الوعي الجديد والترانيم القديمة!

 


 

 

 

وما دخل الموساد بالذين خرجوا في (الرهد أب دكنة)؟ ألا ما أبعد الشقة بين إسرائيل وبين الشباب والنساء والرجال والأطفال الذي خرجوا في احتجاج مشروع في عطبره وبربر وأم روابة والدمازين والجزيرة أبا والحاج يوسف وودنوباوي وبحري ودنقلا والأبيض والفاشر والقضارف وقرى الجزيرة والريف الجواني لنهر النيل والشمالية وكردفان ودارفور والشرق! لا جدوى لهذه (الترانيم القديمة) التي عفا عليها الدهر، فالناس من حقهم أن يخرجوا طواعية وبإرادة ذاتية للاحتجاج المدني التي يقره الدستور وتفرضه الأعراف الإنسانية، ولا نظن أن إسرائيل أو موسادها ينكويان بما ينكوي به الذين خرجوا تعبيراً عن أنفسهم وحقوقهم التي ديست بأحذية الإهمال، مطالبين بتقرير مصائرهم وحياتهم ووجودهم ومستقبل أجيالهم!

مثل هذا الكلام عن الموساد وإسرائيل لا يغني شيئاً في ميزان الحقائق القائمة والواقع الماثل الذي يعرفه حتى الأطفال في رياضهم أو مع أهلهم في المعسكرات، ويعرفه التلاميذ الذين لا يجدون (حق الفطور) ويسقطون بالإغماء بين الحصص نتيجة غوائل الجوع! ويشبه حكاية إسرائيل والموساد أيضاً الكلام عن الخلايا التآمرية.. فلا يمكن أن يتفق أن ينهض الناس بـ (وجع واحد) في كل هذه المناطق الشاسعة ويكون الذي أمرهم بالنهوض من مراقدهم ومواطن كآبتهم حفنة أفراد يتآمرون (داخل خلية).. مثل هذا الكلام مرّ على الناس في أحايين سابقة ولم يغيّر شيئاً من واقع الأمر أو مجرى السيل..فليس في الأمر موساد ولا إسرائيل ولا خلايا يأتمر بأمرها ملايين الناس الذين يدركون حالهم وواقعهم بعد معايشة ليست وليدة يوم أو يومين، بل تجربة تطاولت لأكثر من ربع قرن، ولهم مطلق الحق في التعبير عن أنفسهم بالاحتجاج المدني الذي يطالب بكل ما يرد في خاطرهم بشأن الوطن، سواء من يطالب بالخبز وحده، أو بالخبز والكرامة، أو من يريد أن يتقدم ليعبرّ عن كيفية إدارة وطنه... وهل هناك مواطن لا يرجو ويأمل ويطالب بأن تكون بلاده حرة ديمقراطية لا دولة قمعية شمولية ينحصر خيرها على قلة من الناس لم يخوّل لهم الله سبحانه، ولا القانون، ولا الدستور، ولا العُرف، حق أن يجثموا على الصدور ويجعلوا من البلاد ضيعة لهم تصب فيها كل موارد البلاد ولا تخرج منها؟ هل الموساد هي التي تطالب للمواطنين بخبزهم وكرامتهم وتحديد كيان دولتهم ورغبتهم في الحرية والعدالة والاجتماعية ومحاسبة كل من يتجرأ على قهر الناس أو مصادرة أموالهم لمنفعته الخاصة؟ وأي خلية تآمرية تأمر فيمتثل لها أهل الرهد والمتمة والجنينة والمهنيين وطلاب المدارس و الجامعات!

الحق حق والباطل باطل والساكت عن الحق شيطان أخرس والسودان بلد عظيم لا تسيّر أهله الموساد، وجموع ساكنيه لا يعرفون اللغة التي تتحدث بها الموساد، وإسرائيل لا تراسل الشعوب لأنها تعرف أن لا سلطان لها عليهم.. ولكنها تجيد محادثة الحكومات وأهل السلطة ..وينبغي ألا يستغرب الناس عن تجاوب السودانيين في الملمات الكبرى.. فهذا من أبسط الدروس المطروحة على عتبة التاريخ القريب!

murtadamore@yahoo.com

 

آراء