جنوب السودان.. خلل إجراءات السلطة النقدية

 


 

 

مُعظم علماء الإقتصاد أجمعوا على أن معرفة العالم على حقيقتها يتطلب الإطلاع على النظريات الإقتصادية، كأقل تقدير إذا لم يتخصص فيها المرء.
فمعظم النظريات الإقتصادية إنطلقت من أرضية متينة ذات قاعدة أساسية، مؤداها التمحيص والتنكب بغية الوصول إلى إستنتاج عقلاني يفيد الغرض المبتغى منها، فعلى مر العصور خاصة في القرون الثلاث الماضية شهدت العالم نظريات إقتصادية حولت مجرى التاريخ الإقتصادي ، بدء بآدم سميث ( الإقتصاد السياسى) مروراً بكارل ماركس وانجلز ( رأس المال)، وإنتهاءاً بكينز ( النظرية العامة للتشغيل والفائدة والنقود) وفرانسيس فوكوياما ( نهاية التاريخ وخاتم البشرية) وغيرهم من علماء الإقتصاد
فبالرغم من أن هذه النظريات الإقتصادية المشار إليها تختلف فى طريقة تناول كل منهم، للمشكل الإقتصادي وطرق معالجتها، ولكنها فى نهاية المطاف كان هدفها خدمة وتقدم ورقى الإنسان في تلبية حاجياته وتطوير حياته في كل المناحى، سياسية، إقتصادية، إجتماعية وثقافية .
شهدت جنوب السودان محاولات من السلطة النقدية (البنك المركزي) خلال الفترات السابقة بوضع حد لتقلبات الأسعار في الأسواق، فضلاً عن محاولة لإعادة تقوية الجنيه الجنوب سوداني الذى فقد ما يربوا من 50٪ من قيمته، عبر عدة إجراءات وسياسات نقدية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
بما أن البنك هو المستشار المالي للحكومة ومصدر الإقتراض الأخير للبنوك التجارية، وبالتالي تعتبر بنك البنوك وتقوم بسك النقود وطباعتها وتسعى دوماً لتحقيق المصلحة العامة رغم دوره بتمويل المشروعات الخاصة بالحكومة، إلا أنها تنحاز للمصلحة العامة عندما تكون المصلحة الخاصة ضد الدولة ومواطنيها.
قبل بضع أشهر قام محافظ بنك جنوب السودان المركزي السابق السيد/ ديير تونق نقور بحزمة إجراءات تصب في صالح الإقتصاد الكلى للبلاد أبرزها توحيد سعر صرف الجنيه مقابل الدولار ، إلى الحد الذي يجعل الفرق بين سعر الصرف فى البنك المركزي والسوق الموازية بسيط، وأشار سيادته خلال مؤتمر صحفي أقامه بمباني البنك. أن البنك المركزي نجح في برنامج طرح المزاد الإسبوعي للدولار للبنوك التجارية الذي أطلقه في شهر مارس من العام المنصرم، منوهاً إلى أن تعاونه مع وزارة المالية والتخطيط الإقتصادي والمؤسسات الحكومية الأخرى هو ما أثمر عن هذا الجهد، وأوضح المحافظ السابق بوجود تحسن في ملحوظ في الإيرادات البترولية وغير البترولية فى الفترة السابقة، بدليل إستلام البنك حوالى 10مليون دولار شهرياً من هذه الإيرادات، ويضيف بأن الفرق بين سعر صرف الدولار في السوق الموازية ( السوداء) والسعر الرسمي بات قليلة جداً بحسب العوامل المذكورة أعلاه، وفى ذات السياق أعلن المحافظ ديير تونق عن تخلى البنك وضع تسعيرة محددة والذى كان يطرحها البنك المركزى للبنوك التجارية والصرافات وسوف يعتمد في ذلك علي ثبيت سعر للصرف خاصة العمُلات الصعبة، مشيراً إلى البنك ستواصل المزاد الإسبوعي وهذه العوامل المذكورة هى لتوحيد سعر الصرف الرسمى مع السوق الموازية، بدافع سيطرة البنك على السوق بما يجعلها تُخفض أسعار السلع والبضائع في الأسواق التى تشهد غلاءاً شديداً رغم إنخفاض أسعار العملات الصعبة تحديداً الدولار الأمريكي، منوهاً إلى دعم صندوق النقد الدولي للبنك المركزي بأموال مقدرة عبارة عن نصيب جنوب السودان من أسهمها في صندوق النقد الدولي.
ما ذكره المحافظ فى مؤتمره الصحفي عبارة عن إجراءات وروشتة إقتصادية لمعالجة أوضاع الإقتصاد الكلى لأى دولة يحاول تطبيق نظرية الإقتصاد الرأسمالى، وبالتالي يجئ محاولات المحافظ لوضع حد للتضخم وكبح جماحه والذي بلغ مستويات قياسية مقارنة بالأعوام الست الماضية، اي قبل تعويم الجنيه فى منتصف شهر ديسمبر عام 2015م، من قبل وزير المالية الأسبق السيد/ ديفيد دينق أطوربى في مخالفة صريحة لقواعد المؤسسات المالية الدولية ( نادى باريس، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي )، فاى محاولة لتعويم العملة لابد أن يرافقه قوة إقتصاد الدولة المعنية خصوصاً عملتها، فضلاً عن توفر كمية معقولة من العملات الصعبة أو ما يعادلها للصمود أمام الهزة الإقتصادية والركود الذي سيعانى منها إقتصاد الدولة المعنية لبرهة من الزمان قبل أن تعود إلى الإقتصاد عافيتها. فى الصدد سال عليه مدادنا وكاد أن تتقطع الحبال الصوتية لكل الحادبين على تعافى إقتصاد جنوب السودان وإجراء تغييرات هيكلية في مؤسسات الدولة المختلفة وبما يتوافق مع عوامل التنمية الإقتصادية، وبما يسهم في زيادة الناتج القومي الإجمالي من خلال التوازن في ميزان المدفوعات وتحسين الميزان التجاري.
خطوة تضاف إلى إنجازات محافظ البنك المركزي السابق السيد/ ديير تونق نقور هو إنخفاض سعر العملات الأجنبية، خصوصاً الدولار حيث حدت هذه الإجراءات من تصاعد التضخم بنسب قليلة مقارنة بالعام الماضي والربع الأول من العام الحالي حيث شرع البنك فى سياسة تغذية الصرافات والبنوك بالعملات الصعبة ووضع سعر تاشيرى اي ما بين السوق الموازية ( السوداء) وسعر الصرف الرسمي، بنسبة هامش ربح تصل إلى 8٪، فعلي سبيل المثال، الأمر الذي خفف من وطأة الضغوط المعيشية ومن حدة التضخم وإرتفاع الاسعار، ولكن في المقابل غياب الرقابة هو كعب أخيل الذى بات يؤرق المضاجع خصوصاً الأمن الإقتصادي والمباحث، فعند قيام البنك المركزي بالمزاد العلني وطرح العمُلات الصعبة مقابل الجنيه، فالبنك بذلك يريد سحب الكتلة النقدية خارج المصارف إلى البنك والتي تجاوزت ال 70٪ من حجم الكتلة النقدية المتداولة في البلاد وبالتالي الأموال خارج النظام المصرفي لا تدخل في الدورة الإقتصادية، ولكن عندما تكون الأموال بحوزة البنك المركزي والبنوك التجارية يتسنى للمستثمرين الإستثمار في الدولة المعنية، وبما يضمن سحب أموالهم المودعة في البنوك التجارية في أي وقت وكيفما شاؤوا، فالبنك المركزي في هذه الحالة يسيطر سيطرة تامة علي البنوك التجارية والتي تسعي دوماً لتحقيق الأرباح وإن كان ذلك ضد المواطن والمصالح القومية فى دولة ما، بيد أن البنك المركزي كبنك للبنوك وتكون هدفها دوماً فى مصلحة المواطن والإقتصاد القومي، تلجم البنوك التجارية بما يعرف بنسبة الإحتياطي القانوني وهي عبارة عن جزء من أموال البنوك المذكورة بحوزة البنك المركزي، فضلاً عن عمليات المقاصة التي تُجري يومياً لمعرفة حجم التبادل النقدي بين البنك المركزي والبنوك التجارية، بالإضافة إلى عمليات السوق المفتوحة وأسلوب الإقناع الأدبي بجانب المنشورات التي تضعها البنك المركزي من حين إلى آخر والتي تعكس سياساتها وبالضرورة موجهات الإقتصاد الكلي في البلاد وبما يحقق المنفعة العامة، عليه فالسياسات التي وضعتها السلطات النقدية في البلاد لهو أمر جيد وتأتي في إطار محاولة القائمين على أمر الإقتصاد فى جنوب السودان كبح جماح التضخم المتصاعد، ولكنها فى مجملها سياسات آنية ولن تحقق الغايات والمرامي المرجوة لإزدهار وتقدم إقتصاد جنوب السودان، ومردها عدم وجود خطط إقتصادية واضحة ومحددة المعالم يمكن السير على خطاها، لجهة أن الفساد المستشري في مؤسسات الدولة بما فيها البنك المركزي عبر القطط السُمان النافذين في جميع أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة يقومون بالمضاربات والامر والادهى فالدولار سيعود إلى الإرتفاع مجدداً وسيعانق السماء مجدداً خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، خصوصاً بعد أداء أعضاء الهيئة التشريعية القومية اليمين الدستورية قبل ثلاثة أشهر ، فما يقرب من 650 شخص يحتاجون إلى تحسين وتوفيق أوضاعهم، ضف إلى ذلك رؤساء اللجان فى البرلمان ومجلس الولايات يعتبرون فى مصاف الوزراء الإتحاديين، وستنفق عليهم الدولة أموال طائلة عبارة أثاثات لمكاتبهم وسيارات فارهة
سبق وقلنا بأن فائدة إتفاقية السلام المُنشطة هى أنها أوقفت الحرب وحدث إستقرار أمنى نسبى فى أرجاء البلاد، فعودة المواطنين إلى قراهم ومناطقهم سيسهم في عودة الإقتصاد الريفى ( الإكتفاء الذاتى) ، فحكومة الوحدة الوطنية الإنتقالية المترهلة سيضاعف حجم التضخم، واقرب حل ستلجأ إليها الحكومة خلال الأشهر القليلة القادمة هو طباعة عُملات جديدة دون رصيد نقدى حقيقى أو إنتاجي، تساعد في تحسين الميزان التجاري وتحقيق التوازن في ميزان المدفوعات، وستزداد الأوضاع الإقتصادية المزرية أساسا وتصبح أكثر سؤاً بسبب السياسات الرعناء التى تنتهجها السلطات المالية ( وزارة المالية) والسلطة النقدية ( البنك المركزي)، ولجؤ الحكومة لهذه الخطوات المدمرة للإقتصاد الكلي في جنوب السودان هى إيجاد ميزانية ومبالغ، لصرفها لأعضاء الهيئة التشريعية القومية ومجالس الولايات والإداريات لتحسين أوضاع وفق البند الأول في الموازنة العامة.

josephgabriel067@gmail.com
/////////////////////////

 

آراء