للحديث عن الحركة الاتحادية في تخلقاتها المختلفة من مؤتمر الخريجين العام الذي تأسس في عام 1938، مروراً بحزب الأشقاء (1945) والوطني الاتحادي (1953) وانتهاء بالاتحادي الديمقراطي (1968)، لا بد من الإشارة إلى أن هذه الحركة لم يقم أو تكون لها جهاز ومؤسسية تنظيمية تجعلها في مصاف الأحزاب الديمقراطية الليبرالية. لقد كانت الحركة الاتحادية في تكويناتها الحزبية المختلفة تعتمد على الزخم التاريخي والنضالي والبطولي لقياداتها أكثر من اعتمادها على المؤسسة الحزبية وأداتها التنظيمية وذلك لالتفاف معظم جماهير الشعب السوداني والطليعة المثقفة والمتعلمة في البلاد آنذاك حول هذه القيادات التاريخية. ولطغيان شخصيات الحركة الاتحادية النضالية على الجماهير وقواعدها جعل كل ما يطرح منها شيئاً مسلماً غير قابل للجدل. وليس أدل على ذلك من إجازة الجماهير الاتحادية في الحزب الوطني الاتحادي لدستورها الحزبي الذي يكرس قبضة القيادة على المؤسسة التنظيمية وإعطائها اليد المطلقة لتفعل ما تشاء كهدم لممارسة الديمقراطية الليبرالية داخل المؤسسة الحزبية. أضافة الى أن الغالبية العظمى من جماهير الشعب السودانى فى ذلك الزمان تلتف حول القيادات والزعامات بغض النظر عما يحملوه من رؤى وبرامج أذ أن المجتمع السودانى تركيبته الغالبة من المكون القبلى والصوفى فهم أكثر ألتفافاً وسماعاً لشيخ القبيلة وشيخ الطريقة الصوفية واكثر ثقة فيهم من أطروحات المتعلمين هذا اذا علمنا أن معظم نظار وشيوخ القبائل وشيوخ الطرق الصوفية الذين قد استعداهم حكم الخليفة عبد الله التعايشى قد أنحازوا للحركة الأتحادية تحت زعامة السيد أسماعيل الأزهرى الذى هو أيضاً ينحدر من بيت صوفى كبير فجده السيد اسماعيل الولى شيخ الطريقة الأسماعيلية. ومع احترامي لقيادة الحزب التي كان تفكيرها في ذلك الوقت منصباً في معركة الدستور وتثبيت النظام الدستوري للبلاد لتنطلق منه أسس التنمية الراسخة، إلاّ أن إهمال وضع الأسس التنظيمية للحزب وممارسة الديمقراطية وإشاعتها قد أخل بمجمل الأداء السياسي في السودان، وفي اعتقادي أن ذلك الخطأ التاريخي هو الذي أدى للتخبط الذي نراه الآن في الحزب الاتحادي الديمقراطي والحياة السياسية السودانية ككل. إن حركة الإصلاح والتصحيح داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي تتجاوز حيزها الحزبي الضيق لتطرح وتنادي بتصحيح وإصلاح كل مؤسسات المجتمع المدني والعسكري من أحزاب وتنظيمات نقابية واجتماعية إن كنا نريد أن نبني وطناً حراً ديمقراطياً يخضع الجميع فيه لدستور الحق والواجب، دستور يحترم حرية الفرد الفكرية والعقائدية شاملاً ومحتضناً كل أنواع الاختلاف الثقافي الذي يتمتع به مجتمعنا وصاهراً لها في بوتقة واحدة من أجل بناء أمة سودانية تحمل ملامح كل أهلها بغض النظر عن الدين والعرق والعنصر والثقافة. ان ما رمينا له هو الدعوة إلى نبذ الدثار القديم، ونداء لتبديل الإرهاب السياسي، ومقدمة لبنود عريضة لبناء السياسة السودانية وإعادة الهيكلة لمؤسساتها فكراً وأداء حتى تعمل فكرها وتجود منهجها وتشحذ خيالها وتفجر الطاقات الحبيسة الكامنة في وجدان شعبها، لتترجم نبض الشارع السوداني إلى واقع ملموس في العلاقات الاقتصادية والمفاهيم الاجتماعية والتركيبة السلطوية، ووسائل الأداء التنفيذي، وهياكل التنظيم السياسي، والقيم النسبية التي تشمل كل هذا، لأن التبني اللفظي للشعارات لا يغني عن الالتزام بالمضمون. وإلا لحدثت القطيعة كما نرى الآن بين الخطاب السياسي والواقع الاجتماعي. إن حركة الإصلاح والتصحيح في الحزب الاتحادي الديمقراطي لم تكن معزولة عن الأحزاب الأخرى، وكانت مدركة أن التصحيح يجب أن يشمل كل الأحزاب، خاصة الأحزاب الجماهيرية ذات القاعدة الشعبية العريضة. لذلك اتجهت الحركة لتوليد مثيل لها في حزب الأمة والتعاون معها لبلوغ هذه الغايات. إن بوادر الإصلاح في حزب الأمة قد برزت عندما تولى الصادق المهدي رئاسة حزب الأمة وبدأ ينادي بفصل الزعامة الدينية عن القيادة السياسية في حزب الأمة، ووصل به الحد ليقسم حزب الأمة إلى جناحين، واحد تحت قيادته والآخر تحت رعاية الإمام الشهيد الهادي المهدي. لقد وجدت حركة الصادق المهدي كل التعضيد من حركة الإصلاح داخل الاتحادي الديمقراطي التي فرضت على قيادة الحزب فضّ الائتلاف مع جناح الإمام وتكوين حكومة ائتلافية مع جناح الصادق، لكن سرعان ما تكشف لحركة الإصلاح في الاتحادي الديمقراطي عدم جدية الحركة التي يقودها الصادق المهدي وأنها خلاف أسري وصراع وراء القيادة والسلطة برغم تدثرها بشعارات الإصلاح والتقدمية. ولم تيأس الحركة من العناصر الإصلاحية في حزب الأمة التي انشقت مع الصادق المهدي لأنها كانت صادقة في توجهها وفعلاً جادة في إحداث التغيير، لذلك بدأ التنسيق مرة ثالثة مع هذه القيادات الإصلاحية في حزب الأمة إبان الديمقراطية الثالثة. وقد حققت هذه الحركة انتصارات باهرة في المؤتمر الأخير لحزب الأمة إبان الديمقراطية الثالثة. ولأن ذلك الانتصار قد هزّ مواقع كثيرة في حزب الأمة، بدأوا يكيلون له الاتهامات بأنه تكتل عنصري غرباوي ضد أولاد البحر. ولو قدر للديمقراطية أن تستمر لانتصرت الحركتان الإصلاحيتان في الحزبين الكبيرين ولرأى السودان حكماً مستقراً، لأن الحركتين ليس بينهما العداء التقليدي الموجود بين الطائفتين، الختمية والأنصار، وممارستهما للسياسة على طريقة توم وجيري، فيلم الكرتون المشهور. وبرغم تعثّر حركة الإصلاح والتصحيح في مسيرتها لبناء المؤسسة الحزبية لأسباب منها الموضوعي من قلة وشح الإمكانيات وتناثر الأعضاء في كل أوجه المعمورة، وغير الموضوعي من تقاعس القيادات وتمحورها على نفسها وعدم تحريكها للإمكانات البشرية المتاحة، مما أدى لانشقاق الحزب إلى جناحين، ضعف الجناح الذي انتمى للتجمع الوطني الديمقراطي وصار يقود وينفذ أجندة ليست من صنعه وصار مطية لحفنة من اليساريين ومحتمياً بالقوة العسكرية للحركة الشعبية. والجناح الآخر فشل في بناء المؤسسة الحزبية وإشاعة الديمقراطية في داخله واتخاذ القرارات المصيرية عن طريق المؤسسة الحزبية في أي صورة من صورها، فكانت النهاية مبادرة الحوار الوطني الشعبي الشامل والتي تمخضت عن دستور لم يوضع ديمقراطيا ولم يجز ديمقراطيا. الحوار الذي انتهى بهذا الدستور قد أبقى على كل مؤسسات الدولة في يد الجبهة القومية الإسلامية، من مال ومؤسسات اقتصادية، وأمن وقوات مسلحة وسلاح، وخدمة مدنية لمدة ثلاث سنوات وبعدها تجرى انتخابات تحت ظل كل هذا ليفوز حزب آخر غير المؤتمر الوطني! لم تكن الأحزاب التي سمح لها بالقيام حسب قانون الأحزاب الجديد (التوالي) غير صورة تجميلية للنظام يعرضها للمجتمع الدولي ليرفع عن عنقه سيف الحصار المسلط. وستكون هذه ديمقراطية الحزب الحاكم ـ كما هو موجود في كثير من دول الجوار ـ الذي دائماً يفوز بالبرلمان والحكومة وبقية الأحزاب صورة تزيينية للديمقراطية المبتذلة في دول العالم الثالث وأقرب الأمثلة كانت اندونيسيا، لكن الشعب والمعارضة بعد 32 عاما من حكم الحزب الغالب الحاكم بقوة السلطان استطاعا ان ينتزعا حقهما، فهلا فعلت المعارضة السودانية ذلك؟! ويقيني إذا استمرت المعارضة في هذا الاستهوان واللامبالاة، فإن الشعب حتماً سيتجاوز قياداته وينتزع حقه، خاصة شعباً كالشعب السوداني له تجارب ثرة في الثورات الشعبية والعصيان المدني الشامل. وان الحزب الحاكم الذي لم يتحمل الخلاف بداخله لن يسمح بقيام ديمقراطية حقيقية هي في النهاية ستهزمه وتعرضه للمحاسبة على كل سوءاته والتي أظهروها بأنفسهم عند احتداد خلافاتهم وليس بيد عمرو. هو نظام يريد أن يتحول إلى حكم نخبة عسكرية ومدنية شمولي مع بعض مظاهر الديمقراطية الصورية، كما هو موجود في دول الجوار القريب منا. إننا نحاول اليوم كقيادات شابة في حركة الإصلاح والتصحيح، بعيداً عن القيادات التقليدية، أن ننظر بالتشريح لمسيرة الحركة الاتحادية والاستفادة من كل الدروس المستقاة من كل عثراتنا، والاستفادة من الخبرة المتراكمة حتى نفرق في قيادة التنظيم بين المفكر ورجل الدولة، لأن رجل الدولة يحتاج إلى عنصر الإلهام عندما يجد نفسه في الوضع الصعب، فهو يرى المستقبل ويشعر به، لكنه لا يستطيع تأكيد رؤيته لحقيقة ثابتة إلا عبر الدراسة العلمية المناط بها جهازه التنفيذي. ونحن نحاول بناء الكادر المتعلم الحركي على نمط جماهيري، وذلك بأن يكون الكادر المثقف داخل الحزب ملتحماً بجماهيره في موقعه متحسساً لآلامها معبرا عن تطلعاتها متقدماً للقيادة بإرادتها لا مفروضاً عليها. ولن يستطيع الحزب أن يقدم برنامجاً يلبي طموحات أمة ما لم يكن حامله والمعبّر عنه مثقفاً جماهيرياً لا مثقف الأبراج العاجية. والحمد لله أن حركة الإصلاح متواصلة في الحزب الاتحادي الديمقراطي حتى داخل التيار الذي يقوده السيد محمد عثمان الميرغني والذي تمخض عن «الحركة من أجل الإصلاح والتنظيم والمؤسسة» بقيادة ميرغني سليمان حاج عبد الرحمن، الدكتور فاروق أحمد آدم وآخرين والذين أعلنوا رأيهم ورؤيتهم ببيان التاسع من ديسمبر 1999 الصادر من قاهرة المعز والذي وجد الدعم والتأييد من القيادات بالداخل وعلى رأسهم السيد احمد الحسين نائب الامين العام للحزب. ولتنصلح حال المعارضة السودانية في الداخل والخارج فلا بد للحزب الاتحاد الديمقراطي أن يقنن مؤسسته التنظيمية وأن يشيع الديمقراطية في داخله وأن تنتصر حركة الإصلاح والتصحيح في داخله حتى يتوحد الحزب ويؤدي الدور المناط به. ولن تنصلح حال المعارضة السودانية ولا حتى حال الديمقراطية والحكم في السودان ما لم ينصلح حال حزب الوسط الاتحادي الديمقراطي، ليست هذه نرجسية ولا انحيازاً لحزب أنتمي له، لكن هذا ما يقوله الواقع السوداني. الآن وقد بلغت الأ زمة السودانية قمتها ودخلت عنق الزجاجة بسبب سياسات الأنقاذ الأقصائية والمحتكرة لمصير الوطن وقد صارت للشعب السودانى مثل ديك العدة الذى اذا تركته قام بيوسبخها وتنجيسها ببرازه واذا حاولت أن تنهره قام بتكسيرها قبل أن ينزل منها ولذلك كان لابد للمعرضة مجبر أخاك لا بطل بأن تقبل بالحوار الذى يؤدى الى حل سياسى شامل للأزمة السودانية تديره حكومة قومية أنتقالية تضع السس لكيف يحكم السودان وليس من يحكمة. ولهذا يتحتم على الح الأتحادية بمختلف أحزابها وفصائلها تجميع صفوفها وبناء وحدتها الفكرية والتنظيمية قبل الدخول في حوارات المؤتمر الجامع أو المؤتمر الدستوري. هذا واعتقد أن نواة الوحدة قد بدأت بأندماج الحركة الأ تحادية الوطنية والحزب التحادى الديمقراطى الموحد فى الحزب الوطنى الأتحادى الموحد ولذلك لابد لبقية الفصائل الأتحادية والقيادات الأتحادية المتفرجة من خارج السياج والتيارات الأصلاحية فى الحزب الأتحادى الديمقراطى الصل والحزب الأتحادى الديمقراطى المتوالى والمسجل أن يتحرروا من الأغلال المكبلين بها تحت زعامات الحزبين. ولا أعتقد أن هنالك اختلافات بين فصائل الاتحاديين المختلفة بعد ارتضائهم جميعاً للحل السلمي الشامل والتبادل السلمي للسلطة عن طريق الحوار وصناديق الانتخابات في ضوء تعددية سياسية راشدة. أن أي استمرار للخلافات بين القيادات التاريخية للحركة الأتحادية بمختلف أحزابها وفصائلها بعد الآن لا يمكن تفسيره بغير الصراعات الشخصية التي ستكون وبالاً على الحزب والسودان وعدم تحمل المسئولية التاريخية التى تركها لهم الرعيل الول أمانة فى أعناقهم. نتمنى أن ترتفع هذه القيادات لمستوى المسؤولية الملقاة على عاتقها ولتتنادى لتوحيد صفوفها ونبذ الخلافات والاستعلاء والعزة بالإثم. ولا بد للشباب والطلاب والقيادات الجديدة ورواد حركات الإصلاح والتصحيح والمؤسسية أن يتنادوا حتى يأخذوا بيد المبادرة لبناء حزب قومي علمي مؤسسي يتخذ الديمقراطية منهاجاً له حتى يستطيع أن يسهم في خلق ديمقراطية رابعة أخيرة راشدة دائمة ومستديمة. ولا بد للسيد محمد عثمان الميرغنى أن يستوعب المتغيرات التي حدثت للأجيال منذ مايو (أيار) 1969 وحتى الآن. لا بد أن يتّعظ بما حدث للترابي من تلاميذه وللصادق المهدي من أتباعه. وليعلم أن الزمن قد تجاوزه وأنه لا يمكن أن يورث الحزب أى من ابنائه الذين هم بعيدين كل البعد عن نبض الجماهير وليس لهم المقدرات الفكرية والسياسية التى تؤهلهم للقيادة وهنالك من الأتحاديين من هم أحسن منهم فى كل مجالات الحياة العامة السياسية والجتماعية والثقافية وحتو الدينية وليس هنالك فيهم من يصلح حتو لقيادة الطريقة الصوفية المربوطة بالبيعة الدينية ناهيك عن شئون السياسة وأدارة المجتمعات. ومهما نالوا من تعليم أكتديمى فى أعظم الدول الغربية لا يستطيعون أن يساهموا به لترقية المجتمع السودانى لأنهم أبعد الناس عن مداخلهم وتركيبتهم وتفكيرهم الجمعى ولذلك فأن فاقد الشئ لا يستطيع أن يعطيه. نختم ونقول ونوجه النداء بكل القيادات والكوادر الأتحادية الصادقة التى ظلت عاضة على جمر القضية طوال ربع القرن عاضين على القضية بالنواجز والذين أكلوا اصابعهم ولم يبيعوا قضابا شعبهم وظلوا صامدين كالجبال الشم ا، يتنادوا من أجل بعث الحركة الأتحادية من أول جديد رجوعاً الى محطة التاثيث من مؤتمر الخريجين متفادين ومصححين لكل الأخطاء التى وقعت فيها الحركة الأتحادية فة ميرتها تلك وحتى الآن. اللهم أهدى أشقائي وأجعلهم يعلمون ويدركون ويستدركون من أجل شعبك السودانى الكريم الذى لا يستاهل أن يفعل به ما فعلته الأنقاذ طوال ربع القرن الماضى.