حوار (الوطني) والمعارضة…اتفاق الأجندة واختلاف الآليات … تقرير: خالد البلولة إزيرق

 


 

 

الأجندة الوطنية تنتظر

ذهب الجنوب، وبقيت الاجندة الوطنية الاخرى، التي كان أهم اعمدتها تراوح مكانها بين القوى السياسية المختلفة «المؤتمر والمعارضة» ومازال الجدال يدور حولها شداً وجذباً، وتبدو الساحة السياسية السودانية انها على موعد جديد من الحوار على تلك الاجندة الوطنية المتبقية بين القوى السياسية المختلفه، بعد دعوات الحوار التي انطلقت نحوها من احزاب المعارضة التي تطرحها منذ مدة طويلة، والمؤتمر الوطني الذي طرحها وقال انها ستكون بشكل جدي وليس تكتيكاً سياسياً.
الوضع السياسي اضحى قابلا للكثير من التغييرات لمواجهة مستجدات الواقع بعد الانفصال، حيث ان الدولة الأم مواجهة مسألة ترتيب بيتها من جديد فبالاضافة الى التداعيات التي سيخلفها انفصال الجنوب فإن الدولة بحاجة الى صياغة واقعها الدستوري ووضع دستور دائم لها يتطلب توافقاً سياسيا، بالاضافة الى حل الازمات القائمة خاصة قضية دارفور، ومواجهة تداعيات المشورة الشعبية في كل من ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق. وهي قضايا بحسب كل القوى السياسية تستلزم حوارا سياسياً شاملاً لبلورة رؤى وطنية مجمع عليها حول هذه القضايا، وتبدو ان الدعوات المتبادلة من الحكومة واحزاب المعارضة تعكس ذلك بشكل اكثر وضوحاً وان اختلفت التقديرات والآليات لتحقيق ذلك بين الطرفين، فرئيس الجمهورية دعا القوى السياسية الى تكوين حكومة ذات قاعدة عريضة لمواجهة التحديات القادمة، ومن جهتها دعت أحزاب المعارضة الى تكوين حكومة قومية تقيم مؤتمرا دستوريا لترتيب البيت الشمالي بعد الانفصال، وهي الدعوة التي رفضها المؤتمر الوطني وعدها خارج الأطر الدستورية والقانونية، الأمر الذي دفع المعارضة الى التلويح بكرت الانتفاضة الشعبية للاطاحة بالحكومة. إذاً في ظل التحديات الراهنة وشعارات الحوار المرفوعة من جانب الحكومة والمعارضة كيف تبدو فرص الحوار بينهما في ظل التقاطعات الكثيرة بينهما!! القيادي في الحزب الشيوعي الدكتور الشفيع خضر، قال لـ»الصحافة» ان الظرف الراهن يستلزم الحوار بين كافة القوى السياسية، وابدى استعدادهم الاستجابة لدعوة الحكومة للحوار، وقال انهم في الحزب الشيوعي لن يدخلوا في أي حوار مالم يكونوا جزءا في وضع اجندته» واشار الشفيع ان الحوار مع المعارضة الذي يعلنه المؤتمر الوطني لم يسمعوا عنه إلا في الاعلام واللقاءات الجماهيرية، مشيرا الى انهم لم تصلهم حتى الآن رؤية له، واضاف «ان اجندة الحوار التي تطرحها المعارضة تنطلق من الاوضاع الجديدة التي ستنشأ بعد انفصال الجنوب،وفي مقدمتها منع كل مهددات تجدد الحرب مرة اخرى، وادراج القضايا المتفجرة في شمال السودان في بنود الحوار خاصة دارفور وابيي، بالاضافة الى الدستور الدائم والوضع الاقتصادي.
ورغم حالة الاختلاف التي تبدو لناظر المسرح السياسيى بين احزاب المعارضة والمؤتمر الوطني، إلا ان هناك كثيراً من المشتركات التي يراها مراقبون بانها تقرب الشقة بين الفرقاء السودانيين في هذا الظرف التاريخي يمكن ان تعلي من قيمة الحوار الوطني بينها، فاللقاء المفاجئ الذي جمع السيد الصادق المهدي رئيس حزب الامة، بالسيد رئيس الجمهورية عمر البشير مؤخراً أحدث نوعاً من «التنفيس» لحالة الاحتقان التي كانت سائدة في المسرح السياسي بين الطرفين، وفتح نوعاً من الحوار رغم انه بدأ ثنائياً ولكن تأمين قوى الاجماع الوطني «احزاب المعارضة» عليه فهم على انها بدأت مستعدة للدخول في حوار وطني جامع مع الحكومة. وكانت احزاب المعارضة قد كلفت في الخامس والعشرين من يناير الماضي، وفد حزب الامة لتبليغ المؤتمر الوطني عن استعدادها للتفاوض وفق المبادئ الواردة في الاجندة الوطنية عبر فريق تفاوض يمثلها جميعاً الخامس والعشرين من يناير الماضي، وقالت احزاب المعارضة في بيان لها: ان الحوار يتطلب تهيئة المناخ الوطني وذلك عن طريق: إلغاء الزيادات في أسعار السلع الحيوية، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وإلغاء قانون النظام العام، ووضع آليات لإشراك القوى الوطنية كافة في وضع حل عادل وشامل لقضية دارفور بعيداً عن نهج الحلول الأمنية والعسكرية المتبع حالياً، عقد مؤتمر للحوار بين القوى السياسية في الشمال والجنوب لرسم خارطة طريق لعلاقات استراتيجية بين الجنوب والشمال بمشاركة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني جنوباً وشمالاً، والابتعاد عن الانفراد بالقرارات فيما يخص مستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب، وكفالة حرية العمل السياسي ووقف حملات التكفير والتخوين واستغلال دور العبادة وإرهاب الخصوم التي تستخدم فيها أجهزة الإعلام وموارد الدولة. ولكن الدكتور خالد حسين، مدير مركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية، قال لـ»الصحافة» سابقا انه من الناحية السياسية لو نظرنا بصورة عميقة بعيدا عما يجري الآن نجد ان احزاب المعارضة والمؤتمر الوطني ان هذه أكبر فترة يحدث فيها تقارب بين احزاب المعارضة والحكومة، لعدة اسباب، أولاً: كل احزاب المعارضة واحزاب الحكومة وحدوية ورافضة للعمل الذي قامت به الحركة الشعبية المخالف للدستور والقانون فيما يتعلق بقضية الاستفتاء، ثانياً: كل الاحزاب من غير استثناء، استخدمتهم الحركة الشعبية لأجندتها وركلتها، حتى عضويتها من الشمال، لكل هذه الاسباب تعد هذه المرحلة من اقرب فترات التقارب بين الحكومة واحزاب المعارضة، ودعا حسين المؤتمر الوطني لتقديم مبادرة جادة لجمع الاحزاب لمناقشة القضايا الوطنية، وأضاف «للظرف الحالي والمنعرج الخطير الذي يمر به السودان يجب ان تكون هناك تنازلات هنا وهناك بين الاحزاب للوصول لرؤية مشتركة» واشار الى انه لن تستطيع أية قوى ان تحكم البلاد منفردة، لذا لابد من توافق بينها لإدارة شأن البلد حتى لا يتكرر سيناريو الجنوب مرة أخرى».
ومع حديث القوى السياسية الحاكمة والمعارضة بضرورة الحوار كأمثل اسلوب لحل القضايا الراهنة ومواجهة التحديات الماثلة، إلا أن منطلقات الحوار وربما مخرجاته المتوقعة تبدو مختلفة بين المعارضة والمؤتمر الوطني الحزب الحاكم، فاحزاب المعارضة التي ترفع كرت اسقاط النظام القائم وحزبه «المؤتمر الوطني» تطرح اجندة للحوار الوطني تتمثل في حل مشكلة دارفور، والتحول الديمقراطي، وخلق علاقات سلمية مع الجنوب بعد الانفصال، واستكمال بقية اتفاقية السلام الشامل في تطبيق المشورة الشعبية في كل من جبال النوبة والنيل الازرق، وايجاد حلول للضائقة المعيشية التي يعانيها المواطن، وتطالب المعارضة في ذلك بحكومة انتقالية وعقد مؤتمر دستوري يخاطب القضايا الملحة والراهنة في الشأن السوداني. ولكن ما تطرحه احزاب المعارضة كأجندة للحوار يتفق معها فيه الحزب الحاكم ولكنه يختلف معها في آليات وكيفية ادارة الحوار حول هذه الاجندة، فالمعارضة تطرح حكومة قومية ومؤتمراً دستورياً لمناقشة ذلك، فيما يرفض المؤتمر الوطني فكرة الحكومة القومية والمؤتمر الدستوري ويشير الى انه انقلاب على الاوضاع الدستورية القائمة، ومن هنا تبدو المسافة متباعدة بين الطرفين. وكان نائب الرئيس علي عثمان محمد طه، شدد في مؤتمره الصحفي الاخير، على ألا مجال لإنتخابات جديدة او تفكيك المؤسسات القائمة واضاف «أي حوار يستهدف ذلك غير وارد» وقال انه لا مجال لتفكيك المؤسسات القائمة للدولة باعتبار ان مؤسسات الحكم الحالية هي دستورية وليست انتقالية، واشار الى ان الحكومة تدير حواراً مع القوى السياسية حول تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة، وقال ان البلاد بعد الانفصال ستشهد قيام «الجمهورية الثانية» ورأى انه لابد من تجديد يشمل كل الامور حتى لايكون هناك احتكار للمواقع، ودعا القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني ومراكز البحوث والدراسات، الى حوار حول شكل الدولة المقبلة، ورغم تأكيده بالتزام الحكومة بالحكم الرئاسي والفيدرالي الحالي، الا انه ابدى استعدادهم للاستماع الى كافة وجهات النظر لايجاد بدائل.


khalid balola [dolib33@hotmail.com]

 

آراء