حرب الاستنزاف بين المعارضة والسلطة

 


 

 

 

أقام "تجمع المهنيين" تظاهر ثانية عشية عيد الاستقلال تطالب برحيل النظام، و كان قد دعا يوم 25 ديسمبر لمسيرة لتسليم مذكرة للقصر الجمهوري تطالب برحيل النظام و رئيسه، و في كلا التظاهرتين بادرت قوات الأمن باحتلال الميدان الذي كان يعد نقطة تجمع المتظاهرين، حيث حشدت أجهزة الأمن و الشرطة و القوات المسلحة قوات كبيرة، و بادرت بإطلاق الغاز المسيل للدموع، و رغم ذلك خرج المتظاهرون يتحدون هذه الحشود بصدور مفتوحة و يرفعون شعار إنها " سلمية" إلا إن أجهزة الأمن و الشرطة كثفت إطلاق الغازات كأنها تريد دفع المتظاهرين للعنف لكي تعطي نفسها الحق في إطلاق الرصاص الحي بكثافة عليهم دون مرعاة لقوانين أو دستور. و كانت القوي السياسية قد طلبت من جماهيرها الخروج لموأزرة المهنيين. و بدأت تتعدد الدعوات للخروج، بهدف أن تظل شعلة الاحتجاجات مشتعلة و لا تنطفئ، و جعل المؤسسات القمعية في حالة من الإرباك و الاستعداد المستمر المرهق، بهدف إنهاك قوتها تماما، و رغم أن بعض القوي السياسية ترفع شعار اسقاط النظام. و آخرى تنادي بالهبوط الناعم، ولكن هناك اتفاق علي مساندة التظاهرات رغم الاختلاف في وجهات النظر، و إن كان الخلاف حول الآدوات سوف يؤثر مستقبلا تأثيرا سالبا علي الحراك السياسي و التظاهر، إذا لم تسرع القوي السياسي، بتقديم مشروع سياسي جاذب للجماهير في تحقيق آمالها.

الدعوة بأسم المهنيين للخروج، تعتبر محاولة لتجاوز قناعات في الشارع عن ضعف القوي السياسية المعارضة، و أيضا تمثل موقف سالب لقطاع عريض من الشباب تجاهها، لذلك كان لابد من رفع رايات جاذبة و غير محددة الانتماء السياسي. يتم من خلالها الاستقطاب السياسي في الشارع، و دفع قطاعات مترددة لساحة الاحتجاجات. لكن تظل هناك أسئلة تحتاج إلي إجابات من قبل القوي السياسية المعارضة: هل القوي السياسية "المعارضة" قد أكملت أستعدادها من أجل مواصلة التظاهرات و استنزاف و إنهاك النظام، أم هي معتمدة فقط علي غضب الجماهير و رايات المهنيين؟ و هل أعدت القوي السياسية مشروعها السياسي و سوف تبادر بطرحه في الساحة السياسية؟ أم إنها منتظرة الجماهير أن تسقط النظام ثم تفكر بعد ذلك في إعداد المشروع السياسي لمستقبل الحكم في البلاد؟ و أيضا السؤال إذا استطاع النظام أن يجد دعما مؤقتا لحل مشاكل المواطنين، ماذا في جعبة المعارضة لكي تجعل الجماهير تواصل مظاهراتها؟
أن الإجابة علي الأسئلة تحتاج إلي قراءة جيدة للواقع السياسي، و معرفة مناطق القوي و الضعف في النظام. و مهما كانت راية المهنيين جاذبة لكنها لا تستطيع أن تكون بديلا عن القوي السياسية، فهل تستطيع القوي السياسية أن تؤهل نفسها لكي تكون مقبولة عند الجماهير و إنها قادرة علي تأهيل نفسها للتحدي القادم، و أيضا هناك قوي قد أرتبطت بالنظام و تحتاج إلي طمأنة و أجابات لكي يتم تحيدها في الصراع، أو يتم استقطابها من أجل التحول الديمقراطي، مثل جهاز الأمن و المخابرات الذي يفوق تعداد منتسبيه إلي 75ألف، و أيضا عشرات الآلاف من قوات الدعم السريع، و قواعد الحركة الإسلامية الراغبون في عملية التحول الديمقراطي، و المنشقين عن الحركات المسلحة، و الذين يعتقدون إن النظام قد استوعبهم في وظائف دستورية و سوف يخسرونها إذا حصل تغيير سياسي، كل هؤلاء يشكلون دعما للنظام لكي يحافظوا علي مكاسبهم الخاصة. و رغم إن النظام قد فقد مقومات وجوده، و لا يملك حلول لآزماته إلا إنه سوف يظل يناور حفاظا علي مصالح قياداته.
معلوم لكل السودانيين إن حركة " الإسلام السياسي" قد فشل مشروعها تماما، و إن الشعارات الطهرانية التي كان يرفعها هذا التنظيم قد تم أنتهاكها من قبل قيادات التنظيم نفسه، حيث أستشري الفساد في مؤسسات الدولة التي يديرونها. و لذلك لابد من طمأنة العديد من عضوية المجموعات الإسلامية الذين لم يرتكبوا جرما أو فسادا، إن عملية الإطمئنان تعني جذب العديد من الجماهير التي تقف علي السياج إلي ساحة الثورة، و هؤلاء يتخوفون أن يكون التغيير السياسي بهدف الانتقام، أو تسريح العديد من القطاعات عن وظائفهم. إن معركة التحول الديمقراطي تحتاج إلي استقطاب ألكبر قاعدة من الشعب، و عزل كل الذين أفسدوا أو مارسوا أنتهكات لحقوق الإنسان و غيرها من أنواع الفساد المالي و الأخلاقي. و هي معركة سياسية و فكرية و يجب تجريد دعاة الشمولية من كل القوي التي يعتقدون إنها تشكل لهم حماية، و هي في نفس الوقت حرب علي المفاهيم الشمولية التي استوطنت في المجتمع، و أنتجت الثقافة الشمولية. و نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء