الحوار مع ماجدة عدلان فى صحيفة الديمقراطى يم 29 ديسمبر 2020 عدد 88.
بروف عطا البطحاني الخبير السياسي في افادات لاول مرة بالديموقواطي:
*تركة الفشل في الانتقالات السابقة هو ما يشكل التحدي الاكبر الان.
*نعم هناك تحديات عديدة تواجه الانتقال في المرحلة الانتقالية الحالية.
*الاثر التراكمي لفشل الانتقالات السابقة خلق تركة سلبية ثقيلة ذات وزن نوعي غير مسبوق.
*هذه اسباب فشل تجربة (الانقاذ) السياسية.
*هناك تكلفة للاصلاح الاقتصادي يجب تسديدها بالتساوي..
* الثوره تمثل هزيمه اخلاقيه للمشروع الحضاري.
*الحركة الإسلامية بمسمياتها المتعددة قادرة على ان تكون فاعلة وفق تقلبات موازين القوى.
س1: الملاحظ انه منذ الاستقلال مرت البلاد بعد من مراحل الانتقال ولكنها لم تحقق اهدافها – لماذ؟
ج: فعلا منذ استقلال البلاد كان امام الحركة الوطنية عددا من المهام التاسيسية شملت استكمال تشكيل الامة فى اطار الهوية السودانية الجامعة، وبناء مؤسسات دولة المواطنة والقانون و انجاز التنمية الاقتصادية المستقلة وانتهاج سياسة خارجية تعزز المصلحة القومية والسلام.
يحمد للحكومة الوطنية تحقيق جلاء القوات الاجنبية والاستقلال السياسى، ولكنها لم تنجز ما يعتد به فى الاجندة المتبقية. وعلى اثر ذلك تفجر الصراع مع الجنوب وضرب فيروس التشرزم الطبقة السياسية وانكبت القيادات على الصراعات الحزبية الضيقة. وتكرر ذات السيناريو بعد أكتوبر 1964 وأبريل 1985 اِذ سارت القوى السياسية على المنوال بالانتقال سريعا الى الانتخابات متجاهلة قضية النزاعات الاهلية والتحول الديمقراطى والتنمية المستقلة والمتوازنة.
اسباب عدة تصلح لتفسير هذا الفشل، منها ما أراه عاملا ذو طبيعة بنيوية فى الحياة السياسية في السودان، سمته “عدم الحسم القاطع” لميزان القوة لصالح المشروع الوطنى المستقل. ويبدو أن تأرجح ميزان القوى المصاحب لفترات الإنتقال (مع ضعف الحكومات التى تعقب الانتقال) لا يميل الى حسم دورة الصراع السياسى. هذا العامل ساهم مع عوامل أخرى، في فشل فترات الإنتقال، وعجز الحكومات الإنتقالية عن تحقيق المهام المطروحة والمنوط بأنظمة الإنتقال تحقيقها (وحدة الوطن، الدولة المدنية العصرية، التنمية الاقتصادية). فتؤجل المهام لفترات قادمة، وتزداد مهام “الإنتقال” صعوبة بقيام الأنظمة العسكرية بتصفية القوى الوطنية والديموقراطية في كل مرة تعتلي فيها كراسي السلطة. حيث يبز كل نظام عسكري في هذا المجال من سبقوه، فيتآكل الرصيد التراكمي للانتقال السلس (تتعمق النزاعات، وتضعف الثقافة الديمقراطية – المدنية)، وبالتالي تتعاظم المهام وتقصر القامة.
س2: ما هى أهم التحديات التى تقف عقبة امام الانتقال السلس فى المرحلة الحالية بعد ابريل 2019؟
ج: لاحظى اننا نتحدث عن الانتقال – لأن هناك من يرى ان ما حدث بعد هديسمبر 2018 هو ثورة، واخرين يرونه اِنقلاب اللجنة العسكرية – الامنية لقطع الطريق على التغيير الحقيقى. وما دام نتحدث عن الانتقال، فيمكن مقارنة ما يجرى الان بما جرى فى الانتقالات السابقة. أبدأ من حيث انتهت الفقرة السابقة ” تآكل الرصيد التراكمي للانتقال السلس”. هذه المرة ليس تآكلاً فقط بل تجريف بالكامل لرصيد الانتقال السلس.
س3: هل تركة الفشل فى الانتقالات السابقة وفى المرحلتين هو ما يشكل التحدى الاكبر القائم الان?
ج: تحديات عديدة تواجه الانتقال السلس للمرحلة الانتقالية الحالية يكفى التذكير باننا قد مررنا باكثر من تجربة انتهت الى الفشل وأوصلتنا الى وضع نوصف فيه “متلازمة السودان” الى اِشارة الى القيام بانتفاضات وثورات ناحجة ومراحل انتقال فاشلة.
تشخيص طبيعة التحديات تعتمد على المدخل التحليلى لكل من يريد النظر فى الوضع الراهن. أدفع بالقول ان الفشل يعزى لفشل الطبقة السياسية الحاكمة وتحديدا لكتلة القوى المسيطرة تاريخيا فى البلاد (مدنية، وعسكرية) وعجزها عن فك شفرة العجز التاريخى للانتقال لتنزيل المشروع الوطنى بدءا من انتقال الاستقلال فى اوائل خمسينيات القرن الماضى، الى أكتوبر 1964، أبريل 1985 (ويمكن ايضا الاشارة الى انتقال 2005-2011) وصلا الى الانتقال الحالى (ابريل 2019- ؟؟؟).
للتوضيح أكثر يمكن تقسيم فترة ما بعد الاستقلال الى مرحلتين أو حقبتين كبيرتين: مرحلة أولى من 1956 الى 1989 ومرحلة ثانية من 1989 الى 2019. وعلى الرغم من التداخل بين المرحلتين، ألا أن كل مرحلة لها ما يميزها عن الاخرى. فالمرحلة الاولى وبالرغم من تعدد النظم التى حكمت خلالها من مدنية وعسكرية، وبالرغم من الطابع الايديولوجى لبعضها، الا انها لم تذهب بعيدا فى هندسة النسيج الاجتماعى – السياسى، ربما لم تاخذ الوقت الكافى، أوربما لم تجد حاضنة اجتماعية توفر لها راس المال السياسى والدعم اللازم لتطبيق برنامجها. الجبهة الاسلامية القومية هى الوحيدة من بين القوى السياسية التى وجدت الفرصة لتجاوز ظاهرة “عدم الحسم القاطع” لميزان القوة بالاستيلاء عنوة على السلطة والاهم تأمينها لفترة امتدت لثلاث عقود لتحكم سواء بمفردها وبصورة مطلقة فى العشرية الاولى أو عبر تحالفات (هى المتحكمة فيها) مع الحركة الشعبية وغيرها من الحركات فى العشريتين الاخيرتين، كل ذلك بغرض تنزيل مشروعها (المغاير لمتطلبات المشروع الوطنى).
اريد القول ان اِنتقالات المرحلة الاولى لما بعد الاستقلال تختلف عن انتقالات المرحلة الثانية. وفى تقديرى أجندة انتقالات المرحلة الاولى تمثلت فى الحكم الذاتى او الفيدرالى، والتحول الديمقراطى والتنمية المستقلة والمتوازنة. بالطبع بعد كل فشل مرحلة انتقال تزداد وتتراكم الصعاب والتحديات للانتقال الذى يليه كما ذكرنا أعلاه. ورغم ثبات الاجندة عموما، الا أن هناك ما يشىء بتغيير ذو فارق نوعى فى طرح الاجندة فى المرحلة الثانية لما بعد الاستقلال، اذ برزت قضايا تقرير المصير، والعلمانية و فصل الدين عن الدولة والحديث عن دولة العدالة الاجتماعية بصورة أكثر وضوحا واصرارا عما كانت عليه الحال فى المرحلة الاولى.
الان ونحن فى المرحلة الثالثة لما بعد الاستقلال (2019) تشكل تركة حكم الانقاذ الخلفية والارضية التى تجرى فيها وعليها ديناميات عملية الانتقال منذ أبريل 2019 – ولكن طبيعة حكم الجبهة القومية الاسلامية فى مرحلة الثانية ما بين 1989 حتى أبريل 2019 والاثر التراكمى لفشل انتقال اتفاقية السلام 2005-2011 خلّف تركة سلبية ثقيلة ذات وزن نوعى غير مسبوق ربما يكون اكبر من الطاقة والكفاءة التنفيذية والارادة السياسية للتحالف المدنى – العسكرى الذى كلِف بالقيادة اِثر نجاح ثورة ديسمبر 2018.
س4: اذن ربما كانت هنالك آثار للعهد البائد (التركة الثقيلة) وربما كان الاقتصاد هو العنصر الاول الاكثر بروزا – هل هذا صحيح؟
ج: هذا صحيح الى حد كبير، أعتقد بان هذه المرة الاولى فى مراحل الانتقال التى يعتلى الاقتصاد فيها المرتبة الاولى كأهم عنصر من عناصر التركة الثقيلة للانقاذ. ذلك لانه جمع فى ثناياه بقية عناصر الانتقال من تحول ديمقراطى الى انهاء الحرب وتحقيق السلام. الاقتصاد الان هو “كعب أخيل” المرحلة الانتقالية. ويرجع هذا للطبيعة (الكليبتوقراسية) لنظام الانقاذ – أى استخراج الموارد الطبيعية بقوة السلاح واكتنازها او تخزينها فى أرصدة فى الخارج. ولا يهم ان جرى ذلك تحت مسوغات الاقتصاد الاسلامى او التحرير الاقتصادى، فالنتيجة البارزة هى “اِستنزاف الموارد الطبيعية واِهمال وتشريد الموارد البشرية”.
ولتوضيح ذلك – نسأل: الان بعد توقيع اِتفاقية جوبا هو من يمول عمليات تنزيل السلام على الارض؟ وتمويل اِعادة البناء والاعمار؟ ومن اين للدولة الوفاء بدفع استحقاقات العاملين والمهنيين؟ وكيف ومن أين للحكومة الانتقالية تخفيف عباء المعيشة وهى غارقة فى الديون ومكبلة بمستويات غير مسبوقة من التضخم وتعمل فى اطار جهاز خدمة مدنية مترهل ويعانى من اثار التمكين.
س5:هل هنالك دول تشابه هذه التجارب السياسية في العصر الحديث?
ج: الانظمة الديكتاتورية فى كويا الجنوبية، وفى امريكا الجنوبية، بل حتى النظام العنصرى فى جنوب افريقيا حكمتها انظمة قمعية وديكتاتورية ولكنها مع ذلك فإن التركة التى خلفتها ساعدت الى حد كبير فى الانتقال الديمقراطى. ذلك أن النخبة الحاكمة وصلت لقناعة استحالة استمرار النظام بصورته القديمة، فانبثقت قيادات اصلاحية من داخل النظام وحتى هذه القيادات الاصلاحية انما هى نتاج للتحول الاجتماعى الناتج من نمط التنمية اثناء الحكم الديكتاتوى الذى ادى الى تغيير نوعى فى تركيبة المجتمع، ما عاد المجتمع هو ذات المجتمع عندما قامت هذه النظم: تصنيع، بنية تحتية، شبكة مواصلات واتصالات، نمو متسع لطبقة العمال والمهنيين والفنيين والحرفيين، طبقة وسطى، مدن، نهضة مادية-اقتصادية، غزو فضاء، مؤسسات دولة وبنيات تحتية للحكم، هى نتاج حكمها. اِضافةً الى ان التنمية حققت هدفا اخر لا يقل اهمية عن ذلك وهو الحفاظ على الوحدة العضوية للمجتمع بربط مكونات واقاليم البلاد معا.
بالطبع ليس المجال هنا مجال مقارنة بين ما حدث فى هذه البلدان، وما حدث ويحدث فى السودان.
س:6 الى ماذا يرجع فشل تجربة (الانقاذ) السياسية والمجتمعية؟
0 تعليقات