بين الهامش والصراع: دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق على مفترق طرق السلام (10-10)
lualdengchol72@gmail.com
بقلم: لوال كوال لوال
حين نصل إلى خاتمة هذه السلسلة، يصبح واضحاً أن دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ليست مجرد مناطق نزاع، بل هي مؤشرات حية على تحديات الدولة السودانية نفسها. الصراعات التي استمرت لعقود، والانقسامات التي عمّقت الجروح، لم تنشأ من فراغ، بل هي نتيجة تراكم السياسات التاريخية، بدءاً من الاستعمار البريطاني الذي أسس لمفهوم “الهامش”، مروراً بالخرطوم التي كرست هذا الهامش عبر سياسات التهميش والإقصاء، وصولاً إلى الحروب والصراعات الحديثة التي أعادت إنتاج نفس الدوامة المفرغة. لكن الخاتمة ليست مجرد استعراض للمأساة، بل هي أيضاً دعوة للتفكير في الإمكانات الهائلة التي يمكن أن تحوّل هذه المناطق من ساحات صراع إلى محركات للتنمية والسلام. فدارفور، رغم كل ما أصابها من ويلات الحرب، تمتلك أراضٍ زراعية واسعة وغنى حيواني هائل. وجبال النوبة، بما فيها من معادن وموارد زراعية، قادرة على أن تصبح قلباً اقتصادياً نابضاً إذا ما استُثمرت الموارد بطرق عادلة ومنصفة. أما النيل الأزرق، فغناه المائي والزراعي يجعل منه سلة غذاء كبرى يمكن أن تسهم في الأمن الغذائي للسودان كله. الدرس الأهم الذي تفرضه هذه المناطق هو أن التنمية والعدالة لا يمكن فصلهما عن السلام. أي محاولة لإعادة بناء السودان بدون معالجة جذور التهميش والإقصاء ستكون بلا جدوى. المواطن الذي يشعر بالغبن والفقدان لا يمكن أن يكون شريكاً في السلام، وأي اتفاق سلام لا يضمن العدالة والحقوق الحقيقية للسكان المحليين سيظل هشاً وقابلاً للانهيار. لذلك، يشكل مشروع العدالة الانتقالية، والتنمية المتوازنة، والمصالحة المحلية، وإعادة دمج المجتمعات، ركائز أساسية لأي رؤية شاملة لمستقبل السودان. الخرطوم، بوصفها المركز السياسي والإداري، تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة في هذه العملية. لا يكفي أن تكون العاصمة مجرد مكان للسلطة، بل يجب أن تتحول إلى منصة للشراكة الوطنية، تعكس التنوع السوداني وتضمن مشاركة جميع الأطراف في صنع القرار وتوزيع الموارد. وهذا التحول لا يحتاج فقط إلى إرادة سياسية، بل أيضاً إلى ثقافة جديدة للسلطة تتجاوز منطق الهيمنة إلى منطق الشراكة. المستقبل السوداني يعتمد كذلك على إدراك الدور الإقليمي والدولي في دعم السلام والتنمية. فالسودان يقع في قلب منطقة حيوية جغرافياً واستراتيجياً، وعلاقاته مع الدول المجاورة يمكن أن تكون فرصة لدعم الاقتصاد والبنية التحتية والمشاريع التنموية، إذا ما ترافقت هذه العلاقات مع سياسة وطنية واضحة تضع مصالح المواطن في المقام الأول. أخيراً، يمكن القول إن صراعات دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ليست بلا نهاية، إذا توافرت الإرادة السياسية الحقيقية، والإرادة الوطنية لتعميق العدالة، والإرادة المجتمعية لإعادة بناء الثقة، والإرادة الدولية لدعم التنمية والسلام. هذه المناطق تحمل في طياتها درساً حيوياً لكل السودان: أن الهامش لا يمكن أن يُهمل، وأن الاستقرار والتنمية لا يمكن أن يتحققا إلا بالاعتراف الكامل بحقوق الجميع. السودان أمام خيار: إما أن يستمر في إعادة إنتاج الماضي المأساوي، ليبقى كل إقليم وأهله أسير دائرة الصراع، أو أن يتحول إلى دولة شاملة، تُعيد تعريف المواطنة والعدالة والتنمية، وتحوّل مناطق النزاع من بؤر حرب إلى محركات للسلام والازدهار. وفي هذا الخيار تكمن فرصة السودان الحقيقية لإعادة بناء نفسه على أسس سليمة ومتوازنة، لتصبح الحكاية كلها درساً مستفاداً، لا لعنة مستمرة. بهذا نغلق حلقات السلسلة، وقد قدمنا رؤية متكاملة تربط بين التاريخ، والسياسة، والاقتصاد، والثقافة، والصراع، والتنمية، لتظهر أمامنا صورة السودان بكل تعقيداته وأمله في التحول.
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم