تخريمات و تبريمات على الطآئر 

 


 

فيصل بسمة
8 October, 2021

 

سلام

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

الشاعر و الطاغية:

في العالم الأعرابي يلقي الشاعر الثآئر اليساري/اليميني قصيدته التي تهجو قآئد طاغية و تهاجم الطاغوت و الجبروت في حفلٍ كثيف الحضور في قصر المؤتمرات ، يتقدم الحضور حاكم طاغية تقدمي/رجعي و من خلفه تأتي الخآصة و حاشية كبيرة من المسئولين و الوجهآء ، الحفل الفخيم نظمته جماعة حزب الطاغية الطليعي/اليميني التي ينتمي إليها الشاعر الثآئر نفسه...

و يأتي غالبية الحضور إلى الحفل بحكم: المناصب أو الوظآئف أو الحوجة أو المصالح أو الإضطرار أو التطفل أو الفضول أو الإرتزاق أو الإجبار منفردة أو مجتمعة...

و مما يلفت الأنظار أن الطاغية يضحك كثيراً و ينفعل إنفعالاً عظيماً مع بعض من مفردات القصيدة الثورية ، و يصفق بشدة عند مقاطع القصيدة العديدة ، و يفعل ذلك و كأن الذم و النقد و السخرية المتضمنة في القصيدة لا تحرجه و لا تمس نظامه القمعي بحسبان أنها موجهة نحو الآخرين !!! ، و طبعاً يشاركه في الضحك و الإنفعال و التصفيق كل الحضور من الخآصة و الحاشية و الأرزقية و الطفيلية السياسية و الضيوف الذين حضروا بحكم المنصب أو الوظيفة أو بدوافع الخوف أو بفقه التقية منفردة أو مجتمعة..

و في نهاية الحفل يكرم القآئد الطاغية الشاعر الثآئر و يمنحه وسام الجمهورية من الطبقة الأولى و بعض من الإمتيازات فيها جواز السفر الدبلوماسي...

و بعد الحفل ينتقل الشاعر الثآئر و بعض من الضيوف الحضور من قصر المؤتمرات إلى قصر الطاغية المنيف في الضاحية الأنيقة الوريفة المحروسة برجال الأمن المدججين بالأسلحة الثقيلة لتناول طعام العشآء على مأدبة القآئد الطاغية ، الضاحية لا يقطنها سوى الخآصة و الأقربين من الحاشية...

الشاعر الثآئر هو ضيف الشرف الرئيسي على مآئدة عشآء القآئد الطاغية في تلك الليلة ، و مأدبة العشآء ضخمة و باذخة تذخر بأطيب الطعام و الفواكه و الشراب ، و قد دعي إلى المأدبة بعض من الأقربين و الخآصة و رجال الدولة و مجموعة كبيرة من المثقفين الثآئرين التقدميين/الرجعيين من القطر و الوطن الأعرابي الكبير المنتشر ما بين المحيط و الخليج أو كل العالم الإسلامي...

في مثل هذه الحفلات المنقولة تلڨزيونياً على الهوآء مباشرةً يحرص المنظمون كثيراً على إبراز الجانب الأدبي الثقافي التقدمي/الأصولي للرئيس القآئد ، و لهذا كان مقعد الشاعر الثآئر الأنيق و مقاعد بعض من أبرز الأدبآء و الشعرآء و المثقفين التقدميين/الرجعيين في القطر و الوطن الكبير هي الأقرب إلى كرسي القآئد الطاغية المنتفش الجُضُوم (الخدود) و الريش...

العسكر و العودة إلى الثكنات:

يبدوا أن لدى البرهان عضو اللجنة الأمنية لنظام الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) و عضو المجلس العسكري الإنتقالي و رئيس مجلس السيادة الإنتقالي خلط بآئن و جلي ما بين مفهوم الحكم المدني و شعار عودة العسكر إلى ثكناتهم ، و قد بدا ذلك واضحاً عندما قام البرهان بسحب قوات الحراسة النظامية عن جميع مقار لجان إزالة التمكين و تفكيك نظام الثلاثين (٣٠) من يونيو (٦) ١٩٨٩ ميلادية في جميع أنحآء البلاد...

و قد جارى البرهان في الخلط و الفهم الخاطيء كثيرون من جماعة ”الإعلاميين“ و الناشطين التابعين و المؤيدين للجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) ، و قد نهج كثيرٌ من ”الإعلاميين“ ذلك النهج لأغراض شتى تصب في مصالح عديدة ليس من بينها مصلحة الثورة...

و يبدوا أن البرهان و كثيرين من جماعة ”الإعلاميين“ و الناشطين التابعين و المؤيدين للجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) لا يعوون أن شعار عودة العسكر إلى الثكنات ما هو إلا للدلالة على الحرية و مدنية الحكم و وجوب عدم تدخل العسكر في السياسة و في عمل الحكومات المدنية التنفيذية فيما يخص إدارة الدولة و ذلك بحسب الدستور و القانون و اللوآئح المنظمة...

و  يبدوا أن البرهان و كثيرين من جماعة ”الإعلاميين“ و الناشطين التابعين و المؤيدين للجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) لا يفهمون أن عودة العسكر إلى الثكنات لا تعني الإضراب عن العمل أو أن تحجم القوات النظامية عن القيام بالواجبات المنوطة بها في حفظ الأمن و حماية الحدود و المنشآءات الحكومية و كذلك حماية كبار الشخصيات من المسئولين و الموظفين الذين يمثلون السلطة و أجهزة الدولة السيادية و التنفيذية...

و في حقيقة الأمر فإن القوات النظامية لم ترفض القيام بواجباتها في الحماية لكن الروايات العديدة ذكرت أنه قد صدرت إليها أوامر من ”القيادة“ بالإنسحاب ، و يبدوا أن تلك ”القيادة“ لا تعلم أو لا تعي معنى قيادة دولة و قوات نظامية و شعوب...

القيادة:

ليست من علامات القيادة الرشيدة و الزعامة الملهمة عدم تحمل المسئولية ، و ليست القيادة و الرشد في شحن الحضور و إثارة البغضآء و الكراهية و الفتن و الفرقة و الفوضى بين الجماهير عن طريق الأكاذيب و نشر الإشاعات و خلق حالات العدآء و الرعب و إنعدام الأمن...

لكن يبدوا أن بعضاً من العسكر و المدنيين الناشطين في الساحة السياسية السودانية يلعبون دور القيادات الغير راشدة و يمارسون سياسات و خطابات الشحن و البغضآء جذباً للمتابعين و كسباً للسند و حفاظاً على المصالح و طمعاً في التشبث بكراسي الحكم...

و يبدوا أنهم لا يكترثون مطلقاً للأثار السالبة لخطاب الكراهية و الفتنة و ذلك لأنهم لا يعملون و لا يستطيعون العيش في غير تلك الأجوآء الغير رشيدة...

و هذا الأسلوب القيادي الغير راشد هو ما لجأت إليه بعض من القيادات العسكرية و السياسية في الآونة الأخيرة...

إجتماع الناقد و الحاقد:

الفوضى و التعقيدات الحالية في الساحة السياسية السودانية هي نتيجة حتمية لعوامل عديدة مثل: حالة الدولة و السلطة السودانية الشديدة التعقيد و الهشة و التي تقف على حآفة الإنهيار بسبب الفساد و الضعف المالي و الإداري و بسبب مصالح و طمع جهات و مجموعات عديدة لها مصالح و تداخلات و تقاطعات في السياسة و الحكم و الإقتصاد ، في هذه الجهات و المجموعات المنغمسة في الشأن السوداني تجد العسكر و المدنيون و كذلك الدول الأجنبية خصوصاً دول الجوار و الإقليم...

و من العوامل و الأسباب الأخرى: سوء إدارة الحاضنة السياسية للعمل السياسي و الأطماع و الممارسات الغير راشدة لأفراد و قيادات الجماعات المتمردة المسلحة و إدمان ممارسة المحاصصات السياسية في الوظآئف و المناصب و تولية (غير الأمين) و تقدم ناقصي الكفآءة و الأهلية الصفوف و فشل الجهاز التنفيذي في إحداث أثر إيجابي محسوس في حياة الشعوب السودانية...

في هذه الأجوآء المعقدة المتأزمة يأتي خطاب الكراهية العدآئي مصحوب بالممارسات غير الرشيدة ممن يدعون الثورية و الوطنية و من أعدآء الثورة على حد السوآء ، و نتيجة لذلك تغيب (تُغَيَّب) الحكمة و تتفشى الفرقة و الجهوية و القبلية و العنصرية و تكتمل أركان الفتن و تعم الفوضى...

هذه العوامل مجتمعة هي التي قادت إلى الجمع ما بين مجموعة المؤيد الناقد الحادب على الثورة و مجموعة المعارض الحاقد المعوق في سلة واحدة إسمها عدم الرضا...

إلى جانب الثورة تقف مجموعة الناقد الحريص عليها و على إحداث التغيير و الإصلاح و تنمية الوطن و كذلك تفكيك نظام الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) الذي خرب و دمر الإنسان و بنيات السلطة و الدولة على مدى ثلاثة عقود من الحكم الجبروتي ، هذا الناقد المؤيد يراقب عن كثب الأحداث في الساحة السياسية بمنظور وطني و يحرص كثيراً على وحدة الصف و سلامة الوطن ، و لا يسكت عن الأخطآء و الفساد ، و ينتقد الأوضاع غيرةً على ثورته و لضمان نجاحها ، و ذلك لأنه يأمل في التغيير و الإصلاح و يتطلع دوماً إلى الأفضل...

أما مجموعة الناقد الحاقد و التي تضم عضوية و مؤيدي الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) و المنتفعين من الأرزقية و الطفيلية السياسية فليس لها هدف سوى تثبيط الهمم و التعويق و نشر الفتن و الفوضى و التخريب بأمل تمكين النظام القديم من الحكم و الدولة مرة أخرى و من ثم العودة إلى ممارسة الكبت و القمع من قبل الأجهزة الأمنية و إلى التكسب الإقتصادي عن طريق الفساد و المحسوبية و إلى نشر الفكر الضآل و تغييب الوعي بدواعي الصحوة و التأصيل و بقية شعارات مشروع الزيف الذي أتت به الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان)...

العنف و حب القتل و الدمار:

يبدوا أن بعضاً من المسلمين (المتأسلمين) السودانيين و مسلمي (متأسلمي) بلادستان يقرأون الآية:

(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن ذَكَرࣲ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ شُعُوبࣰا وَقَبَاۤىِٕلَ لِتَعَارَفُوۤا۟ۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرࣱ)

[سورة الحجرات 13]

برواية خطأ و (قاطعنها من رأسهم) تقول و العياذ بالله:

إنا خلقناكم شعوباً و قبآئل لتحاربوا

بدليل كثرة الحروب القبلية و الأهلية و القدرة الخارقة لأفراد الجماعات الجهادية التكفيرية على العنف و القتل و التخريب و إحداث الدمار...

الختام:

لا بديل للحرية فالشعوب لا تتعلم أو تتقدم في أجوآء القمع و الكبت و الإقتتال ، و لا في غياب الوعي و القيادات الرشيدة و الزعامات الملهمة...

الأمم لا تبنى بالأماني و لا بأحاديث النفاق و الفتن و لا بالقصيد و الأغاني أو الحفلات الغنآئية...

الأمم تبنى بالإرادة و الفكر و العلم المفيد و التخطيط و البذل و العمل الجاد...

الأجوآء الحالية في الساحة السياسية السودانية تحتم العودة إلى الحاضنة السياسية الأصلية المتمثلة في قوى الحرية و التغيير و تفرض إحترام الوثيقة الدستورية و مخرجات محادثات السلام (مع العلات و الثقوب) حفاظاً على الإستقرار و منعاً للفوضى...

و لا بد من تحييد و تقييد التدخلات الأجنبية في الساحة السودانية و لا يتم ذلك إلا عن طريق وحدة القوة الثورية و الوطنية و عن طريق الدبلوماسية الفعالة...

و لا بد للسيد حمدوك من تغيير بعض من أعضآء وزارته بكفآءات شابة نشطة و غير متحاصصة...

و لا بديل للعمل بين و مع الجماهير على المستوى المحلي و إحداث نقلة (ثورة) في العمل التنفيذي...

و لا بد من التأكيد على الإستمرار في تفكيك نظام الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) و محاربة الفساد...

و لا بد من الإبقآء على شعار الثورة الخالد (أي كوز ندوسو دوس)...

و لا بد من الشفافية و تمليك الحقآئق للجماهير...

و لا بد للسيد حمدوك من تفعيل و تحديث و تطوير قنوات تواصله و تفاعله مع الشعوب السودانية...

و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة

fbasama@gmail.com

 

آراء