياً أو نيابة عن موظفيهم، وأن يقوموا باتخاذ الخطوات العلاجية اللازمة للأخطاء التي وقعوا فيها، وأخيراً إذا فشلت كل هذه الإجراءات السابقة أن يستقيل الوزير من منصبه.

ثالثاً: إجراءات المسؤولية الوزارية السياسية:

إن أهم ما يميز النظام البرلماني هو الرقابة السياسية التي يمارسها البرلمان على الحكومة، وذلك من خلال قدرته على إجبار الحكومة على الاستقالة، وهذا يحدث عادة في حال تمت الموافقة من قبل أغلبية أعضاء البرلمان على اقتراح بعدم الثقة بالحكومة، أو في حال قيام البرلمان برفض اقتراح معين تنظر إليه الحكومة على أنه أساسي وضروري جداً لسياستها ولهذا تعتبره محكاً للثقة بها، وهكذا يمكن القول أن تحريك المسؤولية السياسية للوزراء فرادى أو مجتمعين يجري من خلال الإجراء المعروف بالتصويت بالثقة Vote of Confidence أو التصويت بعدم الثقة Vote of no Confidence ويعرف أيضاً باقتراح اللوم Censure Motion ويعد هذا الإجراء واحد من الأدوات أو الوسائل الإجرائية الأكثر أهمية في مجال الرقابة التي يجريها البرلمان في النظام البرلماني على أعمال الحكومة ، حيث يظل مصير الحكومة متوقفاً بصفة أساسية على مدى دعم ومساندة أغلبية أعضاء البرلمان، وبناء على ذلك نتناول في هذه الجزئية مفهوم اقتراحات الثقة وأهميتها وأشكالها وإجراءاتها وتطبيقاتها وذلك من خلال الآتي:

1/ مفهوم اقتراحات الثقة:

ثقة البرلمان ضرورية جداً بالنسبة للحكومة حيث يتوقف عليها إقرار مشروعات القوانين المقدمة من جانب الحكومة وبخاصة تلك التي تتعلق بالموافقة على الاعتمادات المالية اللازمة لتغطية المصروفات الحكومية، ويترتب على قاعدة ثقة البرلمان نتيجة مهمة هي أنه يجب على الحكومة ألا تصر على الاستمرار في تصريف الشؤون العامة ضد إرادة الأغلبية الواضحة داخل مجلس البرلمان، ويجب عليها في هذه الحالة أي في حالة منيت بهزيمة واضحة في البرلمان بخصوص قضية رئيسية على إثر الاقتراع على الثقة بها أن تستقيل من الحكم.

2-أهمية اقتراحات الثقة:

من الواضح أن لاقتراحات الثقة أهمية كبيرة في النظام البرلماني، وهذه الأهمية تبرز بشكل خاص عندما نكون بصدد حكومة أقلية، أو حكومة تعتمد على أغلبية هشة سريعة الزوال، أو عندما يكون هناك معارضة قوية داخل صفوف الحزب الحاكم، وفي هذه الظروف لابد للحكومة أن تسعى لإجراء تحالفات أو تفاهمات بصورة رسمية أو غير رسمية مع الأحزاب الأخرى، أو مع المجموعات والكتل البرلمانية، أو حتى مع أعضاء البرلمان أنفسهم كمحاولة لضمان الانتصار والبقاء في الحكم.

3-أشكال اقتراحات الثقة:

وتتمثل هذه الأشكال من حيث التطبيق العملي في ثلاثة أنواع رئيسية وهي اقتراح الثقة أو ما يسمى أحياناً اقتراح منح الثقة وهو اقتراح يقدم من قبل الحكومة إلى مجلس البرلمان المنتخب بهدف الحصول على دعمه، وذلك من خلال إعطاء أعضاء البرلمان فرصة التعبير عن ثقتهم بالحكومة أو بسياستها المتبعة بخصوص قضية ما، وهذا الاقتراح يتم قبوله أو رفضه بواسطة أسلوب التصويت البرلماني. وفي أغلب الحالات تقترح الحكومة على البرلمان الاقتراع على الثقة بها رداً على اقتراح المعارضة بخصوص حجب الثقة عنها، وهنالك اقتراح عدم الثقة أو اقتراح اللوم، وهو إجراء برلماني يوضع على نحو تقليدي أمام البرلمان من قبل المعارضة لإلحاق الهزيمة بالحكومة أو التسبب في إحراجها وإضعاف مركزها أمام الرأي العام، وهذا الإجراء يتم قبوله أو رفضه بواسطة أسلوب التصويت البرلماني ويسمى في هذه الحالة الاقتراع بعدم الثقة أو التصويت لحجب الثقة، والنوع الأخير من الاقتراحات هي التي تقدم من قبل الحكومة أو المعارضة ويمكن اعتبارها اقتراحات باللوم أو بالثقة ومثالها الاقتراحات الموضوعية التي يكون الغرض منها انتقاد سياسة الحكومة، والاقتراحات التقنية أو الفنية كاقتراحات الحكومة بفض أو تأجيل جلسات المجلس.

4-إجراءات اقتراحات الثقة:

الإجراءات التي يجب اتخاذها لتقديم اقتراحات الثقة هي إجراءات بسيطة وخالية من أية تعقيدات، فلا يشترط لحجب الثقة عن أية وزارة أو لعزل أي وزير سوي توافر الأغلبية المطلقة لعدد النواب الحاضرين بجلسة الاقتراع وبعد ذلك يتم تقديم الاقتراح والتصويت عليه من قبل أعضاء البرلمان.

5-التطبيقات العملية لاقتراحات الثقة:

إذا تتبعنا الأمر في بريطانيا مهد النظام البرلماني نجد أن العرف يقضي بأنه يجب على الحكومة أن تحافظ على الدوام على ثقة مجلس البرلمان المنتخب الذي يملك السلطة الكاملة لطرد الحكومة بواسطة حجب الثقة عنها، وبالتالي تفقد دعم ومساندة أغلبية أعضائه نظراً لعدم كفاءتها أو لفقدها شروط الصلاحية التي تمكنها من الاستمرار في الحكم، ولكن الملاحظ عملاً أن استعمال مجلس العموم البريطاني لسلطاته في هذا الشأن قليل جداً، ويرجع ذلك لعدة أسباب منها الحاجة إلى الاستقرار الحكومي، فضلاً على أن الحزب الحاكم الذي تتولى هيئة أركانه الوزارة هو الحزب السياسي الحائز على مساندة الأغلبية داخل مجلس العموم، وفي الغالب من الأحيان أن الحكومات التي يتم طردها من الحكم عن طريق الاقتراع بعدم الثقة فيها تكون حكومات مدعومة من قبل أقلية في البرلمان ومن الأمثلة على ذلك عدم الثقة بحكومة جيمس كالاهان في 28/مارس/ 1979م وتتمثل وقائع هذه الأحداث في بريطانيا بعد استقالة هارولد ويلسون من منصبه كرئيس للوزراء  أنتخب جيمس كالاهان من قبل أعضاء البرلمان لحزب العمال خلفاً له وحينئذ قام كالاهان بتشكيل حكومته في 5/أبريل/ 1976م ونظراً لافتقار حزب العمال بزعامة كالاهان لأغلبية واضحة في مجلس العموم فقد اضطر إلى الإتلاف مع بعض الأحزاب الصغيرة مثل حزب اليستر الوحدوي وقد أدى هذا الوضع إلى عقد اتفاق رسمي بين حزب العمال والأحزاب الصغيرة الموجودة على الساحة ولقد أدى تفاقم الأزمات والنزاعات الصناعية إلى تزايد السخط الشعبي على حكومة كالاهان، وبخاصة خلال عام 1978م /1979م وقد كان من نتائج ذلك عدم الموافقة من الشعب على الاستفتاء العام الذي أجري خلال تلك الفترة بخصوص نقل السلطة من الحكومة المركزية إلى حكومة اسكتلندا المحلية، وقد أدى ذلك إلى إلحاق الهزيمة بحكومة كالاهان العمالية من خلال اقتراح بحجب الثقة عنها قدم للبرلمان في 28/مارس/ 1979م وقد ألحقت بهذه الهزيمة هزيمة أخرى جاءت من قبل حزب المحافظين المعارض بزعامة مارغريت تاتشر الذي حقق نصراً ساحقاً في الانتخابات العامة التالية حيث حصل على 339 مقعداً من مجموع عدد المقاعد البالغ عددها 635 مقعداً التي أجريت بتاريخ 3/مايو/ 1979م عقب حل البرلمان في 7/4/1979م ومن الأمثلة الحديثة على اقتراحات حجب الثقة في بريطانيا الاقتراح الذي تقدم به حزب العمال المعارض بقيادة جيريمي كوربن  بتاريخ 16 يناير 2019م  والذي دعا فيه للاقتراع بحجب الثقة عن حكومة تريزا ماي بعد الهزيمة التي منيت بها في التصويت على اتفاق الخروج من الاتحاد الأوربي إلا أن حكومتها فازت بالثقة بأغلبية 325 صوت مقابل 306 صوتاً، في السودان  تم تطبيق المسؤولية السياسية للوزارة عدة مرات في الفترات الديمقراطية.


emam.maher@gmail.com

 

آراء