ــ8ــ
ــ سلسلة مقالات غير مُحدَّدة الحلقات ، عن مسكوتات جنوب كردفان ــ
omarmnsr@Yahoo. Com
إعتباطيَّة مصطلح (أولادنا) ..
إفتراضيَّة إعتبار الثعابين والعقارب أعضاءاً في (منظومة أفراد العائلة) لوجودها في جغرافية المنزل..
..ببساطة وبراءة وطيبة شديدة ، حد السذاجة .. رُبَّما ، بسبب تلقين وتمريرات مُغْرِضة من آخرين (دون الجُنُوح لنظرية المؤامرة) ، نتبَّنَي أحياناً بعض التعميمات والتعويمات كمُسَلَّمات تحكم حياتنا ونتحاكم بها ، في حين إنها تحمل في داخلها سموم مُعبَّأة في قوارير مياه معدنية نتجرَّعُها دون أن نتوقف أو ننتبه ﻵثارها المُهْلِكة والمُدَمِّرة..
..من تلك عبارة (أولادنا) التي يلوكها بعضنا كثيراً خاصة في مُقايَسات المحاصصات المُتَّصِلة بشئون السُّلطة والكراسي وحالات الإستوزار ، و(التعميد) .. و(التكليف)..
أو أحياناً عند المطالبة بالكف عن تناول الحديث حول البعض بما يُشِين أو التعرُّض لهم بالنقد بدواعي (ما نحرِق أولادنا) .. (ما نكسِّر أولادنا) حتى فى حال يكون (أولادنا) أولاء لا صلة لهم بمن يتحدَّثون إلا من حيث إلإنتماء العرقي الجغرافي الفطري ، ولا صلة لهم بأهدافهم ، ولا صلة لهم بأغراضهم كمجتمعات أو أي كيانات ...إلخ.
..في غالب الحالات لا يفسِّر أصحاب هذه المقولات ما هو المقصود بالضبط وما هو المردود المرتجى للأفراد أو المجتمع في السكوت عن ، أو ستر ، (أولادنا) أولئك..
في حين يمضى هؤلاء الـ(أولادنا) في تلبية أغراضهم الخاصة ، ونزواتهم ونزعاتهم .. بل وربما تدمير وتفريغ مصالح مجتمعهم وكياناتهم التي هم (أولادها) ..!!!؟؟..
ما معنى ومُراد ، وجدْوَى ، الكلمة في هذه الحالة ..!!!؟؟..
.. إنَّه هو شئ مثل حال الشقيق الشليق الصفيق الذي يعمل على إشعال قطيتكم الوحيدة ليسلق بيضة لنفسه فتتركونه يفعل حذَرََ الخلاف معه ، أو يعمل على ذبح بقرتكم الوحيدة التي تقتاتون من لبنها جميعاً فقط لأن (نفسو في شَيَّة) .. فيقول أحدكم دعوه يفعل فهو (أخونا) ..!!!..
..لا أدري إن كان التواطؤ والتناصُر مع حالات كهذه يمكن أن تُصَنَّف أنَّها من باب الحميمية والأُخُوَّة .. أو الطيبة والأريحية .. أم تستحق توصيفات أخرى مُغايِرة تماماً..
..الواقع أن نصب مثل هذه التابوهات اﻹجتماعية المُقَدَّسَة كأصنام وتماثيل للطواف حولها هو نوع من التدجيل والتدليس والتلبيس على العقول ، وتمييع مواقف الناس ، وتضييع حقوقهم ، وتصعيب وتعقيد محاولات التصحيح والتصويب..
وهو لا يعدو أن يكون نوعاً من أساليب (تمكين) وتركيز الترميز التضليلي المعيق والمعيب في المجتمع..
.. إن (الترميز التضليلي) هو أن يسعى من تحاججه بالمحاصصة والمشاركة والتقاسُم في أي شأن ، وبدلاً من أن يعطيك الفرصة لتختار من يمثلك عنده (براحتك) ، يعمد هو ، في (تضليلك) بحركة تمويهية ، إلى إختيار شخص هو في الظاهر (من عندك) نسباً او عرقاً أو تنظيماً أو ... لكنَّه في حقيقته ، وفي عقليته وذهنيته ونفسيته ، يُمَثِّل مصالح هذا (الآخر) الذي يناورك ويناوئك ويسعى لعزلك ، تهميشك ، إقصائك ، من أي حقوق أو مشاركة أو تقاسُم ما .. أو حتى ينوي إزاحتك ، إزالتك ، إستئصالك ، من الوجود أو الحياة ليخلو و(يحلو) له ما تتنازعان فيه أو ما تود أنت مشاركته فيه أو نيل نصيبك منه..
.. على تلك الصورة ، وفي حركة تمويهية (تضليلية) ، يعمد (المركز) في ترضية خطاب المُحاصصات المناطقية والعرقية ، فبدلاً من ترك الأمر لأصحاب القرار من ذات المناطق والأعراق التي يريد إرضائها وترميزها وتمثيلها ، يعمد إلى إختيار من هُمْ في في صورة وملامح (أولادنا) ، نسباً لمنطقة او عِرْق ، ولكنهم في وجدانهم وعقليتهم وذهنيتهم ونفسيتهم يمثلون المركز نفسه ، ومصالحه التي تطابق وتوائم مصالح مثل هؤلاء (الأفراد) الترميزيين التضليليين..
..وبهذا القياس والتوصيف والمثال فإن عبارة (أولادنا) التي يطلقها بعضنا في إعتباطية بالغة السذاجة ، خاصة من قُوَى الهامِش الجغرافي ، تحمل في غالب الأحايين إتجاهين ، مُضِرَّين ومُدمِّرَّين في كليهما :
1ـ أحدهما .. غرض خبيث وماكر من (الآخر) في كبح وكبت الناس بمثل هذه المفردات ذات الخطاب العاطفي والدغدغة النفسية ، والتلويح لهم بلوحة التابوه الإجتماعي والعيب لتمرير هذه النماذج من (الرموز التضليلية) وفرضها على الناس ووضعهم فوق رقابهم وإقحام المنادين بالحقوق وإقامة الحجة بها عليهم (فِيمَ تنازعوننا هَا هُم فلاناً وفلاناً من أولادكم معنا) ــ لاحظ عبارة (معنا) ــ ، وقفل الفرص أمام رموز آخرين كان يمكنهم أن يمثلوا الصورة الحقيقية والجادَّة لهؤلاء سواء كان الـ(هؤلاء) كياناً جغرافياً أو إثنياً أو سياسياً أو أي شكل من أشكال الكُتَل الإجتماعية من حيث الوجدان والتطلعات والأهداف والمصالح الحقيقية لهم.
2ـ وثانيهما ، عبارات إعتباطية ساذجة مضادة ومناقضة لمعانيها المقصودة حين يأتي المصطلح من بسطاء العقول ، الأبرياء في نواياهم ومراميهم ، الذين يقصدون بمثل هذه العبارة (أولادنا) الرموز النمطيين المنْتَمين لهم إثنياً أو جغرافياً ، وهم في واقعهم وحقيقتهم جزء أصيل وركن ركين في بِنْيَة وبناء المركز ، على نقيض ما يقصده الطيِّبون الأبرياء مِمَّن يطلقون تلك المفردة بحسن نية وطيب قصد..
.. والواقع إن (المركز) في إصطلاح الصراع السياسي السوداني ، هو ليس (ينبغي أن لا يكون) الشمال النيلي (الجغرافي) .. أو الشمال الإثني العرقي ، وإنما المركز أو (مؤسسة الجلابة) هو توصيف لجملة المشاركين والمتواطئين ، في أو مع ، نمط السلوك والممارسات السائدة في (مؤسسة السلطة المركزية) ..
والطبيعي إن (مؤسسة المركز ، مركز السلطة ، مؤسسة الجلابة) هذه لم تَعُدْ إتجاهاً جغرافياً أو عنصراً عرقياً مُحَدَّداً وإنَّما (منظومة طُفيلية إنتهازية نفعية) بعضويات من كافَّة إتجاهات السودان ، و من كافة عرقياته وعناصره ، إلتقت وإجتمعت في تكتُّل يخدم ذواتهم ومصالحهم ونزعاتهم ونزواتهم ولا يبالون في ذلك إن تضرَّرت أو تدمَّرت مصالح أو قضايا الجهات الجغرافية أو العناصر العرقية التي ينتمون إليها أو التي جاءوا منها ، أو التي يدَّعون إنهم يمثلونها ، أو التي جِئَ بهم تمثيلاً أو ترميزاً لها..
.. وبالتالي فإن (المركز) ، أعتقد ، إنه في إصطلاحه السياسي المقصود حتى في خطاب الإصلاحيين والمُتَظلمِين والثوريين تطوَّر وتحوَّر إلى أن يكون تلك (المؤسسة) المنغمسة في توظيف ثروات ومقدرات البلاد لمصلحة أفرادها ومنسوبيها ، والمتكوِّنة من ضعاف النفوس ، وعديمي الضمائر ، والساقطين أخلاقياً من كافة إتجاهات الوطن بما في ذلك أبناء الهامش السوداني مَثَار ، ومُثِير ، النزاع والإحتقان .. بل أن أبناء الهامش الجغرافي هؤلاء المنضويين تحت (مؤسسة المركز) النفعية هذه ، هم أسوأ عناصرها وأخبث ركائزها على الإطلاق بحكم :
1ـ جَدَّتهم وحداثتهم علي هذه المؤسسة وبالتالي جِدِّيتهم وحرصهم على إثبات أهليتهم في الإنتماء لها ولخصائصها ، وإستماتتهم في تأكيد ولائهم لكهنة و(كَجَرَة) هذا المركز وعناصرها وأساطينها القديمة و(الأصيلة)..
وعلى ذلك يخدم ــ أولئك الهامشيون الجغرافيون المنتسبون للمركزــ الأجندة بإنصياع كامل وإخلاص و(ضمير) من أجل تثبيت ذواتهم وتوطيد أرجلهم وإكتساب الثقة من المؤسسة ما أمكن..
2ـ غالب هؤلاء الوافدون الجُدُد على (مؤسسة المركز) ، (المأخوذين كرموز تضليلية) ، مُختارون بعناية من عناصر هشة وبسيطة وساذجة في عقولها ، جامحة وشهوانية في تطلعاتها الخاصة ، وبالتالي يغيب عليها ، وينعدم عندها اﻹستيعاب لـ(الكليات) و(الإستراتيجيات) وتنعدم فيها الإرادة الخاصة ، فيدورون في فلك المركز بلا وعي مثل المنوَّمِين مغناطيسياً أو حال (الثور في مستودع الخزف) يُدَمِّر ويُهَشِّم ويحيل كل شئ إلى ركام دون أن يعي ما يفعل..
3ـ بحكم إنتماء غالب هذه العناصر لمناطق فقيرة إقتصادياً ، ومجتمعات ضعيفة وتعيش في ظل الأحداث ، ومغيَّبة سياسياً ، فهي الأكثر هلعاً و(تَخلُّعاً) وتلهُّفاً على إكتساب عضوية المركز المتواطئة على المصالح الخاصة ، والأكثر تماهياً مع مكاسبها الخاصة ووضعيتها الجديدة ، والإستعداد للعب أي دور في سبيل الحفاظ على هذه المكاسب الخاصة والوضعية الجديدة والبقاء فيها..
..وعلى هذا فإنه .. حتى بعض المنسوبين لتيارات التحرُّر والحركات الثورية ، ومناضلي الحرية والمساواة والعدالة الإجتماعية يرتكبون خطأً فاحشاً ويُبْتَنون ويتَبَنُّون خللاً مفصلياً في مفاهيم تأصيل وفلسفة صراعهم حين يختزلون عقيدة الصراع على إنَّه صراع بين هامش جغرافي ومركز (جغرافي) ... أو هامش عنصري عرقي ومركز (عنصري عرقي) ، دون النظر والوقوف عند التطوُّر والتحوُّر الذي أصاب المصطلح منذ صورته التقليدية أيام النشأة الأولى للصراع ، وملاحظة أن أُناساً ورموز وشخوص من ذات عناصرهم اﻹثنية والعرقية ومن ذات جهاتهم المناطقية والجغرافية تحوَّلوا إلى (مركز) في سلوكهم ونفسيتهم وذهنيتهم تواطؤاً مع مصالحهم الخاصة وأطماعهم ، وصاروا أولى بـ(المكافحة) من أي عناصر مركز أخرى بعيدة..
..لذلك فإنه حتى في حالات النزاع والمشاجرة الفردية التقليدية البسيطة إذا إنبرَى شخص من منسوبيك ــ صورةً و رسماً ــ (قُل شقيقك مثلاً أو جارك) للوقوف بينك وبين عدوك الحقيقي الذي تنازعه أو(تتشاكل معه) وتقمَّصَ دور (الحَجَّاز) بطريقة إنتقائية بأن يجعل (الآخر) (يضربك ، يفلقك ، يطعنك) من خلفه ، بينما أنت لا تتمكَّن من فعل شئ بسبب هذا (القريب) الخبيث ، أو البسيط البليد ، الذي (يلاوز ليك) فيحجب عنك خصمك ولا يحجبك عنه ، فلا مناص ولا مفر عندئذ من أن (تتصرَّف) أولاً في هذا (الحجَََّاز) الخبيث ، أو البسيط البليد ، و(تزيحه) من طريقك لتتمكَّن من خصمك أو عدوك الحقيقي وتنال منه أو تنجو من ضرباته وإصاباته لك من خلف هذا (الحَجَّاز) الخبيث ، أو البسيط البليد المنتمي إليك صورةً وشكلاً..
و إلا فلا محالة أنت هالك إن تردَّدت في ان (تهْبِشُهُ) ، وردَّدت في نفسك إنه (زولك) ، (قريبك) ، أو (أولادنا) رغم الضرر البيِّن والإِضْرار الواضح الذي تجده منه..
..وكذا في الصُّرَاع البيئي التقليدي (المُصارَعة) إذا لم تجد من (الصَبَّارِي) الذي ــ إفتراضاً ــ هو شخص يعمل على الفصل بين المصارِعَين حين يطول الأمد بينهما في الصراع دون أن يغلب أحدهما الآخر ويصرعه .. وتتكافأ قوَّتاهما ومهاراتهما ، ولكن لم تجد من ذلك (الصَبَّارِي) إلا أنه (يلخمك) كل مرة في محاولة فصلكما فيجعل ، بمُكايدة منه أو بجهله وبساطته ، (الآخر) يتمكَّن منك ويصرعك ، فإنَّه في حال تكرار هذا الحال لن يكون أمامك إلا أن تأخذ هذا (الصَبَّارِي) المُكايِد أو الجاهِل والبسيط ، أو الأبله العبيط ، فتلقي به أولاً خارج الحلبة خلف الجماهير حتى تنال مصارعة نظيفة ونزيهة وعادلة مع خصمك ، يكون الفيصل والحكم فيها قدراتكما ومهاراتكما الحقيقية..
..لذلك ، أعتقد من السذاجة و(الطيبة المُدَمِّرة) والعبط ، التلويح بلافتة وشعار مهترئ إسمه (أولادنا) ..
(ما نحرِق أولادنا)..
(ما نكسِّر أولادنا)..
(ما نسئ ﻷولادنا)..
كنوع من تعبئة السموم في قوارير المياه الغازية ، أو كلمات الحق التي يراد بها الباطل ، بغرض تكبيل و(كعبلة) الناس من تعرية هذه الطواطم والدُّمَى والتماثيل والأراجوزات التي هي في صورة وملامح (أولادنا) بحساب الجغرافية والعرقيات لكنهم (أساطين المركز) و(أركان الجلابة ، الجلابيسيم) ــ في إصطلاحه السياسي وليس العرقي أو الجهوي ــ بحساب السلوك والممارسات والنفسيات والذهنيات..
وليكن بكاءنا بدلاً عن ذلك :
(ما نحرِق بلدنا ، منطقتنا)..
(ما نكسِّر بلدنا ، منطقتنا)..
(ما نسئ لبلدنا ، منطقتنا)..
..إلا إذا إفترضنا أنه يمكن أن نتَّخِذ الثعابين والعقارب والعناكب جزءاً من (منظومة الأسرة) .. و(أفراد العائلة) .. و(أولاد البيت) فقط لكونها موجودة معنا داخل جغرافية المنزل ، وتتقاسم معنا السكن..
.. تتواصل السلسلة..
.. و كونوا بخير ..
عمر منصور فضل
26 سبتمبر 2016