ديمقراطيات انفجارية (0.أ) : دخاخينك. “دقسة” سودانايل, وإقحام إسرائيل في إنقلاب البرهان

 


 

مازن سخاروف
27 October, 2021

 

نشرت أولى حلقات هذه السلسلة من المقالات بتاريخ الأمس الإثنين 25 أكتوبر بسودانايل على المشباك:
https://sudanile.com/%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a5%d9%86%d9%81%d8%ac%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%a9-1-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%88%d8%a7%d8%b2%d9%8a%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%86%d9%82/
ديمقراطيات إنفجارية (0.أ): دخاخينك. "دقسة" سودانايل, وإقحام إسرائيل في إنقلاب البرهان
أتراجعُ خطوة إلى الخلفة مقدما خلفية "صفرية" (من جزئين, ألف وباء) لمادة المقالات من آخر نقطة وقفت عندها في مقالة الأمس؛ إقتباس:
"وإنقلاب البرهان كذلك, فمن ورائه ذات الأيادي الأنقلوساكسونية المولعة بالخيانة ذات المحاضر الوهمية لإلهاء الجماهير عن التوثيق الحقيقي للإنقلاب وذراع البلاط الطويلة من خلفه."

ألفت نظر القارئ لـ "المحاضر الوهمية" إلهاءً عن "التوثيق الحقيقي للإنقلاب" المتورط فيه البلاط الأنقلوساكسوني حتى أذنيه كما أقترحت.
"الوهمة", أو بالأحرى "التلفيق" الذي تم دسه, خبر طلع علينا صباح اليوم الثلاثاء (ثاني يوم من الإنقلاب) في مقال نشره موقع سودانايل ويحكي قصة ركيكة بعنوان: "منظمة تكشف عن تورط اسرائيل بالوقوف خلف الانقلاب العسكري بالسودان ودعم حمدوك رئيسا للسودان" على هذا المشباك:

https://sudanile.com/%d9%85%d9%86%d8%b8%d9%85%d8%a9-%d8%aa%d9%83%d8%b4%d9%81-%d8%b9%d9%86-%d8%aa%d9%88%d8%b1%d8%b7-%d8%a7%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%82%d9%88%d9%81-%d8%ae%d9%84%d9%81/
حتى مساء اليوم الثلاثاء بتوقيت لندن سجل "الخبر" أكثر من أربعمائة مشاهدة, وورد فيه نصا:
" بيان صحفى
كشفت منظمة العدل والتنمية للدراسات عن تورط اسرائيل بالانقلاب العسكرى بالسودان على المدنيين وحكومة عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السودانى وذلك بعد زيارة قام بها وفد عسكرى سودانى لتل ابيب بتعليمات من الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السودانى وتضمن الوفد نائب قائد قوات الدعم السريع الفريق عبد الرحيم دقلو حميدتي ومدير شعبة الصناعات الدفاعية مرجاني إدريس سليمان
واكد المتحدث الرسمى للمنظمة زيدان القنائى تورط اسرائيل ودول اقليمية بترتيب الانقلاب العسكرى داخل السودان ودعم اسرائيل للفريق عبد الفتاح البرهان كرئيس قادم للسودان مما دفع البرهان للتحرك العسكرى والاطاحة بالحكومة السودانية
وطالبت المنظمة البيت الابيض والخارجية الامريكية وادارة الرئيس بايدن والاتحاد الاوروبى ومجلس الامن الدولى والامم المتحدة باصدا ر بيانات واضحة تؤكد ان ما حدث داخل السودان انقلاب عسكرى على ارادة السودانيين
ودعت المنظمة لاعادة المسار الديمقراطى الانتقالى بالسودان والالتزام بالوثيقة الدستورية التى وقع عليها العسكريين والمدنيين والافراج عن رئيس الوزراء وكافة المعتقلين."
إنتهى إقتباسي للخبر ولم أضف له سوى النقطة بعد أخر كلمة فيه, أي "المعتقلين".
لأن المؤمن بطبعه حذر, اشتممت عند قراءة القصة رائحة غريبة نفاذة تفوح عادة من الأخبار المفبركة: أولا القصة نفسها, وثانيا مصدر الخبر. من الخبرة المريرة للمرء في شؤون كتلك تخص إسرائيل أن الدولة العبرية حين تتورط في أمر مثل هذا, فليس من دأبها إطلاقا, ناهيك عن دأبها المرتبط بمصلحتها في التكتم تسريب الخبر أو "السماح" لجهات أخرى بـ"لواكة" الكلام. الذي حدث هو العكس؛ فغير "خبرنا" الذي "دقس" فيه موقع سودانايل "دقسة العدو" بنقله من مظانه دون تحرّ, وجدت أن عددا من وسائل الإعلام, بما فيها الموقع المختص بـ"حوار شمال الإطلنطي" ذكر أو أوحى بشيئ عن علاقة لإسرائيل بإنقلاب البرهان يوم أمس (صاح كان كضب)؟ الموقع المذكور ذكر خبرا (تقريرا مختصرا) بتاريخ أمس الأول, الإثنين 25 أكتوبر (ذات يوم الإنقلاب) ترجمة عنوانه: "إسرائيل تلتزم الصمت حول إنقلاب السودان في ظل جهود للتطبيع". العنوان بالإنجليزية كان:
“Israel remains silent on Sudan coup amid normalization push”
ترجمتي لإفتتاحية التقرير, ثم جزئية أخرى مهمة فيه إقتباس:
لم تقدم إسرائيل أيّ رد رسمي على إنقلاب الإثنين بالسودان, بينما يقوم المسؤولون بمتابعة التطورات في الدولة التي وقّعت على صفقة لتطبيع العلاقات قبله (أي الإنقلاب, سخاروف) بسنة". إنتهى اقتباسي لافتتاحية الخبر. وعند التدقيق, وجدت اللافت أكثر للنظر؛ فالموقع المذكور نقل خبره عن صحيفة "تايمس أوف إيزرايل" بذات العنوان, ونسب وكالة الأسوسِ يايتد برس AP ضمن من ساهم في تقريره.
وجدت ذات العنوان بمحتوى مشابه جدا في خبر آخر نشره موقع theworldnews.net وكذلك ونسب وكالة الأسوسِ يايتد برس AP ضمن من ساهم في تقريره.
قبل أن أمضي قدما, أورد جزئية أخرى من الخبر لكل من نقلوه بالأعلى أو شكل جزءا من تقاريرهم:
"الأسابيع القليلة الماضية شهدت إتصالات متكررة بين المسؤوليين السودانيين ونظرائهم الإسرائيليين".

أستطيع أن أقدم ثلاثة إستنتاجات:
أولا, الخبر الذي ورد بذات العنوان من كل صائغ أو ناقل له معنى قريب وآخر بعيد في بطن الراوي الذي يود الإيحاء بأن إنقلاب البرهان إسرائيل "داخلة فيه على الخط".
ثانيا, هناك تنسيق "جنتلمان" بين الأطراف المختلفة, مواقع, وكالات أنباء كما صحيفة إسرائيلية لوضع ذلك الإيحاء وترك ذلك الإنطباع في عقل القارئ.
ثلاثة, ظهور الخبر من أساسه وبالطريقة التي صيغ به ثم ذاع وعم بعض قرى وحضر الإنترنت يدل على أن إسرائيل "ست الشورة" راضية عن العلاقة المزعومة لها بالإنقلاب. ما يعضد ما وصلت إليه أن بعض الصحف الإسرائيلية تمادت في "تقمص الدور" حتى زعمت بأن إنقلاب الزعيم العسكري (أي البرهان) سيقوم بدفع التطبيع على الأرجح.
المصدر, آريَل كاهانا, صحيفة إسرائيل هايوم, ذات التاريخ, 25 أكتوبر 2021. المشباك:
https://www.israelhayom.com/2021/10/25/Israeli-official-sudan-military-leaders-takeover-likely-to-boost-normalization/
الذي لا ينتطح فيه عنزان أن الصحف الإسرائيلية لديهم "تفاهم يهود مع بعض" أن وسائل الإعلام لا تنشر مواد إخبارية يمكن أن تضر بالمصالح الأمنية الإسرائيلية. كما هناك تنسيقا بين الإعلام المسموع, المرئي والمقروء وبين الجهات المختصة للتشاور قبل النشر حول الأمور "الرمادية" فيما يتعلق بالمصلحة الأمنية لبلدهم. هذه مفروغ منها.

قبل أن نقفل عائدين إلى افتتاحية مقالنا عن "دقسة" موقع سودانايل في نقل الخبر المذكور ليس فقط بالإيحاء على استحياء, بل عن تورط علني مزعوم لإسرائيل في إنقلاب البرهان, سؤالي هو, ما هي مصلحة إسرائيل في تسريب والترويج لأخبار مفبركة عن تورطها في إنقلاب البرهان؟
رأيي أن إسرائيل, أيها السادة تعمل تغطية على الأيادي الحقيقية الخفية وراء الإنقلاب. ولا أستطيع سوى ذكر ما يعرفه الجميع, وهو مغادرة المبعوث الأمريكي السودان المنكوب عشية الإنقلاب (1). يعني بالعربي النجيض, أدى الإشارة وشتت. في تقديري, فلتمان لم يطلع على الإنقلاب (رسميا على الأقل). لكن هذا لا يمنعه من إرسال الرسالة إلى من يهمه الأمر وتفقد اللمسات الأخيرة من وراء حجاب. يمكن أن نقول, أدى دوره في التغطية ثم إنسحب. السي آي إيه تؤدي الجزء القذر, بينما قسم الدولة (وزارة الخارجية*) الذي يمثله فلتمان يتركه لتأدية شخصية الرجل المهذب فوق الشبهات. هذا طبعا لا يمنع الولد المهذب فوق مستوى الشبهات من التنسيق قبيل "ساعة الصفر" مع كل المشبوهين المعتادين في دنيا الإجرام السياسي داخل وخارج السفارة الأمريكية: بما يشمل مديرة "المحطة" في الخرطوم. وتلك حجية أخرى.
توزيع الأدوار يتم على الأرض كما في العوالم الإفتراضية في دنيا الإعلام: فالإعلام الناشر باللغة الإنجليزية يصدر نشرات إيحائية بنبرة هادئة وحسب حول علاقة إسرائيل المزعومة في الإنقلاب. بينما يترك الدراما "العنيفة" للعرب, أمثال "زيدان القنائي" (نفس النظرة النمطية المعتادة, فالإسرائيلي حين يغضب يغضب للإنسانية, بينما "الآخر فهو مثل أي نابح أو ذي "هوهوة", أي مجرد كانئ دوني غرائزي وغير عقلاني . لكن إذا ارتضى "المهوهو" الدور طائعا مختارا, فماذا يستطيع المرء أن يقول؟). تحرياتي عن هذه الشخصية كشفت عن أنها من الذين يناسبون جدا لتأدية أدوار وضيعة (بأجر أو بدون أجر), فقد كان ضد اسرائيل واليهود (دون حصافة تجعله قادرا على التمييز) بعد ثورة يناير في مصر؛ ثم أصبح كاتبا في صحيفة إسرائيلية (للقارئ تأكيد ما ذهبت إليه) حتى 2017 كـ "معارض مصري" وإحدى "القيادات" بـ "منظمته الحقوقية" (2)؛ معارضا مصريا شرسا من موقعه الإسرائيلي للفريق السيسي (نتفرج فقط), كما تشهد عليه مقالاته المحفوظة حتى الآن بموقع الجريدة الإسرائيلية, ناهيك عن تبنيه لأجندة ظلامية بلاطية خمسة نجوم, مثل "تخفيض" الإنجاب, الإحتباس الحراري, إلخ (3). أما اليوم فزيدان "فريد عصرو" أصبح من كبار صغار "المطبلاتية" للفريق السيسي (4). زيدان الذين بين يدينا, يشبه في نشازه الحي أحمدا وعادلا من فئة "شيوعي سابق" شغفه "تبديل الطواقي" حبا للبصق على تاريخه فيصبح أحمد سليمان "نيو لوك" مثلا.
الخلاصة: الدخاخين الإسرائيلية تشوش الرؤية على التغلغل والإختراق الأنقلوساسكوني (هذا لا ينفي إختراقا أجنبيا لدول آخرى بما فيها إسرائيل) في بلادنا. فلابد من استعدال الوضع وإعادة مركزة الكرة في "سنتر اللعب", وهذا يعني الملف الأمني والأصابع الأمنية للأنقلوساكسون في عمق السودان.
مازن سخاروف, 26 أكتوبر 2021

----------------
(1) المبعوث جيفري فِلتمان وصل الخرطوم الجمعة 22 أكتوبر, وغادرها الأحد 24 أكتوبر كما أوردنا, أي عشية الإنقلاب.
* The State Department
(2) تبين لي أن الإسم المبهم الذي أورده موقع سودانايل للمنظمة في الخبر "ألمضروب" هو "منظمة العدل والتنمية للدراسات". هناك مواقع ناطقة بالعربية تورد إسم المنظمة على أنها "منظمة العدل والتنمية لدراسات الشرق الاوسط وشمال أفريقيا". بل تمادى البعض من بني "يلفح الكلام" في إضفاء صفة عالمية على المنظمة. المنظمة ليست سوى منظمية مصرية "كحيانة" في إحدى محافظات صعيد مصر. وضمن عشرات الأخبار التي تتناقلها مصادر تليق بها تسمية "الهوهوة" لا يوجد خبر لم يُنسب لـ "زيدان" الحار المولع نار (نكتة), قصدي زيدان القنائي, المتحدث والناطق الرسمي بإسم المنظمة كما يلذ لكل من ينقل عنه "من طرف" دون أي تحقيق. إذ لا يبدو أن للمنظمة (بهذا الإسم) أي مسؤول آخر غير زيدان المذكور يستطيع أن يعطي تصريحا واحدا للناقلين. إنها حالة منظمة الرجل الواحد, أو (في السياق) حالة "زيد بلا عمرْو". وهذا طبعا ما قد يجعل شاعر "ولقيت من عنت الزيود مشاكلا, وبكيت من عمرو ومن إعرابه" يتقلب في تربته من جفاف الإلهام الشعري. المختصر والمفيد أن الإسم الحقيقي والرسمي للمنظمة (الذي يُخرج بيانات على محركات البحث) هو "جمعية العدل والتنمية لحقوق الإنسان" المصرية طبعا والموغلة في المحلية, لولا "شلهتة" الناقلين بغير علم ولا هدى ولا كتب منير.
(3) راجع لقاء" أجراه مع المذكور (ومع شخص قدم كمدير للجمعية) في برنامج "العاشرة مساء" إحدى شخصيات الإعلام الردئ بالتفزيون المصري, وائل الإبراشي, بتاريخ 22 أكتوبر 2017.
(4) راجع على سبيل المثال مقالا قبل شهر يقتبس تصريحا لـ"زولنا" بصحيفة الدستور المصرية بتاريخ الأحد 12 سبتمبر 2021 ورد فيه:
"أشادت منظمة العدل والتنمية الحقوقية بإطلاق الرئيس عبدالفتاح السيسى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، مؤكدة أنها نابعة من إرادة سياسية حقيقية وإيمان من الدولة المصرية بأهمية تعزيز مفاهيم حقوق الإنسان في مصر.
ودعت المنظمة كافة منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية المصرية للتعاون مع الحكومة المصرية وتنفيذ استراتيجيات الرئيس السيسي فيما يخص التحول نحو الدولة الحديثة.
وأكد المتحدث الرسمي للمنظمة، زيدان القنائي، أن إطلاق الرئيس استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان من أرض مصرية يؤكد اهتمام وحرص الرئيس والدولة المصرية على احترام حقوق الإنسان بمصر، وتعزيز ثقافة التعايش والسلام، كما يعتبر خطوة رئيسية نحو تحول مصر لدولة مدنية حديثة فى ظل قيادة الرئيس لمصر بخطوات منظمة وثابتة وصولا لدولة مصرية متقدمة ومدنية وحديثة."

يا ناس سودانايل, كيف يمكن لهذا المصري "التعبان" أن "يدقّسكم"؟ لماذا ينجرّ الناس في الإقتباس عن واتباع "العربي الأردأ"؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.

==

jsmtaz2014@gmail.com
////////////////////////

 

آراء