حديث الثريا . بقلم: هاشم علي حامد

 


 

 

في عمق الحياة

Hashimh640@gmail.com))

                هذه حال الدنيا - هذا ما قلته لصديقتي أمل التي اشتكت اليً على فقد اخيها الذي مات في امريكا حيث صخب الحياة والأحياء، جاءني صوتها حزينا متأملا فيما ارد به عليها لتخفبف مصابها ! .. "كل من عليها فان.."، هذه حال الدنيا، كلمات نخفف بها أحزاننا على كل فقيد يرحل عن دنيانا .. قلت لها سميت الدنيا لانها دانية غير دايمة، كما تجي  التسمية كاشارة لحياة حقيقية خالدة يحياها الانسان في الاخرة،والموت ينكره الناس عندما يبكون ويصمتون حزناغالبا وهو اليقين الذي ينتظر كل انسان مهما طال به العمر، بل هو مآل من سبقونا من ألامم والاجيال .. 

        الناس تحزن لفراق من يموت بحكم الصحبة التي عاشها الي جانبهم والذكريات التي نسج خيوطها بينهم، يبكون على فراق كل عزيز مودعين له الى دار القرار معددين مأثره، حزينين على رحيله ومأله،وكانهم خالدون لا يزورهم الموت في حين ان للكل دوره علي شاطئ الحياة ليخطفه الموت.. 

    الانسان لا يريد ابدا ذكر الموت بل لا يريد الاعتراف له كونه أصيل في الحياة الى جانب كل مخلوق ، بل دوما يريد ان ينعته باعتباره دخيل متعدي على الحياة والاحياء .. الموت غريب فقط لكونه ياتي بغتة، ويخطف بغتة دون مشاورة للمخطوف او من يحيطون به من اهل واحباب ..تخيل ان كان هناك تنسبق بين الموت والبشر هل يكون الحزن هو ذات الحزن الدنيوي علي فراق الاحبة..! وهل يكون الموت هو ذلك الكابوس الذي نهابه ولا نريد سماع اسمه..؟؟ الله تعالي جعل من الموت ان يكون غيبا لحكمة ربانية في الفنا والبقا وعمارة الارض، والرسول الكريم (ص) حينما قال "لم اجد يقينا اقرب الى الشك من يقين الناس بالموت".. لم يأتي قولهالا كدلالة لعدم الاتساق بين الموت والانسان وهو اتساق وتوافق لا يكون الا بنزول الموت.

   نحن نحتاج الى فلسفة جديدة في التعامل مع الموت ينبغي ان ننظر اليه كغاية وليس كطارئ، ان نتعايشه كأصيل في الحياة ليس كدخيل ، وفي مسيرة الدنيا  كزائر معروف لا كغازي، كصاحب لا اقول كصديق لان الناس يهابون صداقته ظآنين ان في صداقته استعجالا للرحيل من هذه الدنيا وهم في ذلك مخطئون لان لكل اجل كتاب.

اذا صادقنا الموت او عاديناه لن يوثر هذا في كتاب وتاريخ الاجل .. نحن في دنيا البشر محتاجون لترسيخ قناعة الموت كرفيق حياة، ومرحلة تدرج في مسير الانسان  ضمن مراحل تطوره - طفولة وصبابة وشبابا وشيبة وهرما - بل واعتباره جزا اصيلا في الحياة لايخضع حتى لحسابات السن هذه والتدرج بقدر خضوعه لا ارادة الله الآمرة له ..

   نحن محتاجون لنظرة جديدة تجاه الموت- ان نتعايش معه ليس لتخفيف حزننا على كل عزيز نفقده من الاهل والاصدقاء، بل تفكر ايجابي لرحيلنا نحن الأحياء وتذكر شجاع لانتقالنا نحن الصاخبون حينما تلوح لنا صداقة الموت الاجبارية ورفقته غير المحببة. النظرة الجديدة للموت تجعل منه امرا معايشا يجعلنا نتجهز له ونتقبله بنفوس شجاعة راضية..نفوس قانعة-كقناعة الحياة التي عشناها في هذه الدنيا هبة من الله في صحبتها..فكما جئنا فالنذهب وكما ابتسمنا ونحن رضع في كنف الحياة فالنبتسم ونحن  شيوخا على وداع الحياة. 

  قلت لصديقتي أمل.. نحن محتاجون لفلسفة جديدة تجاه الموت ليس شفقة بنا من بكائنا علي رحيل من يفارق من اخوان واهل واحبة، بل لحاجة كل منا نحن الاحياء في النظرة المتكاملة  لهذه الدنيا التي استخلفنا الله تعالى فيها بصيصا من الزمن نحن ابناء أدم ،والتي حينما اتيناها لم يكن ذلك بارادتنا وحينما نذهب عنها كذلك لا يأتي هذا بمشورتنا فاذا ترسخت هذه القناعة، قناعة المجيء والذهاب حينها لا نهاب الموت بل نغني له ولحياتنا غناء ذلك الشاعر الحكيم -

ينساب بي زورقي في الهدوء نحو المصب 

وقد ترامت ظلال الاشجار في كل صوب

تكللت بلجين الاصيل يخطف لبي..

والنهر يجري وديعا في سيره للمصب..

*******

أما حياتي فأضحت تأملا للظلال..

تأملا لصفا الدنيا فريد المثال..

أعب في هداة الكون من رحيق الجمال

ينساب  بي زورقي في الاصيل نحو المصب!

*******

ان النهاية تأتي شبيهة بالبداية..

ولا بداية حتما في الكون دون نهاية..

صيرورة ستتالى في قبضة اللانهاية..

ما حيلتي.. فلماذا أخشى اقتراب المصب؟

*******

وكيف اعلم ان المصب يوجد اينا ..؟

فقد يطول انسيابي وداعة وهوينا.. !

سيانا مليون عام كلحظة حين نفنى.. !

دعني اذن أتغنى في النهر نحو المصب..!

زورق ينساب عند الرحيل

 (الشاعر المغربي الراحل عبد المجيد بن جلون)

Hashimh640@gmail.com

 

آراء