المهدي سكت عن الانقلاب لينقذه من موقف كان سيفقده منصب الرئيس لغريمه الاتحادي. بقلم: النعمان حسن
اغتيال قرنق وانتحار التجمع المعارض سلم السودان لدعاة الانفصال الثلاثة
الحركة الاسلامية اصبحت قوة ثالثة فى البرلمان بسبب تواطؤ حكومة الجذولى ومواقف الميرغنى
امريكا كلما كشفت عن نواياها التامرية على الوطن سارع بالخضوع اليها كل من الانقاذ والتجمع
استاذ سودانى اكد انه شهد فى واشنطون خارطة لافريقيا اعدتها السيى اى ايه ليس فيها السودان
رحيل الشهيدين الشريف حسين وعبدالخالق مكن الترابى ان ينفرد بدور البطل الذى يفعل بالسودان ما يريد
النعمان حسن
حلقة 3-4
تناولت فى الحلقت الثانية من هذه السلسلة الرباعية كيف ان القوى السياسية الشمالية والجنوبية كانت اداة لانجاح التامر الغربى بقيادة امريكا لتفتيت وحدة السودان بسبب غياب الاستراتيجية المناهضه لهذا التامر لان القوى السياسية السودانية بلا استثناء لم تحرص على تحقيق هوية سودانية تقوم عليها مواطنة تنبذ الفوارق العنصرية والجهوية والقبلية والدينية حتى يتوحدالسودان فى وطن يسع الجميع فى مساواة تامة يتمتع فيها المواطن بخيرات بلد وهبه الله سبحانه تعالى من الثروات ما لا تتمتع به الدول التى يعيش مواطنوها فى سلام ورفاهية بينما يعيش مواطن السودان تحت ظل الحروب التى فتكت بدماءالملايين من مواطنيه منذ مطلع الخمسينات حتى بلغت تحت حكم الانقاذ انفصال الجنوب وتهديد العديد من مناطقه بالتقسيم والتفتيت بجانب الفقر والمرض والتشريد الذى عم الوطن ,
ولعل اهم ماخلصت اليه ان فترة الانقاذ الحالية شهدت اكبر اخطاء القوى السياسية التى وضعت الوطن فى طريق النهاية بعد ان اسلموا البلد للمتامرين عليه بالرغم من ان زعيمة التامر الولايات المتحدة كشفت عن نواياها العدوانية على السودان علانية يوم صدر عن اهم مؤسسة سياسية (لجنة الشئون الافريقية بالكونجرس الامريكى) قرارا صريحا بالعمل على تحرير السودان من الاستعمار العربى والذى صدر فى فبراير 1992 وكان هذا القرار وحده كفيل بان يحث ويوحد القوى السياسية السودانية للاتفاق على استرتيجية واضحة لافشال هذا التامر بتوحيد الامة السودانية وفق هوية مواطنة متساوية الحقوق تتوافق فيها الفوارق العنصرية والجهوية و القبلية والدينية التى يتخذ منها المتامرون على السودان مبررا لانجاح مخططهم ولكن هذه القوى انصرفت للصراع من اجل السلطة و لفرض الرؤى السياسية الضيقة حتى لو كان المقابل تقسيم السودان كما فعلت وتصر ان تفعل الحركة الاسلامية يوم انقلبت على الديمقراطية لفرض الحكم الاسلامى بالقوة فى اكثر الاوقات التى اطلت فيها بوادر التوافق لتوحيدالوطن بالاتفاق على نبذ التفرقة الدينية. والتى اصبحت بعد فرضه بالقوة سببا مباشرا لانفصال الجنوب بل ولتهديد العديد من مناطقه بنفس المصيرالذى يعبر عنه اليوم انتشار الحروب الاهلية فى اكثر من منطقة بالسودان بعكس ما توقعت الانقاذ.
وحتى لا نحمل الحركة الاسلامية وحدها المسئولية بالرغم من انها المسئول الاكبر الا ان الواقع يؤكد ان ذات الفترة شهدت العديد من الاخطاء والممارسات للقوى السياسية الاخرى بلا استثناء والتى ساهمت وعبدت الطريق لما لحق بالسودان من دمار ما كان له ان يشهده لو ان هذه الاحزاب انحازت للوطن وليس لرغبتها فى السلطة .
موضوع هذه الحلقة حسب ما وعدت رصد هذه الاخطاء التى لعبت دورا مباشرا فى انجاح المخطط الامريكى واسلمته مستقبل السودان يفعل به ما يريد
ولكن وقبل رصد هذه الاخطاء لابد من الوقوف فى بعض المحطات التاريخية التى لعبت دورا مباشرا فيما لحق بالسودان من دمار .
ولعل اهم هذه المحطات ان نتوقف بعمق مع الدور الكبير الذى لعبه زعيم الحركة الاسلامية الدكتور حسن الترابى الذى لعب دور البطولة بنجاح منذ ان بدا الاعداد والتمهيد لسيطرة الحركة الاسلامية على السلطة بالقوة.
والحق يقال انه ما كان لينجح فى هذا لولا ان الظروف مكنته من ان يحكم قبضته على البلد باستشهاد رحمة الله عليهما عبدالخالق محجوب والشريف حسين الهندى حيث خلت له الساحة دون اى مقاومة لما يمتلكه من ذكاء ورؤية سياسية بينما بقي من يدعون الزعامة مهووسين بالسلطة كهدف لذاتها بينما كان ولايزال هو صاحب رؤية سياسية يريد لها ان تسود وان كان المؤسف انها ليست من مصلحة الوطن لان نظرته وطموحاته الاممية تخرج عن حدود الوطن .
يرجع ذكاء الترابى وحنكته منذ فترة الديمقراطية الثالثة التى خلى له فيها الجو بعد انتفاضة ابريل التى كتبت نهاية انقلاب مايو وحكم النميرى.
فلقد نجح الترابى فى ان يقفز بالحركة الاسلامية لتصبح ثالث قوى سياسية وهو ما لم يكن يعبر عن حقيقة مركزها كقوى شعبية ولكنه نجح منذ البداية فى ان يفرض ملامحه السياسية على حكومة الفترة الانتقالية التى وقف على راسها من العسكريين المشير سوار الذهب الذى حل رئيسا مكان النميرى وهو من المتعاطفين دينيا مع الحركة الاسلامية كما نجح فى ان ياتى باحد رجالات الحركة الاسلامية الدكتور الجزولى دفع الله رئيسا للوزارة بل وجاء بجانبهم اخرين من الموالين للحركة فى اهم مناصب الحكم الانتقالى مما مكنه من ان يحكم قبضته على الحكم فى هذه الفترة الهامة التى دانت له بذكاء ليرسم سياسات الفترة
. فلقد حال دون ان يصدر قرار من الحكومة الانتقالية بالغاء قوانين النميرى المسماة بالاسلامية بعد ان ارهب زعماء الطائفتين دينيا وبصفة خاص السيد محمد عثمان الميرغنى الذى جعل منها البرنامج الانتخابى للحزب الاتحادى الديمقراطى وليضعف بموقفه هذا اقوى الاحزاب السياسية والاكثر شعبية ويالها من مفارقة حيث ان الميرغنى نفسه عاد فى وقت لاحق ووقع اتفاقا مع الحركة الشعبية تضمنت شروطه الغاء هذه القوانين فى اول واخر خطوة ايجابية تحسب له فى تاريخه السياسى
ثانيا نجح الترابى فى ان يقضى على ما تبقى من نفوذ الحزب الشيوعى الذى كان يمثل الكتلة الثالثة جماهيريا لان الترابى بما له من قوة محركة للحكومة الانتقالية ولقدرته الفائقة فى الحسابات الانتخابية ولانه يعلم ان اليساربقيادة الحزب الشيوعى يحتكر دوائرالخريجين وتحقق له وجودا مؤثرا فى البرلمان فنجح فى ان يجهض هيمنة اليسار على هذه الدوائر بالرغم من اغلبيته الكاسحة عندما حققت له الحكومة الانتقالية رغبته بان تحول دوائر الخريجين لدوائر جغرافية يتنافس فيها حسب المناطق وليست قومية كما كان الحال مما مكنه ان يحقق لاول مرة فى التاريخ الاغلبية العظمى من دوائر الخريجين وباصوات متواضعة لا تذكر مقارنة بجملة اصوات الحزب الشيوعى التى تمركزت فى العاصمة ولم تحقق له الفوز بدوائرالخريجين بينما حققت الحركة الاسلامية اغلبية دوائر الخريجين ببضع مئات من اصوات الدوائر فى الاقاليم لتصبح الحركة الاسلاميىة مهيمنة على دواءئر الخريجين وليخرج اليسار تماما من الوجود كقوة مؤثرة فى البرلمان مع انها ما كانت لتحقق مقعدا واحدا.
ثالثا استفاد الدكتور من الخطأ التاريخى الذى ارتكبه زعيم طائفة الختمية الميرغنى الذى فرض نفسه مهيمنا على مرشحى الحزب الاتحادى فقدم باسمه مرشحين منتسبين فى حفيقتهم لحزب الترابى او متعاطفين معه كما انه اضعف موقف الكثيرين من مرشحى الحزب فى دوائر مقفولة للحزب لانه اصر على تعدد المرشحين لاضعاف موقف من تريدهم قواعد الحزب ويعتبرهم هو مناهضين لنفوذه مما حقق للحركة الاسلامية فوزوا لعدد معتبر من النواب فى الدوائر الجغرافية دون وجه حق لان الحزب الاتحادى كان هو صاحب النسبة الاعلى من الاصوات فى هذه الدوائردون ان يفوز بالدائرة وبهذا تحقق للترابى دخول مجموعة معتبرة من النواب مكنته من ان يكون صاحب الكتلة البرلمانية الثالثة والمؤثرة فى البرلمان لاول مرة فى تاريخ البرلمان بالرغم من انه لايتمتع بالقاعدة التى تبرر هذا الانجاز الذى مكنه من ان يلعب دور القوى الضاغطة فى البرلمان حيث عرف كيف يستغل الصراع بين الحزبين العدوين لان كلا الحزبين الكبيرين بحاجة لتحالف معه لتحقيق الاغلبية البرلمانية التى لم يتمكن اى منهما فى تحقيقهاو لهذا نحج فى ان يتسابق الحزبان على كسب تاييده وبصفة خاصة حزب الامة الاقرب اليه لضمان رئاسة السيد الصادق لرئاسة الحكومة.
رابعا وهذاهو الاهم فان الترابى منذ ان تمت المصالحة مع النميرى وفى الوقت الذى كان المهدى والمراغنة يبحثون عن السلطة والمراكز العليا كان هو يستغل وجوده فى السلطة لبناء خلايا الحركة الاسلامية فى الجيش السودانى لادراكه انه من اهم عوامل الحسم للمعارك الحزبية (يوم الحاجة) ولانها كلها لا تحترم الديمقراطية كما انه اكمل اعداد القوات المسلحة (لليوم الموعود) لما تمتع به من النفوذ الكبير فى فترة حكومة الانتفاضة التى جند فيها الموالين له والمتعاطفين مع الحركة لهذا لم يكن صعبا على الحركة الاسىلامية ان تنقلب على الديمقراطية يوم تاكد انه خاسر المعركة ان تم تنفيذ ذلك الاتفاق الذى ابرمه الميرغنى عن الحزب الاتحادى الديمقراطى مع الحركة الشعبية لتحريرالسودان ذلك الاتفاق الذى لو وضع موضع التنفيذ لكتب نهاية اطروحات الحركة الاسلامية لان على راس بنود الاتفاق الغاء قوانين سبتمبر والتامين على الوحدة والسلام بنبذ الفوارق الدينية
لهذا لم يصعب عليه ان يسخر ما خطط له فى القوات المسلحة لما تاكد له ان الاتفاق فى الطريق للتنفيذ الذى تبقت ايام معدودة من تاريخ الجلسة البرلمانية التى تقرر ان تنظر فى الغاء قوانين سبتمبرحسب شروط اتفاق الميرغنى مع قرنق.والتى قبل السيد الصادق مجبرا اصدار قانون من البرلمان يلغى قوانين سبتمبر.
وهنا لابد من الوقوف فى بعض المحطات الهامة التى سبقت الانقلاب :
اولها موقف السيد الصادق المهدى من اتفاق الميرغنى قرنق لما له من ارتباط بموقفه من الانقلاب على حكومته الذى اصبح فى نهاية الامر اكبرحلفائه.
وهنا لابدان اشيرلما وثقه الاستاذ فتحى الضو فى كتابه الذى نشرت صحيفة الراكوبة اللكترونية بعض حلقاته والذى قدم فيه الكثير من الحقائق التى اكد بها علم السيد الصادق رئيس الحكومة التى يستهدفها الانقلاب به وقبل تنفيذه استنادا على ما وصله من تقاريرعن منظمى الانقلاب ولكن للقضية جانب اخر يتمثل فى موقف الصادق من اتفاق الميرغنى قرنق.
فالصادق وللتاريخ كان هو الذى رفض قوانين سبتمبرفى برنامجه الانتخابى بينما بقى الميرغنى مؤيدا لها فى برنامج الحزب الاتحادى لهذا لم يكن الصادق رافضا لما تضمنه اتفاق الميرغنى قرنق من شرط الغاء قوانين سبتنمبر لتحقيق الوحدة والسلام الا ان الصادق كان يرى ان تلغى هذه القوانين بقرارمن مجلس الوزراء وهذا ما رفضته الحركة الشعبية بحجة ان القوانين لاتلغى بقرارات من السلطة التنفيذية وانما بقانون يصدر عن السلطة التشريعية وهى البرلمان الا ان الصادق تمسك برايه ولم يقبل بعرض الامر على البرلمان لانه عنئذ كان تحت تهديد الترابى والحركة الاسلامية بان عرض الامر على البرلمان سوف يعنى انسلاخ الكثيرين من نواب حزبه ووقوفهم بجانب نواب الحركة الاسلامية الرافضين لالغاء قوانين سبتمبرمما يعنى ان المهدى سيفقد اكثرية نوابه مقارنة بالحزب الاتحادى مما يفقده رئاسة الوزارة التى تحققت له باغلبيته عندما كان الشريك الا كثر نوابا,ولان هذا الخلاف قد تصاعد بين الطرفين تحت اصرار الحركة على عرض الامر على البرلمان فتم الاتفاق على الاحتكام لتكوين لجنة يكونها مجلس الوزراء من كبار القضاة برئاسة مولانا هنرى رياض ومجموعة ضمت مولانا دفع الله الرضى واخرين ليفتوا فى هذا الخلاف وجاء تقرير اللجنة مؤكدا لوجهة نظر الحركة الشعبية من ان القوانبين لا تجمد بقرارمن مجلس الوزراء ولا تلغى الا بقانون يصدره البرلمان مما ادخل السيد الصادق فى نفق مظلم اجبر بموحبه ان يقبل وهو غير راضى ومتخوف من طرح الامر على البرلمان فى الجلسة التى حددت فى الاسبوع الاول من يوليو 89 (اى قبل ايام بل ساعات من انقلاب الحركة الاسلامية) لهذا فان السيد الصادق كان فى قمة التوتر والايام تقارب من انعقاد البرلمان لهذا فمن المؤكد انه كان من اسعد السياسيين بالانقلاب لانه ازاح عنه كابوس البرلمان الذى يتهدده بفقدان اغلبيته التى اهلته رئيسا للوزراء لهذا لا يستبعد ان يكون سكت عنه عمدا عندما اخذ به علما لهذا السبب قبل ان يصبح نادما عليه فى وقت لاحق لهذا لا اظنه كان شريكا فى الانقلاب وانما كان متهاونا فى الحيلولة دونه حيث انه اخرجه من موقف كان يبحث عن تجنبه وفشل ولم يكن يعرف له مخرجا منه حتى حقق له الانقلاب المخرج (بدعوى الانقلاب ولا تسليم رئاسة الوزارة لعدوه التقليدى)
من هنا فالثابت وهو ما يشكل نقطة البداية فى رصد مواقف القوى السياسية من ما لحق بالسودان فان توقيت الدكتور الترابى للانقلاب كان محسوبا بدقة متناهية ولذكائه اصبح من معتقليه عند اعلانه حتى لا يكشف هويته الاسلامية قبل تامينه لانه يدرك ان الحركة ليست بتلك القوة حتى تؤمن انقلابها سواء عسكريا او جماهيريا حتى تمسك بمفاتيح السلطة لتؤمن موقفها وهذا ما نجحت فيه
لهذا كان التوقيت للانقلاب بالتحديد ليحول دون انعقاد جلسة البرلمان لان تفعيل اتفاق الوحدة والسلام قائم على سد الطريق امام اى حكم اسلامى.
وهنا كانت نقطة البداية فى تحالف واحتضان امريكا للانقلاب لانها تتفق مع الترابى فى ان تفعيل اتفاق الميرغنى قرنق يعنى تفويت الفرصة على تنفيذ مخطط امريكا لتقسيم السودان وتفتيته ومخطط الترابى لفرض الحكم الاسلامى لهذاانتهى الامر بالتحالف الاستراتيجى بين امريكا والانقاذ رغم ما بينهما من عداء تقليدى فى اتفاق مرحلى..
ثانى المحطات ولتاكيد ما للترابى من نفوذ على حكومة الديمقراطية الرابعة لعلكم تذكرون كيف ان الاحزاب السياسية كلها ماعدا حزب الترابى اجمعت على مطالبة الحكومة الانتقالية بمد فترتها لعام اخر حتى تتمكن من اعداد نفسها للانتخابات لانها تعرضت للفركشة فى فترة مايو فكان ان رفضت الحكومة الانتقالية طلب الاحزاب و تجاوبت مع رغبة حزب الترابى لانه كان الحزب الوحيد الذى اكمل اعداده للمرحلة الانتخابية بعد تغلغله فى نظام النميرى بعدالمصالحة وتغلغله فى الحكومة الانتقالية ويومها ولتغطية الحكومةالانتقالية لرفض طلب الاحزاب والتواطؤمع الترابى رفعت الحكومة راية الالتزام بما اتفق عليه بانهاء الفترة الانتقاليىة فى الموعد المحدد مع ان الذين طلبوا مد الفترةهم اصحاب الاتفاق نفسه ماعدا حزب الترابى فكانت بلا شك حجة اريد بها خدمة الترابى لهذا لم يكن غريبا ان تكافئ الحركة الاسلامية رئيس المجلس الاعلى يومها بتعيينه مديرا لمنظمة الدعوة الاسلامية مترقيا وظيفيا ومخصصات افضل.
ثالث المحطات واغربها تلك المشاهد التى شهدها السودان قبل انقلاب الحركة الاسلامية والتى صبت كلها لصالح تامينه.
فلقد شهد السودان لاول مر فى تاريخه ما سميت بمذكرة القوات المسلحة التى تحمل مطالب سياسية من الجيش مما يعنى التدخل السافر فى السياسة والتى فهمت يومها انها تهديد واتزار مبكر من قيادة الجيش انها ستعيد تجربة الفريق عبود وتتولى السلطة عسكريا وكما ان هذه المذكرة فى نهاية المطاف كانت من اكبر العوامل التى امنت انقلاب الانقاذ لان الراى العام الغاضب والمحبط من حكومة الصادق توهم ان ذلك الانفلاب هو تنفيذ الجيش لوعيده وتهيئته وانه انقلاب قومى فى مفهومه وليس انقلاب حزب بعينه ناهيك ان يكون اضعف الاحزاب وهوحزب الحركة الاسلامية فلقد قدم هذا الاعتقاد دعما كبيرا لانجاح انقلاب الثلاثين من يونيو لان كل ضباط الجيش وجنوده توهموا انه انقلاب المؤسسة العسكرية الذى وعدت به ومنهم من خرج داعما له بهذا الفهم حتى صدم بالحقيقة مماساعد على تامينه على وجه السرعة
اما المشهد الثانى فلقد شهد السودان قبل انقلاب الانقاذ بايام معدودة حركة انقلابية غريبة ضعيفة المحتوى نسبت لعودة النميرى للسلطة بالتعاون مع مصر واكتملت المفاجاة من هذا الانقلاب الذى اتهم بانه مايوى ان خرج رئيسه وقائده نائبا لرئيس مجلس انقلاب الانقاذ مما يطرح اكثر من سؤال ولكن اهم ماقدمه هذا الانقلاب الفاشل فكرة وتنظيما ا نه امن انقلاب الحركة الاسلامية من مخاوفها من تدخل مصر عسكريا لاجهاض الانقلاب لو علمت حقيقته من البداية كما فعلت يوم تدخلت لحماية انقلاب مايو فى الجزيرة ابا فلقد توهمت مصر وهللت بكل ما تملك لانقلاب الانقاذ فى بداياته لاختياره قائد الانقلاب الذى قيل انه موالى لمصر على راس مجلسه تحت هذا الوهم لدرجة ان مصر رفضت يومها لقيادات سياسية معارضة لجات لمصر ان تمارس اى معارضة من اراضيها قبل ان تدرك المقلب وتعيد فتح الابواب لهم لما تكشفت لهم حقيقة الخدعة التى انطوت عليهم وكانت سببا فى اعفاء مسئول المخابرات المصرية فى السفارة المصرية بالسودان من منصبه.
اما المشهد قبل الاخير من هذه المسرحية فلقد جاء اختيار اول مجلس عسكرى للانقلاب مجرد لافتة من قيادات عسكريىة لا تنتمى للحركة الاسلامية ولم تكن مشاركة فى الانقلاب نفسه حتى تتاهل لهذه المواقع ولكنها كانت غطاء ذكيا للمرحلة الاولى من الاتقلاب لاخفاء هويته وابعاد الشبهة عن الحركة الاسلامية حتى لا يجهض الانقلاب لسهولة اجهاضه فى بداياته ويؤكد هذه المشاهد اخرها والاغرب عندما حل الشيخ الترابى زعيم الحركة الاسلامية حبيسا فى سجن كوبر بين قيادات الاحزاب المستهدفة من الانقلاب وكان الهدف من ذلك واضحا لتضليل الراى العام والقوى السياسية نفسها بان الانقلاب ليس لحزب الترابى لهذا وما ان تم تامين الانقلاب حتى خرج الشيخ ليشرف علانية على انقلاب الحركة الاسلامية.(الذى ادخله السجن صوريا)
اذن وبرصدهذه الوقائع والمشاهد الدراميتكية التى شكلت فى مجملها مسلسل الانقاذ فانها لابد ان تكون من تخطيط عقلية تتمتع بالدهاء والذكاء والخبرة واجادة قراءة الاوضاع من جميع جوانبها ولاشك انه لن يكون غير الشيخ الترابى الذى اجاد لعب دور البطولة فى هذا المسلسل الذى جاءت كل احداثه ومشاهدة لحساب الاتقلاب رغم غرابتها حيث كانت كلهافى خدمته وتامينه ويالها من مفارقة فلقد واصل الشيخ الترابى لعب ذات الدور الذى خطط له بحنكة حتى اليوم حيث واصل نفس الدور فى مواقفه طوال فترة الانقاذ التى ظلت تصب دائما لحماية النظام حتى انه لعب دور المعارض للنظام فى قوى الاجماع الوطنى رغم ماشهده السودان من مظاهرخلافية ولكن بقى الشيخ هو المحرك والمؤمن للنظام الذى خطط كل مسرحياته بحنكة .
عفوا اذا كنت اسهبت فى تفصيل هذه المواقف والمشاهد وكل ذلك لاثبت الى اى مدى كانت غفلة القوى السياسة وقيادات الاحزاب السياسية بلا استثناء والمدفوعة بحب السلطة والتى انطلت عليها كل هذه الاحداث التى حركها الشيخ من خلف ستارة المسرح حيث كانت كل القوى السياسية ادوات تحت يده حققت للحركة ماخططه لها الشيخ ولعل هذا اول واهم اخطاء القوى السياسية التى مكنت الحركة الاسلامية من ان تهيمن على مستقبل السودان ومصيره خاصة وان رؤية هذه الحركة والتى تقوم على ان اى موقف يمكن الحركة من فرض الحكم الاسلامى فهو فى شرع الحركة شرف حتى لو كان المقابل تفتيت وحدة السودان .
لهذا فلقد توافقت رؤية الحركة الاسلامية مع مصلحة المتامرين على وحدة السودان بقيادة امريكا مما شكل تحالفا استراتيجيا بينهما غير معلن رسميا ولكنه حقيقة على ارض الواقع وان كان فى ظاهره نزاعا زائفا بين الطرفين فامريكا كانت منذ اعلان الانقلاب الذى حال دون مضى السودان فى تنفيذ اتفاقية الوحدة والسلام مع الجنوب عبر الحركة الشعبية فانه حظى بالدعم الامريكى ولايزال حتى اليوم وسيبقى حتى يكتمل سيناريوا تفتيت السودان ,
فامريكا هى التى قررت العمل لتحرير السودان من الاستعمار العربى وعلى راسه بالطبع انفصال الجنوب والحركة الاسلامية انقلبت على الديمقراطية لتحول دون ان يكون رفض الحكم الاسلامى هو ثمن وحدة السودان وانها لهذا السبب تفضل فصل الجنوب وليس التضحية بالتنازل عن فرض الحكم الاسلامى ولو بالقوة .
لهذا كان من الطبيعى ان تلتقى رغبة الطرفين الانقاذ وامريكا والتحالف بينهما وان اغفلت الحركة الاسلاميةان مخطط امريكا لن يتوقف عند فصل الجنوب وحده وانها ستحرص على الانقلاب حتى يمكنها من تحريرمناطق اخرى غير الجنوب من الاستعمار العربى كما قررت وهذا لن يتحقق لها الا باستمرار النظام وتصاعد الحروب الاهلية.
ولعلنى بهذه المناسبة اذكر ان استاذا سودنيا يعمل محاضرا فى جامعة امريكية جاء للقاهرة فى الربع الاول من التسعينات وهو فى طريقه للخرطوم وتصادف اننا كنا نعقد ندوة كل جمعة فى شقة الاخ زين العابدين على صالح حول الاضاع فى السودان فشارك الاستاذ يومها فى تلك الندوة وفى مداخلته اكد انه كان حضورا فى محاضرة قدمها بروف امريكى عن مستقبل افريقيا وانه عرض اثناء محاضرته خريطة لا فريقيا لم يكن فيها السودان وقال الاستاذ انه احتج على الخارطة الا ان المحاضر زجره وقال له بحدة ان هذه الخارطة زودته بها المخابرات الاميركية وهذا يكفى اليس كذلك؟
مؤكد هذه الحقيقة رغم مرارتها فقد قدمتها امريكا طواعية يوم اعلنت نواياها هذه عندما ا صدرت قرارتحرير السودان من الاستعمار العربى وانها بلا شك احرص على بقاء النظام حتى تكمل هذا السيناريو فهل كانت ردة فعل القوى السياسية السودانية حاكمة ومعارضة مواكبا لهذا الخطر
هكذا جاءت مواقف امريكا سافرة فى حرصها على استمرارية النظام ليس حبا فيه او تعاطفا مع الاسلام وانما لانه الوسيلة الوحيدة التى تحقق لهم مخطط تفتيت السودان لعدة دويلات صغيرة لا حول لها او سلطان.
وسنرى ما ارتكبته القوى السياسية من اخطاء فى حق السودان.ولخدمة المتامرين على وحدته
هذا موضوع الحلقة القادمة والاخيرة
siram97503211@gmail.com