حاطب ليل
حبة اولى
اسمعوا لهذا الصوت
اصحاب القرار في الحركة الشعبية وفي المؤتمر الوطني , مالك عقار وياسر عرمان وعبد العزيز الحلو وسلفاكير وعمر البشير وعلي عثمان ونافع علي نافع وقطبي المهدي وغيرهم من قادة الحزبين لاتمثل لهم ولاية جنوب كردفان اكثر من منطقة تنازع امني واقتصادي لانهم لايتلقون التعازي في القتلى ولايتولون معالجة المرضى ولايستقبلون النازحين في بيوتهم ولايتاثر ابناؤهم بضياع العام الدراسي فالحرب التي اندلعت مؤخرا في جنوب كردفان كان مخطط لها من الطرفين منذ امد بعيد واصحاب القرار في طرفيها كلهم لاعلاقة لهم بهذة المنطقة ولاباهلها وبالتالي فهم عندما قرروا اشعال الحريق هناك لم يكن في حسابهم مواطن او منطقة او حياة سوف تتاثر
هذا الكلام اعلاه ماخوذ (بضابنته) من مقال كتبه الدكتور صديق تاور بصحيفة الصحافة الغراء يوم الخميس الماضي 30 يونيو ودكتور صديق من ابناء المنطقة المكتوين بالنيران التي تندلع فيها وهو من القلائل جدا الذين يكتبون بموضوعية وفهم عميق لما يدور في المنطقة لانه المدركين لشعابها شعبة شعبة والواعيين بمكوناتها البشرية وتاريخها ففي النص اعلاه نجده يصر على ابراز الجانب الانساني من دموع ومرض ونزوح وكل تلك الامور التي يتجاهلها السياسيون الذين يدعون انهم ينظرون نظرة استراتيجية مستهينين بحياة الاهالي وكما ذكر الدكتور جنوب كردفان بالنسبة لهم ولاية غنية بالموارد ومنطقة تنازع بين الشمال والجنوب
ان قضية جبال النوبة لاتنفصل من قضايا الهامش السودانية الاخرى ويمكننا القول ان اهل النوبة كانت معاناتهم في دولة الحديثة اكثر من غيرهم وتعرضوا لظلم الاخرين الامر الذي جعل الاب الراحل فيليب عباس غبوش يقود ثورة حقيقية قوامها التحريض على نيل الحقوق المدنية للنوبة وقد نجح الاب فيليب في اتحاد جبال النوبة وفيما بعد الحزب القومي السوداني في توعية النوبة بمظالهم لابل وجعل كل السودان يدرك ذلك. لقد استطاع الاب فيليب وبما له من افق سياسي واعي تحويل قضية النوبة من قضية ساكنة الي قضية متحركة فاصبح من المحتوم ان يستمتع اهل النوبة بخيرات ارضهم البكر لابل يمتعوا معهم كل السودان طال الزمن او قصر لانه لن يضيع حق من ورائه مطالب ولكن الانحراف الذي احدثه الراحل يوسف كوة حول القضية من مسارها المدني الي المسار العسكري جعل ديار النوبة ديار حرب ودمار
اقول الانحراف لان معرفتي الخاصة بيوسف كوة بحكم الزمالة في كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم في سبعينات القرن الماضي وبحكم مناقشات كثيرة معه لم يكن من الذين يؤمنون بالحل العسكري رغم عميق ايمانه بقضية جبال النوبة ولكن ظروف خاصة قد تكون حرفته وبالتالي حرفت كل القضية عن المسار المدني . يبدو لي الان ان هناك وعى نوبي عام ووعى قومي بان قضية جبال النوبة ان لها ان تستريح في ايدي ابناء جبال النوبة فهي ليست قضية صراع بين الشمال والجنوب ولابين الحركة والمؤتمر واي تقويم (هذة من قومية) او تدويل لهذة القضية سوف يدفع ثمنه النوبة دموع ومرض ونزوح وجهل وتخلف كما ذكر دكتور تاور
حبة ثانية
جوز اتفاقيات من اديس
عندما تم التوقيع على اتفاق ميساكوش الاطاري في 2002 غنينا وفرحنا وامسينا وصبحنا كما غنى الكاشف وقلنا ان السلام اصبح قريبا جدا فالحرب طال امدها واهلكت الحرث والنسل ثم تمخض ميساكوش الاطاري عن نيفاشا عام 2005 فرحبنا بها ولما كانت الصحافة هي المعبر عن راى الشارع السوداني نجدها هللت وكبرت للاتفاقية فاذكر ان صحيفة الحرية كان عنوانها البارز في صبيحة الاتفاقية (لن تكون المناديل لتجفيف الدموع ولن تكون الاخشاب لصناعة التوابيت) بعبارة اخرى ان صناعة الموت في السودان قد توقفت اما صحيفة الصحافة فقد كان خطها (تبت يدا المستحيل) يمكننا القول وباطمئنان شديد ان كل الشارع السوداني رحب بالاتفاقية حتى الذين تحفظوا ولعل ابرزهم الصادق المهدي لم يكن معترضا على محتوى الاتفاقية انما كان يريد توسيع الموقعين عليها لتشمل كل الوان الطيف السياسي في البلاد وضرب لرفض مساعيه مثلا بالقول (في عريس في الدنيا يقولوا ليهو عاوزين نجرتقك ويرفض ؟ ) في الجنوب غلاة الرافضين لفكر الحركة الشعبية رحبوا بالاتفاقية لانها نصت على تقرير المصير
الفترة الانتقالية جرت بما لايشتهي معظم المرحبين بالاتفاقية وكان حصاد هذة الفترة ان البلاد انقسمت (طق) فهل نلوم انفسنا على ترحيبنا بالاتفاقية ؟ هل نقول ان كل الشعب السوداني انخدع بالاتفاقية ؟ هل نقول اننا مدركين لهذة النتيجة وليس في الامر عجب؟ ام نقول الاتفاقية برئية مما حصل وان تقاطعات و نوازل اخرى تسببت في النتيجة؟ ام نقول ان الشغلانة كلها مفخخة واننا لانعدو ان نكون مجرد كمبارس ؟ لااحد يملك الاجابة الشافية والمهم لقد حصل الحصل والان بين ايدينا اتفاقيتين جديدين تجمعهما اديس اببا وقعتهما ذات الحكومة الشمالية التي وقعت ميساكوش الاطاري ثم نيفاشا مع ذات الحركة الشعبية التي انقسمت الي قسمين جنوبي وقعت معه الخرطوم اتفاقية ابيي التي تنص على اسناد الامن في المنطقة الي الجيش الاثيوبي وبموجب البندين السادس والسابع من ميثاق الامم المتحدة ثم اتفاقية اخرى مع الحركة الشعبية الجناح الشمالي تنص على وقف العدائيات في جنوب كردفان واشراك الحركة الشعبية الجناج الشمالي في حكم ماتبقى من السودان ثم ادماج وتسريح الجيش الشعبي قطاع الشمال
اها ,, هل نرحب باتفاقيتي اديس اببا كما رحبنا بنيفاشا من قبل وندخل الماسورة مرة اخرى ام نرفضهما حتى لانلدغ من ذات الجحر مرة اخرى ؟ في تقديري انه لاسبيل لرفض الاتفاقيتين لابل يجب الترحيب بهما ليس لانهما اصبحا امرا واقعا ففي هذة الحالة يمكن الرفض لتسجيل موقف بل لان البديل لهما هو الحرب والدمار والحصار ولاشئ اسوا من الحرب فعندما يكون هناك طريقا واحدا مؤديا للسلام وهذا الطريق محفوف بالمخاطر لاخيار لك الا ان تسلكه . انه خيار الصفر .اما لماذا ضاقت الارض بمارحبت على الخرطوم واصبحت خياراتها محدودة لابل خيارها وحيدا ؟ فهذا موضوع غير وقصة اخرى . اذن ياجماعة الخير رحبوا بالاتفاقيتين (الاديس اببتين) لو جاز التعبير واكان فيكم عمار تحكموا في سيرهما حتى لايفضيان الي ما افضت اليه نيفاشا
حبة ثالثة
قولوا ن شاء الله خير
برزت اتفاقيتان في صراع الشمال الجنوب الذي رزئت به البلاد طوال عمرها الوطني الاولى اديس اببا التي وقعها النميري مع جوزيف لاقو قائد قوات الانانيا في عام 1972 وبموجب هذة الاتفاقية منح الجنوب الحكم الذاتي وتم دمج جيش الانانيا في الجيش الوطني وكان من بين المدمجين الضابط جون قرنق وتم تسريح البعض بعد منحهم وظائف مدنية استمرت الاتفاقية لمدة عشرة سنوات وكانت اجمل سنوات نميري من حيث السلام والتنمية . دخلت العلاقات اشمالية الجنوبية مرحلة واعدة وبدات الثقة تدب بين الطرفين ولكن الصراعات الجنوبية جنوبية داخل الحكومة في جوبا ادت الي ان يقوم نميري بايعاز من جوزيف لاقو الي تقسيم الجنوب الي ثلاثة ولايات ومن ثم اندلعت الحرب الاهلية مرة اخرى وكان هذا في مارس 1983 وذلك بظهور انانيا ون ثم انضم اليها جون قرنق وحولها الي الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها هو الجيش الشعبي لتحرير السودان
الاتفاقية الثانية التي اوقفت الحرب الثانية بين الشمال والجنوب هي اتفاقية نيفاشا التي وقعت في 2005 وقد اوقفت حربا شرسه وانتهت نيفاشا الان الي تقسيم البلاد الي سودانين جنوبي وشمالي وبين يدينا الان اتفاقيتي اديس اببا اللتين وقعتا في اواخر يونيو المنصرم الاولى مع الحركة الشعبية الجنوبية حول ابيي والثانية مع الحركة الشعبية قطاع الشمال حول جنوب كردفان والنيل الازرق ويمكن اعتبارهما امتدادا لنيفاشا . نتوقف اليوم قليلا عند اتفاقية اديس اببا الخاصة بالحركة الشعبية الشمالية اي جنوب كردفان والنيل الازرق لنرى هل هي اقرب الي اتفاقية اديس اببا التي وقعها النميري مع جوزيف لاقو ام اقرب لنيفاشا التي وقعتها الانقاذ مع قرنق ؟ بعبارة اخرى هل ستفضي الي انفصال المنطقتين ام الي حرب جديدة ام الي سلام دائم
اتفاقية اديس التي وقعها نافع مع عقار تقضي بحق الحركة الشعبية مواصلة نشاطها السياسي بالشمال شانها شان اي حزب سياسي اخر ثم وقعا اتفاقية جانبية بين الحركة والمؤتمر يقضي بمشاركة الحركة في الحكومة القادمة المعلوم ان الشراكة اصلا قائمة في الاقليمين ولكن الجديد في ان الشراكة سوف تصل المركز . نصت الاتفاقية على وجود جيش وطني واحد فهذا يعني دمج الجيش الشعبي في الجيش الوطني وتسريح البعض بعد تمدينه . نصت الانفاقية على اجراء المشورة الشعبية التي يراها الوطني للتعبير عن درجة من درجات الرضا عن ما انجزته اتفاقية نيفاشا ويرى عقار انها مفضية للحكم الذاتي وكان قرنق يراها (جنى صغير بتاع تقرير مصير) عليه ومن ناحية نصوص بحتة فان اتفاقية نافع وعقار اقرب لاديس اببا 1972 لانها انهت وجود الجيش الاخر واقل منها لانها لم تنص على حكم ذاتي للمنطقتين كما انها حفظت للحركة الشعبية اسمها وهذا حق دستوري لاتباعها والاهم انها هدفت الي ايقاف الحرب في الجبال ومنعت قيامها في النيل الازرق وبالتالي في تقديري ومن حيث النصوص الواردة فيها لايوجد اي مبرر لرفضها اللهم الا اذا كانت هناك تخوفات من مسيرة التطبيق واستدعاء للتاريخ واصطحاب عدم الثقة الذي اصبح من الثوابت وهذة اشياء دوائها يوجد في صيدلية اخرى
نقلا عن صحيفة السوداني
abdalltef albony [aalbony@yahoo.com]