دارفور- غزة وبالعكس
مصطفى عبد العزيز البطل
21 August, 2014
21 August, 2014
غربا باتجاه الشرق
mustafabatal@msn.com
ظللت أرقب باهتمام شديد وقائع وتطورات الحرب التي استعر أوارها مؤخراً - في بعض وسائط التواصل الاجتماعي والمساطب الاسفيرية - بين غزة ودارفور. او بالاحرى بين المساندين لحركة المقاومة الاسلامية في معركتها مع المارد الاسرائيلي من طرف، واولئك الذين يزعمون انهم يتحدثون باسم شعب دارفور وجبال النوبة من طرف ثان.
وجل الأخيرين من مناصري الجبهة الثورية وفرقها المتناسلة التي ترفع السلاح، يتبعهم الغاوون من كارهي الحركات الاسلاموية. منهم من تمنى لو ان اسرائيل ألقت على غزة قنبلة نووية تصعق قادة وكادرات حماس في يوم واحد فتفنيهم عن بكرة أبيهم. وقد تضاعف حنق الحانقين بعد ان كشف د. محمد سعيد خليفة رئيس البعثة الطبية السودانية التي عادت من غزة مؤخراً ان حكومة السودان قدمت لضحايا غزة مساعدات بلغت قيمتها مليون دولار. وأن عددا من جرحى العمليات سيتم نقلهم بالطائرات من غزة الى مستشفيات الخرطوم.
أخذ هؤلاء يجوبون مدن وأحياء الشبكة الدولية، يشددون النكير على كل من ابدى قدراً ولو يسيراً من التعاضد والتعاطف مع الحال الأليم الذي انتهي اليه أهل غزة خلال الاسابيع التي تكاثف فيها العدوان الاسرائيلي على القطاع. والدعوى واحدة: "انتم منافقون. لماذا تبكون غزة وقتلاها؟ وماذا بشأن ضحايا دارفور وجبال النوبة، لماذا لا نرى عيونكم تدمع عليهم، مع انهم من مُساكنيكم ومواطنيكم، وهم الأولى بعويلكم ودموعكم"؟
وحيثما صادفني هؤلاء كانت اجابتي عليهم، لا بالأصالة عن نفسي بل بالإنابة عن السوادنة من داعمي حماس: بل انتم الكاذبون، وانتم من يلوي عنق التاريخ!
نعم، ربما تلطخت أيدى كثيرة بدماء ضحايا دارفور وجبال النوبة وجنوبي السودان في مراحل شتى من تاريخ هذا الوطن الممحون. ولكن هل كانت الحركات المسلحة منذ تأسيسها تسير على خطى بابا نويل والام تريزا؟ هل كانت تواسي وتطعم وتسقى وترد سوط العذاب عن ظهور الابرياء؟ أم انها كانت هي التي أوقدت النار في المبتدأ؟ حين جيّشت ابناء الفقراء والمعوزين في بدايات الألفية، وارسلتهم فوق أمتنة المركبات، يقتحمون المدن وينهبون البنوك والمتاجر، ويحرقون المرافق العامة ويروّعون الناس (في عام 1986 تفاخرت الحركة الشعبية باسقاط طائرة الخطوط الجوية السودانية فوق سماء ملكال بصاروخ ارض-جو وقتل اكثر من مائة وثمانين راكباً مدنياً).
ثم سلكت ذلك النفق الطويل المرذول، الذي ابتدرته بشغب العصابات وبلغت غايته بالكتائب المسلحة شبه النظامية، التي يعلق نصف افرادها على اكتافهم رتب الفريق واللواء. ثم كان تمرد الفرقتين التاسعة والعاشرة الذي أنفذته الحركة الشعبية عقب خسارتها للانتخابات، فأذاقت من جرائه أبرياء (الهامش) - وما تزال - أهوالاً يعجز عنها الوصف!
قلت ان تلك كانت اجابتي بالإنابة عن انصار غزة لا بالاصالة عن نفسي، لسبب بسيط، وهو انني لا اناصر حماس بل أزدريها، ولا أدعم (جهادها) وإنما أراه عبثاً من العبث. ثم أنني لا ارى فارقا بينها وبين الحركات المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية. تلك التي أفنت آلاف الابرياء دون طائل.
في يناير 2009 أشعلت حركة حماس فتيل معركة من سلسلة معاركها عديمة الجدوى مع اسرائيل، ثم اطلقت على تلك المجزرة اسم (غزة العزة)، فيما اطلق عليها جيش الدفاع الاسرائيلي اسم (عملية الرصاص المصبوب). قتل في تلك المعركة 1471 فلسطينياً منهم 942 مدنياً و418 طفلاً و111 امرأة، وجرح 4336 مدنياً (راجع ارشيف نيويورك تايمز). اما معركتها الكارثية التي افتعلتها مؤخراً، بعد اختطافها وقتلها لثلاثة أيفاع اسرائيليين من تلاميذ المدارس، فقد راح ضحيتها حتى الآن ما يربو على الألف ومائتي شهيد، وسبعة آلاف جريح. ومع ذلك فما زالت قناة الجزيرة تنقل صور المأساة تحت عنوان (غزة تنتصر)!
ما هو العائد الحقيقي؟ لا شئ. الفرضية الأساس لوجود حماس على الساحة هو أنها، خلافا للتنظيمات العلمانية مثل حركة فتح، تطرح شعار الكفاح المسلح لتحرير فلسطين، وترفض بالتالى أى سلام مع إسرائيل، بل وتسعى حثيثاً لتقويض كل جهود التسوية السلمية. وواقعياً فإن الشئ الوحيد الذى بمقدور حماس أن تفعله لإثبات أنها فعلا حركة تحرير مسلح هو إطلاق قذائف الكاتيوشا داخل الفراغ الهوائى العريض المحاذى للقطاع باتجاه سديروت وعسقلان وأشكلون والنقب الغربى وغيرها من مدن الجنوب الإسرائيلى، على أمل أن يقع واحد منها على مكان مأهول فيصيب رجلا أو إمرأة أو طفلاً، او حتى حيواناً أليفاً اسرائيلياً!
وذلك نوع من (الكفاح المسلح) يشبه طنين الذباب حول أذنى الفيل، قد تفسد مزاجه، وربما تثير أعصابه. ولكنها بالقطع لا تحرر مثقال خردلة من ارض فلسطين.
العار لآلة الحرب الصهيونية، وتبّاً لدجاجلة حماس وتباً لأدعياء (ثورة الهامش) السودانية. اسرائيل ظالمة، وحماس مُخاتلة، تكذب على شعبها. تماماً كما تكذب الحركات المسلحة التي وعدتنا ب(تحرير) السودان، ففصلت جنوبه واسلمته للحرب الاهلية، ودمرت دارفور وجبال النوبة تدميرا. ثم أخذت تلومنا لأننا لم نبكي على ضحاياها بما يكفي!
نقلاً عن صحيفة (السوداني)