حميدتي وخياراته السياسية

 


 

 

معلوم في الثقافة السياسية أن المواقف التي تتبني على ردة الفعل هي مواقف قابلة للتغيير بنتهاء المؤثر، و أيضا قابلة للتغيير إذا تعرضت إلي ردة فعل معاكسة، فالتعريف لها أنها مواقف غير مبدئية. و من خلال متابعة الأحداث التي تشهدها الساحة السياسية، تجد أن المكون العسكري ظل هو المحرك لها، من خلال قدرته الفاعلة على المناورة و التكتيك، و لديهم القدرة على تحريك أحداث متعددة في وقت واحد الهدف منها تشتيت الذهن السياسي، و جعله لا يستطيع التركيز على هدف واحد. و حميدتي جزء من هذه الآلة العسكرية، و تفكيره لا يستطيع تجاوزها، و سيظل مربوط بها مادام قواته حتى الآن عليها العديد من الاستفهامات، فالقوى المدنية جميعها تطالب بجيش واحد و إدماج الدعم السريع في القوات المسلحة. و أيضا العسكريين في الجيش لا يرفضون هذا الطلب. و أكد ذلك عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة في منطقة الزكياب عندما قال أنهم قبلوا ( الإتفاق الإطاري) لأن بنوده تأكد على دمج الدعم السريع في القوات المسلحة.
أن قوات الدعم السريع استطاعت أن تستقطب العديد من المجندين من خلال دفع مرتبات مجزية مقارنة بالمؤسسات العسكرية الأخرى، إلي جانب ما توفره حرب اليمن من مدفوعات إذا كان من الجانب السعودي أو الأماراتي، ثم الدعم الأوروبي مقابل حماية الإتجار بالبشر و الهجرة غير الشرعية. و انتشار القوات و دورها الأمني في عدد من ولايات السودان استطاعت أن تتيح لقيادتها أن تلعب أدوارا سياسية، و إدماج هذه القوى في القوات المسلحة، سوف يترتب عليها الاستغناء عن العديد من القيادات التي كانت تعمل من قبل في القوات المسلحة و جهاز الأمن و المخابرات لإنتهاء مدة خدمتهم. إضافة أن مساحة العمل السياسي سوف لن تكون متاحة لقيادة تلك القوات. و حميدتي يعلم أن الدمج سوف يجعله يفكر في خيارات أخرى خارج العمل العسكري إذا كان يريد أن يواصل مشواره السياسي.
أن قول حميدتي في خطابه " أنني أكد الالتزام بالاتفاق الإطاري باعتباره المخرج للأزمة في السودان، و الأساس الوحيد للحل السياسي المنصف و العادل" حميدتي يعلم ليس أمامه خيارا غير التمسك ب (الاتفاق الإطاري) لسببين الأول: أن حميدتي في ظل هذه الصراع يبحث عن قوى مدنية توفر له الأمان و تيسر له طريقا للعمل السياسي في المستقبل، المسألة الأخرى: أيضا تضمن له عدم المسألة في العديد من القضايا أبرزها فض الاعتصام و قتل المتظاهرين. لكن مظلة الحرية المركزي ليست بالمساحة االواسعة لتي تقيه من محاصرة الجيش له إذا أرادت قيادتها أن تمارس عليه ضغوط لإعتزال العمل السياسي برتبته العسكرية. و أيضا قال القيادي المخضرم في الحزب الشيوعي صديق يوسف " أن اعتراف نائب رئيس الانقلاب حميدتي بالانقلاب 25 أكتوبر لا يعفيه من المسؤولية ولا من ما أرتكب من جرائم و ما وصلت إليه البلاد. و في جانب أخر رحبت قوى الحرية المركزي بخطاب حميدتي في بيان كانت قد أصدرته قالت فيه " نرحب بخطاب محمد حمدان دقلو، الذي حمل رسائل مهمة و إيجابية في توقيت مفصلي تمر به البلاد" و البيان محاولة من الحرية المركزي أحتضان الرجل و دعمه في مشواره الجديد. و لكن حميدتي لا يستطيع التأثير في العملية السياسية بالصورة التي تترقبها الحرية المركزي، خاصة أن الصراع الذي برز في الخطابات السياسية للقادة العسكريين يؤكد أن الجيش ما يزال هو القوى التي تحدد مسار العملية السياسية التي تتطلع لها الحرية المركزي.
أن الشركات و النشاط الاقتصادي الذي تم تحويله من الدعم السريع إلي اسماء مدنية لآهل دقلو، يؤكد أن قائد الدعم السريع بدأ يفكر جديا في الولوج للساحة السياسية من خلال الجانب المدني، و ربما تكون الفكرة أن يؤسس حزبا سياسيا أو الانخراط في أحد الأحزاب الكبيرة في البلاد. و الأفضل له (حزب الأمة) لنفوذه الكبير في أقليم دارفور، و يستطيع حميدتي أن يرشح العديد من أعيان المنطقة التابعين له بالولاء في عدد من الدوائر الانتخابية. و كما ذكرت تكرارا أن الصراع الدائر الآن في الساحة السياسية السودانية بين القوى المدنية فيما بينها و بينها و العسكريين هي صراع سلطة، فالكل يركز و يريد السلطة. لذلك تجد التحالفات تتشظى و تقوم تحالفات جديدة، و أيضا داخل العسكريين، تتلمسها من خلال التصريحات المليئة باللغة التحدي، و من خلال المصطلحات مثل لا نريد ( إغراق العملية السياسية) فالديمقراطية ستظل شعارات، تستخدمها القوى السياسية في مناوراتها و تكتيكاتها، و لكنها لا تستطيع بهذه الشعارات أن تعبد طريق عملية التحول الديمقراطي. فحميدتي وصلت به القناعة، أن يبحث عن خيارات أخرى تقدمه للساحة السياسية دون قوى الدعم السريع، و تمسكه بالإطاري سوف لن تجعله بعيدا عن حزب الأمة القومي، و الرهان عليه باعتباره يمثل حصان المستقبل لآل دقلو.
أن حمولة خطاب حميدتي لتهدئة الصراع بينه و قيادات المكون العسكري تؤكد أن الرجل لا يريد أن يدخل في صراع معها، لذلك حاول أن يحمل سوء الفهم لعناصر النظام السابق، و قال أنهم لن يسمحوا لعناصر النظام السابق بالوقيعة بين القوات المسلحة و الدعم السريع، و يضيف قائلا نحن في الدعم السريع ملتزمين بما ورد في الاتفاق الإطاري بخصوص مبدأ الجيش الواحد وفق جداول زمنية يتفق عليها. هذا الحديث رغم الظاهر منه هو إبراز صورة الصراع في الإعلام، إلا أن الحديث محاولة للتهدئة، خاصة أن فكرة التحول من العسكرية إلي المدنية السياسية تتطلب إعادة قراءة الأوراق مرة و ثلاث مرات. و ترتيبها بما يتوافق مع الواقع الجديد. أن إمكانيات حميدتي المادية تضطره أن يطرق باب السياسة بهدف تأمينها. أن وصول حميدتي للسلطة لن يتم إلا عبر الانتخابات القادمة، حتى ذلك الزمن يجب عليه أن يرتب أوراقه بما يتوافق مع تلك المرحلة و مطلوباتها.
أن قائد الدعم السريع يعلم أن حل مشكلة الجيوش في السودان و أن يكون هناك جيشا واحدا هي قضية وطنية متفق عليها، و أن القيادات العسكرية إذا كانت تريد مواصلة العمل السياسي عليها خلع البزة العسكرية، و حميدتي يملك الأمكانيات المادية التي تجعله يخوض غمار السياسية من خلال الأحزاب السياسية، و أي محاولة للوقيعة بين القوى العسكرية في هذه المرحلة التي تمر بها البلاد سوف يكون ضحيتها عشرات الآلاف من المواطنين، و تحتاج إلي قدر عالي من المسؤولية الوطنية. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء