اولاد فريق عمايا
شوقي بدري
25 April, 2009
25 April, 2009
فريق عمايا في امدرمان هو الحي المحصور بين ميدان الربيع ودكان العم الصافي. قبل الوصول الى شارع الاربعين. والحي هو عبارة عن شارعين طويلين. لانه في هذين الزقاقين سكن مجموعة من المواطونين الذين مصابين بالعمى. وكان اغلبهم يمارس مهنة التسول. وكان بعض الصبية يقود مجموعة في الصباح وكل يمسك بعصى الاعمى الذي امامه, حتى يتخذوا مواقع استراتيجية في سوق امدرمان وامام الجامع الكبير.السبب في اصابة الكثير من السودانيين بالعمى هو زبابة الانهار. واللتى تسبب ما عرف بعمى الجور. وهذه الزبابة تنشط في المناطق الرطبة وبالقرب من الانهار وفي الغابات. وتضع بيضها في عين الضحية والنتيجة هو العمى. طبعا لم يكن كل السكان من المتسولين. ففي نهاية الزقاق الاول من الجهة الجنوبية كان يسكن عمنا الجاك بخيت. وهو شخصية اسطورية فهو الذي رفع العلم في الاستقلال وكان له مجموعة من الابناء الرائعين بعضهم من كبار الضباط مثل مصطفى الجاك بخيت , وزميل الدراسة علي الجاك وحسن وحسين وآخرين. وجاره الوالد عبدالرحمن عثمان وهو خال توأم الروح رحمة الله عليه بلة. ووالد عمر (ابوشلبية) واحمد الطيب ونورالدائم (كترية) ومجموعة من اروع بنات وابناء امدرمان. وغرب دكان العم الصاوي كان منزل الإعلامي والأديب والمغني المبارك ابراهيم. وعمنا احمد ابراهيم والد اروع اهل امدرمان , صلاح احمد ابراهيم, فاطمة احمد ابراهيم, مرتضى ابراهيم , الرشيد, ومجموعة من اروع بنات وابناء السودان. وقد تطرقت كثيرا لفريق عمايا في كتاب حكاوي امدرمان . المجموعة القصصية المشبك اللتي اصدرتها قبل مجموعة من السنين. استوحيت القصة القصيرة المشبك من شقاوة اولاد فريق عمايا. خاصة اخي يوسف على الله. فعندما كان بعض العربجية يوقفون عرباتهم وحصينهم في احد ازقة فريق عمايا الضيقة. ويذهبون لإحتساء المريسة والعسلية. كان اولاد فريق عمايا ياتون بمشبك غسيل قوي ويضعونه في خصية الحصان. ولا يكرر العربجي غلطة ايقاف حصانه او العربة في فريق عمايا. في القصة القصيرة المشبك, ضكر النمل المراهق ينتقم من العربجي العملاق الذي يأتي لإحتساء العسلية ويجالس صاحبة الدار الجميلة اللتي يعجب بها ضكر النمل ويكون الإنتقام والنصر بتلك الطريقة اللتي كان يمارسها يوسف على الله والبقية في ايام الطفولة. يوسف على الله كان يكبرني قليلا. ولن تتوطد علاقتي معه مثل بقية اولاد فريق عمايا الآخرين في الاول مثل علي شلوفة وسيد ود ابونا اللذان صارا من مالكي القهاوي في السوق. وكنت اشاهد يوسف في تمارين كمال الأجسام في نادي التربية الرياضي المواجه لبوابة عبدالقيوم. وانا في نهاية في نهاية الدراسة الثانوية كنت اشاهد يوسف على الله. وهو يعمل في ترميم خور العرضى الكبير. وهذا هو الخور الوحيد الذي يجري من الجنوب الى الشمال ليلتقي بخور ابوعنجة في فريق حمد. وكل الخيران في امدرمان تجري من الغرب الى الشرق في اتجاه النيل. والخزر كان مبني من الحجر والأسمنت. في احدى الايام لاحظت ان اثنين من زملاء يوسف على الله في حالة عراك داخل الخور. وكل يقوم (بقبقبة) الآخر. ويوسف على الله يجلس على حافة الخور ويدلدل رجليه وكأنما الامر لا يهمه. فأندفعت نحوه معنفا قائلا اصحابك ديل بضاربو وانت قاعد مدلدل رجلينك. فنظر الي بنظرة فلسفية كعادته وبهدوئه الذي عرف به. وقال لي بكلمات هادئة. ياخي انا من الصباح بحجز فيهم وهم كل ما احجزم بزيدو زيادة. وهو وينو الضرب ... هسي شايف ضرب ولا دم ؟. فأبتسمت محرجا وجلست بجانبه ودلدلت رجلي. وصرنا نلتقي بطريقة مكثفة فلقد كنا نسكن بالقرب من فريق عمايا. ويوسف لم يكن من مدمني العمل كان يعمل عندما يريد ان يعمل. ويقضي معي كثيرا من الوقت في النيل والسباحة..لم يحدث ابدا ان شاهدت يوسف على الله محتدا او مسيئا الى اي إنسان. كان هادئا الى درجة البرود. وهو ما يمكن ان تسميه قديما ولد عاقل. لم نختلف ابدا إلا انه كان يصفني بأني بختف الأكل. فعندما نظبط صحن الفول (الخرصانة) كما نقول في العباسية كان يشتكي دائما بأني بختف. والمشكلة هو كان من النوع البياكل براحة. وكنت اتضايق عندما يشتكي ويقول شوقي بختف. وعادة الاكل بسرعة لم استطع التخلص منها حتى بعد ان اتيت اوروبا وبقى كلو زول يأكل في صحنو. بعض اولاد فريق عمايا كانوا يلجأوون الى القوة والتحرش بالآخرين. وانا في الثانية عشر ونحن نسكن السردارية العباسية تحت كنا في طريقنا إلى سينما العرضى لمشاهدة فلم (شين) بطولة الان لاد وجاك بالانس الخائن. شاهدت تنقو وهو من صبيان فريق عمايا الاقوياء يهاجم بهاءالدين محمد مصطفى الكمالي ويطلب منه الرجوع بطريق آخر غير طريق ميدان الربيع. إلا ان توسط له الاخ محمد بشير هاشم الذي صار ضابط صيد رحمة الله عليه ويسكن الاربعين وصديق لتنقو. بهاء الدين صار ضابطا كبيرا في البوليس لان والده كان الحاكم العسكري في اعالي النيل وياورو الرئيس عبود فيما بعد . وانتهى الامر بالاخ تنقو لان يكون من من يطاردهم بهاءالدين. فتنقو لم يحظى بأي تعليم سوى تعليم الشارع. بينما نحن في جولة في العباسية. صرخ يوسف على الله... يا شوقي ... يا شوقي.. ما تخش الزقاق ده. وعرفت فيما بعد انه والجقر كانوا في حالة فلس. فأخذهم شخص لبناء حائط بالرغم من انهم كانوا يرتدون البناطلين ويحملون طالوش ومسطرين وخيط وهذا يعني انهم بنائين وليسوا طيانة كما يقال لبنائي الجالوص. واكتشفوا ان الشغلانة عبارة عن جالوص. والعملية كانت لتق حيطة مكسورة. والرجل قد اضاع عليهم فرصة زبون الصباح. والجالوص عادة يبنى ...(روق او طوف).. وهو اعلى قليلا من الشبر ثم يواصل الانسان العمل في اليوم الآخر بعد ان يجف الطين إلا ان صاحب المنزل كان مستعجلا واصر على اكمال الشغلانة وبعد الغداء واستلام الأجر والخروج من المنزل اتى طفل جاريا وهو يصرخ....يا اوسطى ...يا اوسطى ... الحيطة وقعت. فقالوا له حا نجي بكرة ...حا نجي بكرة. وصرت عندما يشتكي يوسف على الله من ختفي للأكل اعايره بالحيطة الوقعت في يومها. واهدده بأنني سأتصل بأهل الحيطة. اخي يوسف كان قليل الكلام إلا انه رفقة حلوة. وكان عنده قناعتعه الخاصة. فعندما نقطع النيل عوما إلى توتي كان يصر على ان يبحث عن مرتفع ثم يأتي جاريا ويقفذ بقوة في الماء . وبالسؤال كان يقول لي ....عشان لو في تمساح يا وقعت فيهو لبعتو, يا خاف فات كده ولا كده... وكنت احاول اقنعه بما سمعته من اهلي الرباطاب المتخصصين في صيد التمساح, ان التمساح بسمع من بعيد اذا اي حاجة وقعت في الموية ويأتي مسرعا نحوها. ولذا يجب ان ينزل الانسان الماء بدون اصدار صوت. إلا ان تركت امدرمان لم استطع ان اقنع يوسف على الله بنظريتي. ولكم تذكرت يوسف كثيرا ...كثيرا .في الثمانينات وكما اوردت في كتاب حكاوي امدرمان, كنت في رفقة اثنين من الأفندية. وانتظرتهم في السيارة عندما دخلوا في احد ازقة فريق عمايا. ثم شاهدتهم يتراجعون تراجعا غير استراتيجي. وكان في اعقابهم شاب تبدو عليه القوة بطريقة واضحة وهو في حالة غضب. وقبل ان استوعب الموقف تقدم مني الشاب وحياني بأدب ثم سأل الافندية ديل معاك يا شوقي. وبالسؤال عرفني بنفسه كمصطفى عندما استفسرت مصطفى منو ياخ ان مصطفى اخو صاحبك يوسف على الله. فتذكرت مصطفى عندما كان طفلا صغيرا وكان انفه جاريا في اغلب الوقت وانتهى الأمر بسلام. وانا اتسقط اخبار صديقي يوسف على الله. عرفت ان مصطفى قد اصاب حظا في الدنيا وتزوج ابنة الخالة الرضية سعد شقيقة الضابط محمد نور سعد الذي اعدمه نميري. وزوجها كمال جابر فني الصوت في الاذاعة قديما. والرضية كانت في حي السردارية ومن معارف والدتي. وكانت رئيسة الفتيات الذين عرفوا بكورس الإذاعة في الخمسينات.عصمت شقيق يوسف كان من الشيالين مع الفنان ابوعبيدة. ثم صار يغني لوحده . اولاد على الله كانوا عصبة وهم مجموعة كبيرة وكان اهل العباسية يتفادون الإصطدام بهم. وصاروا يحمون حفلات الحي والأحياء المجاورة. شقسقي العميد بابكر ابراهيم بدري التصق بأولاد فريق عمايا. وكان يلتقيهم كلما يرجع للسودان من السويد وكان يحكي لي ان كثير من ابناء عمايا قد صاروا بنائين ومنهم صديقه الضقيل واشقاؤه يحي واحمد.بعد ان انتقلنا الى فريق الشيخ دفع الله, اتى يوسف على الله لكي يصلح الكوبري الصغير امام منزل ام عفاف. وبعض اهل الحي كانوا يحاولون مضايقة ام عفاف لكي ترحل من الحي. ويبدو ان البعض قد تحرش بيوسف على الله بالرغم من انه فقط كان يقوم بعملية بناء. ويبدوا ان اخي يوسف ابراهيم بدري قد اقترب منهم كثيرا من الكوبري بدراجته. فغضب يوسف على الله فطلب منهم مراعاة ان الاسمنت لا يزال لينا. وانتهى الامر بمواجهة. وعندما تدخل شقيقي بابكر عرفه يوسف على الله. وقال له مباشرة انتو اخوان شوقي. وكان قد مرت فترة منذ انتقالهم من العباسية فوق الا ان علاقة اهل امدرمان لا تموت ...لك التحية اخي يوسف على الله لقد كنت من خيرة الأخوان.. انا ما كنت بختف ....انت كنت بتاكل براحة...... سامع...
التحية
شوقي...
shawgibadri@hotmail.com