تحديات الولاة الجدد

 


 

 


أولى مراحل التحول نحو الحكم المدني بدأ بتعيين الولاة الجدد الذين يضمون في صفهم إمرأتين، فبعد أن أدوا القسم في ذلك اليوم المشهود يكون العسكر قد أخلوا مقاعد الحكم الولائي للمدنيين، الذين قبلوا التحدي الذي يختلف كماً ونوعاً وكيفاً من ولاية لأخرى، فولايات الغرب تغلب عليها التحديات الأمنية بحكم ارتباطها بقضايا الحروب والصراعات الأهلية التي اندلعت بها منذ حين، أما ولايات الوسط والشمال فالمشكلات التنموية هي التي تتصدر المشهد، وشرق السودان تتجاذبه المعضلات المتعلقة بالهوية والعوامل الجيوسياسية، فكل ولاية لها مشكلاتها التي تختلف عن الأخرى، لذلك تعرضت الآلية التي اعتمد عليها حمدوك في اختيار الولاة لانتقادات واسعة من طيف كبير من القوى السياسية، لأنه وبحسب رأي بعض المراقبين أن العملية صاحبها سوء في تقدير اختيار ولاة ولايات كسلا وجنوب دارفور ونهر النيل والشمالية.
ألجدل والغبار الكثيف الذي أثير حول اختيار واليتين من شريحة النساء لا مبرر له، فهتافات الثورة والشعارات المطالبة بإزاحة الستار عن التمييز ضد النساء، والدعوات الرائجة والمطالبة بالعودة لزمان الميارم والكنداكات لابد لحماة ركب الثورة الديسمبرية أن يعملوا على تلبيتها، فمن البديهي أن تتقلد نساء السودان المناصب العليا بحكم حتميات حقائق التاريخ النوبي والكوشي المؤيدة لسبقهن الحضاري مقابل كسب صنوهن الرجل عبر تاريخ الممالك التي سادت على ضفتي النيل العظيم، وحناجر الشباب الذين بحت اصواتهم أمام بوابة مؤسسة الجيش يوم التقى الجمعان، وهم يعلون من شأن الميارم والكنداكات وينفضون عنهن الغبار الذي علق بهن زماناً، ما كان صياحاً يفترى وإنما ضرورة أملتها السطوة الذكورية المستحوذة على نصيب المرأة في مقاعد القصور الرئاسية منذ أول يوم لولادة الدولة السودانية الحديثة.
الإقليم الشرقي به نزاعات إزدواجية الانتماء السوداني/الأرتري، والتي وصلت أعلى مستوى لها من التمظهر في رفض بعض مكونات ولاية كسلا للوالي الذي جاءت به منظومة الأنتقال الحمدوكية، ومن غرابة مشهد مظاهرات واحتجاجات الرافضين لولاية الوالي الجديد، أن من بينهم مواطنين يتبعون في الأساس لأقليم جبال النوبة، والمعلوم تاريخياً أن آصرة الأرحام بين مواطني شرق السودان وأشقائهم في الجارة والشقيقة أرتريا هي الأقوى والأولى، فلماذا لا يتقبل بعض من أهالي كسلا واقع التداخل السكاني الذي لا يعتبر منقصة في حق المواطن الكسلاوي بأي حال من الأحوال، لم لا يعتبرون هذا التجانس والتنوع مصدراً للثراء والتوادد والتراحم بين شعوب المنطقة التي تعتبر في الأساس ذات جذر واحد وأصل ثابت لولا خبث الطليان ودهاء الأنجليز.
ألوالي الذي عُيّن لأدارة دفة حكم ولاية جنوب دارفور موسى مهدي، عصفت حوله رياح وأعاصير التشكيك والتخوين والنسب إلى النظام البائد، وهو في الواقع ينتمي إلى حزب الأمة، فإذا كان هنالك لوم فليلام حزبه الذي يعتبر أحد أركان الحاضنة السياسية الراعية للمنظومة الإنتقالية، أما شغله للوظيفة العامة في عهد البشير واعتبار أن ذلك منقصة، فدونكم السفيران عمر مانيس وياسر محمد علي الذي تم تعيينه مع قائمة السفراء الجدد المتزامن إعلانها مع إعلان تعيين الولاة، وهما أيضاً قد أتيا من صميم دواليب عمل النظام البائد، مع سياسات (قحت) إنهارت فزّاعة التخوين المبني على أساس عمل المواطن تحت مظلة مؤسسات المنظومة البائدة، فكم من الإنقاذيين الذين احتوتهم (قحت) وباركت وجودهم داخل سفينة الأنتقال، فكما قبلت (قحت) بزعيم حزب الأمة الذي كان له رأي واضح في الحراك الشعبي التلقائي الذي هزم الدكتاتور منذ بدايات انطلاقته، على المعترضين على تعيين الوالي الجديد أن يقبلوا بواقع حال سياسات الحاضنة السياسية للحكومة الأنتقالية (قحت) .
ألولاة المعينون بالولايات الغربية مواجهون بالمشكلة الأمنية التي أرّقت وأعيت من يداويها، فبحكم أنهم يمثلون مرحلة الأنتقال وفترة ما قبل السلام، تقع على عاتقهم واجبات وضرورات ملحة سيما وأنهم جاءوا من صلب هذه الولايات التي عيّنوا فيها، لذا يكون من أبسط المهام التي تنتظرهم وقف سيل الدماء الآدمية المنجرفة على الأرض التي ولوا عليها، ووضع حد للموت المجاني الذي مازال يغشى الأهالي لأيام وليالي، فالمهمة صعيبة وعظيمة لمن يقبل بأن يكون على رأس هرم إدارة هذه الولايات الملتهبة والمشتعلة أراضيها بنيران الفتنة القبيلة والانحيازات الأثنية والعرقية، ولابد للولاة القائمين على أمرها أن يكونوا (جمال شيل) يتحملون عبء المسئوليات الإنسانية الجسام، بالتفرغ التام لتحقيق الأمن وطمأنة السكان من الخوف، ثم الإتجاه نحو إطعام الناس ببسط سبل إنهاء ما تبقى من الموسم الزراعي لهذا الخريف بالنجاح والتوفيق المطلوبين.
ألولايات هي الأركان والأعمدة الراكزة التي تشد بنيان الدولة السودانية بعضه بعضا وتظهر عظمته المدفونة، فهل تسهم الواليات والولاة الجدد في وضع اللبنات والأسس السليمة لعملية الإنتقال السلسل للمدنية المتكاملة والكاملة الدسم؟، أم أننا سنساق مجدداً وراء شماعة الدولة العميقة التي ظل يتحاجج بها بعض وزراء الإنتقال الهاربين من تحمل مسئولياتهم التاريخية؟، على أي حال، سيمثل نجاح الولاة المدنيين قيمة مضافة لدعاة الحكم المدني وتجسير لطموح العسكر في الرهان على الإنقلابات العسكرية، ويدحض الفرية التي سوقوها للمواطن بأن فشل (الملكية) في إدارة شئون البلاد أمر مفروغ منه ولا جدال حوله.

إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com

 

آراء