بين عوالم مصطفي سعيد ومحمود بين موسم الهجرة للشمال والطليعي الاسود

 


 

 

 

 

(النص قراءة في عوالم ادوارد عطيه والطيب صالح) بين الشرق والغرب تكمن حياة ويتجلي السرد الابداعي الذي يصور واقع النخبه التي ادارت شئون البلد في مرحلة مفصلية..
فالرواية هي فن تجسيد الالم والحزن والفرح والنشوة ان تقع بين المتناقض بمحض اختياراتك وتعيش عوالمك الشتي بيسر تتنقل بين المعقول والا معقول..
فمحمود الطليعي الاسود شاب ذكي وطموح وخياله وافقه واسع يتعلم الفلسفة ويقرا لديكارات ويعشق الموسيقي ويرتاح لبيتهوفن ويطالع الكتب تطلعاته لبيرالية منفتحة وافكاره تشوبها الاشتراكيه .. لكنه ايها السادة نخلة مزروعة بالقرب من النيل وقربه ماء باردة ملعقة في رواكيب الحيشان سوداني الهوي يري في قيمه الجميل وياخذها الي قاعات اكسفورد وامسيات لندن يحاور الانجليز كانه منهم لكنه انجليزي اسود تجري في عروقه مياه النيل وتلفحه سموم الصحراء وهو متصالح في نفسه يري الاشياء بوضوح ويزرع افكاره بتؤده غريبه..
اما مصطفي سعيد يكاد يكون محمودفي حياته او نسخة منه تشبع بالثقافة الانجليزية واغري الجميلات برواياته عن النيل والتماسيح والاسود التي تتجول في الشوارع لكنه مدرك ان الانجليز استعمروا بلده ويسعي للتحرر والانعتاق سلاحه بيولوجي بحت فقط يهتم بالجميلات ويسوقهن الي غرفته في وسط لندن والتي تبدو كقرية في فيافي السودان يمتعهن بالسرد عن المثيولوجيا السودانية ويحكي عن غرائب يمارس جرائمه التي يري ان من دفعه اليها هو الاستعمار ويعاشرهن في حنق يري في مخدعه محكمة لجرائم الاحتلال..
لكن ان عدنا لمحمود فهو فلم ينساق وراء الشقروات ولم يدخل في ازمه الجنس كانت عقدته لونه البني ولكن عقله الابيض الغربي كان كسكين في قالب زبده يقطع في سرعة ويحلل حتي يغري الجميلات من دون ان يلقي لهن بال يتركهن يتعذبن في التقرب اليه وما ان تصله غادة شقراء يهرب للخلف يتذكر شلوخ امه وعمامة ابيه ..فجاة عنده تطفا انوار المسرح ويهرب لعالمه الذي اتي منه..
كلاهما يجسدان روح الغرب وجسد الشرق كلاهما يعيش التناقض ويسرف التهويم كلاهما هارب من لعنه العلم والحضارة والتخلف والانحطاط كلاهما مبدع لكن لهم مهارب وكهوف يلتجئ اليها في ذروة انفعاله...
محمود طليعي مثقف هضم كل ما حوله واتاحت له الفرص ان ينال ارقي درجات التعليم وان ينظر في اعقد القضايا .. لكنه يا سادة هويته المزدوجه سبب عذابه ووفاته وسعادته وحزنه لانه حينما يتامل الاشياء ينفذ الي ابعادها يري في لندن ام العلوم ومهرب المعارف لكن لهذا المهرب نهاية في فكره لكنه ضال ولم يرسم نهايه ما بين جميلات اكسفورد وبنت عمه بدرية.. في غمرة اندماجه يصله خطاب من ابوه يحول المشهد مات عمك وزوجناك ابنته بدرية وهو كان في غمرة انفعاله مع الموسيقي والادب والحرية وحق الاختيار.. فجاة يظلم المسرح بعد كل هذا الرقي والتحضر يتزوج زواج تقليدي.. دون ارادته وبل لا يستشار فيه ولا يتذكر عن بدرية الا انها طفله ذات ساقين تجري ولا يملك صورة لها.. كيف يحدث هذا واين ما تلقفه من معارف وعن الحب والعلاقات .. لكنه يستسلم هكذا تزوج ابي امي وعاشا في سعادة غامرة ومثلهم الجميع في بلاده .. يستسلم وعقله يرفض ويناقش تلك الصور ويهرب لواقعه..
مصطفي سعيد هاجر للشمال ومتع جسده بالشقروات حتي اكتفي وادرك في لحظه ان مافيه من حال ليس هو الحل بل عليه ان يكشف الحل فهرب لقرية في الشمال وبني منزل وامتلك مزرعة وعاش تربال .. لكن عالم جين مور وسيمور وجميلات لندن يسافر معه فيحتفظ بالكتب الانجليزية من شعر وروايه وادب بل لسانه لا ينكر شكسبير وعقله يحاور نيتشه في حواشتة وصور الهايد بارك يتمثلها وهو يطالع اشجار النخيل والدوم والسنط .. يذكر التاميز وهو يسبح في النيل .. ومناظرات لندن وهايد بارك وهو يحاور اهل القرية .. جميلات انجلترا في باله وهو يستمع لبت المجذوب المسترجله وهي تدخن وتحكي مغامراتها مع الرجال او حين يركب القطار من محطة الي محطة ويري نبل الانجليز وذوقهم واحترامهم لبعض يتذكر بل يري كيف ان الناس هنا بسطاء يتعاونون في الافراح والاتراح ويجلسون للسمر في امسيات القرية ويسمع الصبيه يهتفون شليل وينو..
كلها عوالم حيه تزحف في حياة موسم الهجرة للشمال والطليعي الاسود.. تحكي بصدق عن النخبه التي صنعها الاستعمار وصاروا ساسة وهكذا تمور في عوالمهم الخمر والنساء والانحلال والتدين والالتزام ..

كلاهما من الذين نالوا اعلي الشهادات في الغرب وخدموا في مؤسساته تدينوا بروحه الصارمة واصبحوا كفاءات لكنهم فشلوا في اول امتحان في بلادهم لانهم لم يحملوا معهم تطلعات شعبهم ولا قيمه ولا رؤاه في الاقتصاد والسياسه .. كلاهما كان يتطلع الي ان يصل اعلي الوظائف والدرجات وان ينقلوا البسطاء لفكرهم لكن مصطفي سعيد صدم فهرب لقرية في الشمال ومحمود لم يستطع ان يواكب مجتمعه فهرب ومات.... ازمة الابطال في في هذه القصص ادراكهم العميق ان العلم والشهادات وحدها لا تكفي بل ان ادراك محركات الفعل الاجتماعي وحاجة البسطاء لا توفرها اكسفورد وان وصلوا اعلي المناصب فهم سيفشلون لانهم صنعوا صناعة غربية ليست تحمل روحا سودانية
لذلك حالنا لم يخرج من هذه العوالم والتناقضات.. تحكي الروايه قصص ابطال لكنها في الواقع تجسد عوالم السياسة عندنا وكيف تدار امورنا بين فكرتي المركز والهامش بين التطلع للافق الغربي والانعتاق من كل القيود وبين تمسكنا بقيمنا..
ادوراد عطيه والطيب صالح والشرق والغرب والبار والاندايه والحرية والالتزام والنيل والتاميز والقرية المدينة والفكرة وتسقط بس..
لانزال في منطقة التنازع فلا ابطالنا في الرواتين وصلا للعوالم المنشودة ولا نحن في عالمنا في راحه.. نحتاج عقل مستنير وقلب وطني لا غريب لم يخرج من نظريات الغرب ...
ولا يخفي علي القارئ الكريم ان الروايه تجسد اوضاع المجتمعات لانها تراكيب وصور بنيت في عقل الكاتب وتصورات يتطلع لها ويبني الكاتب عليها روايته والروايه التي تتوفر فيها تلك الشروط تصبح اقرب للواقعية وتمس شغاف القلوب ..هذا والله اعلم

boshker100@gmail.com
//////////////////

 

آراء