دروس قديمة وجديدة في استباحة الوطن!

 


 

 

 

التخريب الذي حدث في السودان في العقود الثلاثة الأخيرة لم يكن وليد صدفة أو إهمال، بل كان تخريباً ممنهجاً مقصوداً من جهة، كما كان من أجل مصلحة أفراد من جهة أخرى.. ونبدأ بالشواهد الصغيرة (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها) ومن المعلوم أن أي بقعة في السودان لها حكايتها التي توضح مدى الاستباحة التي جاءت من جماعة (هي لله) فمما يذكره أهل آم درمان أنه وفي أوائل التسعينيات (المنكورة) استطاع احد أقطاب الجماعة أن يلغي خط سير المواصلات العامة من محطة الهجرة بودنوباوي لأنه كان قد استورد سيارات خاصة به، وأراد أن ينفرد بالعمل في خط الثورة- الخرطوم مروراً بودنوباوي.. وفعلاً استطاع أن يرغم شركة المواصلات العامة على إلغاء هذا الخط من أجل سياراته الخاصة..هذا الرجل ذهب إلي رحمة مولاه، ولكنه في أيامه الأخيرة (والله يقبل التوبة الصادقة بشروطها مع رد الحقوق) هاجم جماعته هجوماً كاسحاً ونعى السودان بسبب أفعال جماعته قائلاً: (شلت عليه الفاتحة) ومما قاله إن حركتهم دخلت السلطة وخرجت منها مضعضعة وفيها ظلم وفساد شديد، وأدت إلى مفاهيم معاكسة للقيم التي يحملها الناس، وقال: بعض الإخوان زاروني في المنزل ومن بينهم حسن الترابي وقال انه قال لهم "اخجل أن احدث الناس عن الإسلام في المسجد الذي يجاور بيتي بسبب الظلم والفساد الذي أراه، ولا استطيع دعوة أحفادي لينضموا إلى الإخوان المسلمين لأنهم يرون الظلم الواقع على أهلهم"! وقال في معرض مقارنة جماعتهم بـ(حماس) إن مستقبل الحركة في السودان ضعيف للغاية وأضعف من أي بلد إسلامي، فالسلطة كانت بيدهم مية في المية وليس مثل حماس، ولكنهم أضاعوها وانهارت كل القيم ولم يتم تنفيذ أي شعار منها مثل نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع ..فلا تجارة ولا زراعة ولا صناعة.. والتجارة الآن امتلكتها الحكومة عبر شركاتها الخاصة، ويوم تنهار الحكومة ستنكشف عورات كثيرة..! ومضى إلى كلام اخطر من هذا.. وهو حديث في لقاء صحفي منشور يمكن الرجوع إليه.. والغريب أن تاريخ هذا الكلام أغسطس 2007..فما أهون ما تحدث عنه الرجل..وما أكثر الماء الذي مر تحت الجسور!

ضربنا هذا المثال الصغير عن (حافلات رجل الحركة) الذي تأتمر شركة المواصلات العامة بأمره، من غير أن تكون له وظيفة رسمية في الدولة، فهو ليس مديراً للمواصلات ولا وزيرً للنقل.. ولكن كان في إمكان أي رجل من حركتهم الإسلامية أو حزبها أن يفعل بالسودان والملكية العامة ما يشاء.. وإنما هو التمكين والمصلحة الشخصية.. وتطوّر الأمر طبعاً من (حافلات ودنوباوي) إلى سكك حديد السودان ومشروع الجزيرة والمصانع والأراضي والفابريكات والعقارات والخطوط الجوية والبحرية والنقل النهري والموانئ وخدماتها التي يدافع عن بيعها أو إيجارها من الباطن سراً الآن (وزير النقل الهمام) ممثل حصة الاتحادي الديمقراطي الذي أصبح (أكثر مؤتمرجية) من المؤتمر الوطني ..الرجل الذي أعلن منع الصفوف في السودان (عدا صف الصلاة) والذي لم يفعل مقدار خردلة لمعالجة حالة النقل في البلاد، ولم يسأل عن دماء السكة حديد، ولا حالة سودانير التي لا تملك طائرة واحدة، ولكنه (رفيق النفرات) الذي يقدّم المؤتمر الوطني على حزبه، الرجل الشاطر الوطني الغيور الذي دعا في مخاطبته إلى تفويت الفرصة على المتربّصين وأصحاب الحزبية الضيقة..أرأيت كيف يجيد ترديد عبارات المؤتمر الوطني..! طبعاً عرف الناس ماذا يقصد بالمتربصين ...لقد اختار أين يقف وماذا يقول.. وكل ميسر لما خلق له!

murtadamore@yahoo.com

 

آراء