حزب الأمة التناقض بين الفكرة والخطاب

 


 

 

خطاب رئيس حزب الأمة فضل الله برمة ناصر في الذكرى ( 138) يمثل دليلا لعملية التناقض بين الفكرة و الخطاب، و هي ظاهرة غير جديدة في العقل السياسي للقيادة في حزب الأمة، و تحتاج الظاهرة لدراسة، و قبل الدخول في تحليل خطاب. لابد من توضيح العلاقة بين الفكرة و الخطاب. عندما تكون هناك فكرة مثل (كيفية تأسيس عملية لتحول الديمقراطي) يؤسس المشروع السياسي مفصلا على موجبات الفكرة، وعلى المعايير التي تتطلبها العملية الديمقراطية. و يأتي الخطاب حاملا هذه المضامين و متناغما معها و غير متناقض لها.
يقول برمة ناصر في خطابه "إن الاتفاق الإطاري يمثل بادرة جيدة لعملية سياسية وطنية ذات مصداقية و شفافية مبينا أنه وضع حدا للاصطفاف و الاستقطاب، و وضع أسس معالجة الأزمة الوطنية" و يضيف قائلا "أن الإتفاق الإطاري مولود شرعي للإرادة السودانية من المدنيين و العسكريين و إنه ثمرة تفاهمات و حوارات جادة و مسؤولة بعيدا عن الأجندة الضيقة" السؤال لرئيس حزب الأمة هل بالفعل الإتفاق الإطاري وضع حدا لهذه القضايا المذكورة؟ و تأتي الإجابة من داخل الخطاب نفسه بالنفي تماما، عندما يقول برمة ناصر في ذات خطابه "أن الأوضاع اليوم مقلقة للغاية أمنيا و سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا و أن الواقع السياسي تسوده حالة الاستقطاب الحاد و المزايدة السياسية" هذا التناقض في الخطاب، هل يرجع لعدم وضوح الفكرة عند القيادة في حزب الأمة؟ لآن خطاب رئيس الحزب يمثل الحزب بكل عضويته، أم أن العقل السياسي في حزب الأمة هو الذي عجز عن فهم العلاقة بين الفكرة و متطلباتها، و أيضا بين الرغبات التي تؤسس على المصالح المتناقضة. يبدأ برمة ناصر الخطاب أن الإتفاق خلق واقعا جديدا، ثم يتحدث أن الوضع مقلق للغاية.
هنا لابد من سؤال أخر ماذا يريد حزب الأمة من الاتفاق الإطاري أن يصبح هو مهندس الفترة الانتقالية دون العالمين، أم أنه يريدها مرحلة انتقال للنظام الديمقراطي؟ إذا كان يريد أن يصبح هو مهندس الفترة الانتقالية؛ هذا مشروع لشمولية جديدة ليس له علاقة بشعارات الديمقراطية المرفوعة. أما إذا كان يريد الانتقال للنظام الديمقراطي يصبح تمسكه بالمراحل الثلاث في عملية الاتفاق الإطارى لا تتوافق مع الفكرة. فأي قوى سياسية إذا كانت محدودة العضوية لا تقبل أن يتم التعامل معها بأنها درجة ثانية. فالديمقراطية تؤسس على الندية و توازن القوى و على الحوار. و خطاب حزب الأمة غير واضح لأنه مرة يتحدث عن اشراك كل القوى ما عدا المؤتمر الوطني، و في ذات الوقت يصنف القوى عندما يريد المحدودية بالثورية و غير الثورية ( الريديكالية الجديدة في حزب الأمة). التناقض الأخر في الخطاب يقول ناصر "أن الإتفاق الإطاري مولود شرعي للإرادة السودانية من المدنيين و العسكريين" و الاثنان الذان اشار اليهما ناصر يمثلان قطبي المشكل، و اللذان يمثلان طرفي توازن القوى في الأزمة السياسية، فالحوار بينهما و الوصول لاتفاق تصبح هي ( تسوية سياسية) تجعل الاثنان مسؤلان عن انجاز الفترة الانتقالية، فالعسكر يصبحوا جزءا من العملية السياسية حتى إذا لم يشاركوا في مؤسساتها الدستورية. بعد ما صرح العسكر ابتعادهم عن العمل السياسي و على المدنيين أن يحلوا قضاياهم. أن الحرية المركزي بقيادة حزب الأمة اعادوا العسكر للساحة السياسية بقوة. و الذي يقوم به الفريق أول محمد حمدان وسط القيادات الأهلية و الصوفية و المناطقية لتأييد الإتفاق الإطاري هو عمل سياسي، و الوساطة التي يقوم بها الفريق أول البرهان رئيس مجلس السيادة بين المركزي و الآخرين هو عمل سياسي. و رغم ذلك تتحدث القيادات السياسية أن الاتفاق ليس تسوية سياسية، و يؤكد برمة ناصر في خطابه أن الاتفاق الإطاري مولود شرعي للمدنيين و العسكريين.
قال ناصر في ذات الخطاب " أن الإتفاق الإطاري و العملية السياسية تواجه تحديات أساسية في بناء الثقة و بناء جبهة مدنية ديمقراطية موحدة و إشراك القوى الوطنية الأخرى عدا الحزب المحلول وأتباعه فضلا عن التحديات ذات الصلة بالأجندة الخارجية و صراع المحاور الإقليمية و الدولية" نبدأ بالفقرة الأخير، عندما وقع الخلاف بين العسكريين و المدنيين قبل التسوية التي أنتجت (الإعلان السياسي و الوثيقة الدستورية) قال الحزب الشيوعي عن تلبية عدد من القيادات دعوة لدولة عربية أن زيارات هؤلاء القيادات تعد تدخلا سافرا لهذه الدولة في الشأن السوداني، و سوف ينعكس سلبيا على العملية السياسية، السؤال ألم يكن بين هؤلاء قيادات من حزب الأمة؟ هل رفضت قيادات حزب الأمة اللقاءات التي كانت تتم داخل السفارات؟ أن الأجندة الخارجية تحتاج لعناصر داخلية تحملها و تعبر عنها، هنا نسأل رئيس حزب الأمة كيف تمارس فعلا ثم تدينه في ذات الوقت؟ أما بناء الثقة: يؤسس على الشفافية و الوضوح و العمل في الضوء و على الحوار المتواصل الذي يقرب المسافات بين القوى المختلفة. و التناقض في المواقف و الخطاب سببه عدم الإفصاح بالمصالح إذا كانت شخصية أو حزبية. حزب الأمة كان الإمام الصادق يمثل محور الفكرة لذلك كانت مخرجاته تعبر عن قناعته بالفكرة، اليوم تعددت مراكز القوى داخل الحزب لكنها سوف تظهر بوضوح عندما تصل البلاد للانتخابات.
في المحطة الأخيرة يقول برمة ناصر " أن من أهم مطلوبات بناء المستقبل بناء الثقة و تهيئة المناخ الإيجابي الداعم للعملية السياسية الحالية و توسيع قاعدة المشاركة لكل القوى الحية و المجتمعية في صياغة الإتفاق النهائي الذي ينهي الأزمة الراهنة و يفتح الطريق أمام تشكيل سلطة مدنية كاملة" هذا حديث جميل: لكن كيف ينزل للواقع، و كيف يتم الرجوع للفكرة، و التي تتأسس عليها العملية السياسية (التحول الديمقراطي) فالخطاب في حزب الأمة الدائر في القنوات الفضائية ،و الذي يحمله عدد من قياداته المؤثرة، يتناقض تماما مع الفكرة، لآن حامليه نظرتهم مركزة على (السلطة) و البعض منهم دافعه الرغبات الخاصة. أن الريديكالية التي تتبناها بعض القيادات في حزب الأمة هي ليست ريديكالية داعمة لعملية التحول الديمقراطي، و لا مرتبطة بأداب الريديكالية السياسي، بل هي حالة من التناقض نتيجة لوجود الشباب المستمر في الشارع و رافض التسوية، فالقيادات تريد من تمظهرها الريديكالي أن لا تخسر الشارع، و في نفس الوقت هي راغبة في السلطة. و هنا يقع التناقض بين الفكرة و الخطاب. التناقض ليس وليد اليوم، هي ظاهرة تحتاج لدراسة من داخل حزب الأمة، إذا كانت هناك قيادات مع فكرة ( التحول الديمقراطي) و التناقض بين الفكرة و الخطاب بدأ منذ كان الجنرال عبد الله خليل رئيسا للوزراء عن حزب الأمة و الذي سلم السلطة للجنرال عبود قائد الجيش 1958م. العقيد نميري يستلم السلطة من الصادق المهدي الذي كان رئيسا للوزراء 1969م. عمر البشير يستلم السلطة من الصادق المهدي الذي كان رئيسا للوزراء 1989م. الفريق البرهان يستلم السلطة من حكومة حمدوك، و كان حزب الأمة يمثل الأغلبية في الحكومة. السؤال ما هو الخلل الذي ينتج عن ذلك في حضرة حزب الأمة و يفقد السلطة لصالح العسكر......! نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء