تحرش وايحاءات وتلميحات

 


 

 

 

أوردت صحيفة (الجريدة) أمس، خبراً عن تعرض طالبة بالمرحلة الثانوية للتحرش من أحد أساتذتها، فتصدت له هذه الطالبة الكنداكة وفضحته وكشفته للجميع بنشرها لبوست عن محاولته الدنيئة معها ومع غيرها من زميلات أخريات بمواقع التواصل الاجتماعي، كما وقفت بقوة في وجه ادارة مدرستها التي خيرتها بين أن تحذف ما كتبته وتعتذر لأستاذها المتحرش أو أن تفصل من المدرسة، فاختارت باباء وشمم الحرائر تفضيل خيار الفصل على الاعتذار لهذا الوحش..ويعيد هذا الخبر المؤسف الى الواجهة قصص التحرش التي لم تنفك النساء من التعرض له، سواء كان ذلك بمؤسسات العمل أو دور العلم أو في المواصلات وأماكن التجمعات، وأذكر في هذا الخصوص على سبيل المثال، أن مدير جامعة الخرطوم كان قد شكل لجنة تحقيق لأحد الأساتذة لاتهام ست طالبات له بالتحرش بهن ومحاولة ابتزازهن، وشخصياً كنت قد وقفت قبل عدة سنوات على قضية تحرش مؤسفة مماثلة كانت ساحتها ذات جامعة الخرطوم، كان ذلك حين زارتني بمكتبي بصحيفة الصحافة التي كنت أعمل بها وقتها عدد من طالبات هذه الجامعة، وشكين لي مُرّ الشكوى من المضايقات والإيحاءات والتلميحات الجنسية التي تكررت من أحد اساتذتهن إزائهن..

المهم الآن بعد أن تكررت حوادث التحرش بصورة لافتة وخاصة في دور العلم، أن يتم كشف هويات هؤلاء اللعوبين المستهترين عديمي الأخلاق والضمائر، حتى تنتبه إدارات الجامعات والمدارس ولتعلم بأنها ليست سوحاً للقديسين والملائكة، ومن الجائز جداً بطبيعة البشر أن يكون بين صفوف أساتذتها ذئاب وثعالب تتخفى تحت مسوح الدين، وتلبس قناع الواعظين، وتتدثر بروب العلماء، وربما يكونون قد نجحوا في الإيقاع ببعض الضعيفات، فلا أحد يعلم على وجه الدقة ما إذا كانت مثل هذه التحرشات فردية ومعزولة، أم أنها منتشرة ومستشرية؟، ولكن ضحاياها آثرن التكتم والستر، وقد لاحظت ذلك من الخوف والتردد الذي اعترى من اتصلن بي، خوفاً على سمعتهن أولاً ومصيرهن التعليمي ثانياً، وقد تأكد لي ذلك بعد أن عرفت ممن زارني من طالبات أن الخوف على السمعة والمصير التعليمي، هو السبب الذي منعهن من رفع الأمر إلى عمادة الكلية أو الإدارة، خاصة أن التحرش والابتزاز يتخذان أشكالاً وأساليب وصوراً يصعب إثباتها، سواء كانت كلمات أو حركات غالباً ما تأتي في صورة تلميحات وإيحاءات حمّالة أوجه، يمكن أن يلتبس فهمها وتفسيرها وتُحمل على حسن الظن والنية، كما أن التحرش عادة يقع في خلوة، إذ من الطبيعي أن تذهب طالبة لأستاذها في مكتبه، لشأن أكاديمي أو حتى غير أكاديمي، أو أن يستدعيها هو إلى مكتبه، وفي هذه الحالة تؤثر الطالبة لعق جراحها والتكتم على الأمر، فذلك يبدو مناسباً لها أكثر من إثارته، وعموماً هذه قضية مهما كان حجمها ــــ كبيراً أو صغيراً ــــ يجدر الانتباه لها، خاصةً في دور العلم التي لا ينبغي أن يقتصر دورها على تقديم العلم وحسب، بل قبل ذلك لا بد أن تقدم القدوة والأخلاق.
الجريدة

 

آراء