راقبوا الخطاب السياسي للحركة الشعبية ووجهته !؟ …
2 May, 2010
الفترة التي ستعقب الانتخابات العامة والنتيجة التي أعلن عنها مؤخراً أسدلت الستار على حقبة هامة من تاريخنا تمثلت في إنفاذ هذا الاستحقاق من مسيرة السلام واتفاقية نيفاشا على نحو سلمى حضاري وديمقراطي ، لتفسح المجال لمعركة أخرى أكثر أهمية لابد من أن تكون ذات خطاب سياسي مختلف ، سمته الصراحة والشفافية ، و له مضمونه ومحتواه الذى يعكس ما يريده أهله لمستقبل البلاد ويحدد من خلاله كل طرف وجهته بعد أن عرف كل حزب حجمه ووزنه الطبيعي عبر كلمة الشعب وصناديق الاقتراع !. لا مجال الآن للحديث عن أوزان وهمية أو استدعاء ما كان فى الماضى وجيل كامل دخل الى الحياة السياسية وسط وضع داخلي واقليمى وعالمى متقلب !. قدحت بعض مراكز الرقابة الخارجية فى نتيجة الانتخابات وكالت من التهم والتهريف لجهة التزوير والاختلال فى المعايير الدولية التى طبقت فى الممارسة الديمقراطية فى اطار حملتها لتقزيم النصر والانتقاص من عبقرية هذا الشعب وملحمته ، رغم غيابها عنه لما يقارب العقدين ونصف من الزمان ، وخصت الشمال الجغرافى بحملة كذوب لم تكن متكافئة على نحو ما دار فى الجنوب خلال أيام الاقتراع لأسباب مفضوحة ستكشف عنها الأيام القادمة !. وتعلمون أن حكومة الجنوب ظلت تعترض على الاحصاء السكانى ونتائجه منذ البداية ، كما أعترضت على كافة الاجراءات التى جاءت من بعده لتنظيم العملية السياسية ، وبرغم ذلك حملت وأجبرت على مسايرة القاطرة التى انطلقت لعدم وجود خيارات أخرى أمامها أن هى تلجلجت فى المشاركة ، فاضطرت الى اكمال المران وسمحت بمباشرة عملية التصويت على النحو الذى يخدم اغراضها وهدفها المعلن كما شهد الجميع ، عبر هيمنة كاملة للحركة وجيشها الشعبى الذى عمل على تجيير نتيجة الانتخابات لصالح الحركة الشعبية وقائدها ومرشحهم للرئاسة المقال عرمان ف الوقت الذى أعلنت فيه سجبه !؟. ولا يمكن لعاقل ان يتحدث عن مهزلة حدثت بالشمال وتزوير واسع للانتخابات ونتيجتها وينسى أن الشمال له خبرة تراكمية فى هذا المجال منذ الاستقلال، فى ظل الرقابة الواسعة والكثيفة محليا وعالميا ، مقابل احتكار كامل للسلطة فى الجنوب ، وحجم التضييق والمعاناة لتى وجدها الخصوم ممن ترشحوا هناك بمن فيهم من ترشح مستقلاً عن الحركة !. نقول بذلك وقد خرج علينا عرمان الحركة بعيد اعلان النتيجة ليقول بأن حركته ترفض النتيجة التى أعلنت والتى حسب قوله أنها جاءت مزورة وجيرت لصالح البشير ليغطى بذلك على الوحل الذى غرقت فيه حركته بالجنوب فى شتى نواحى الحياة ، فضلا عن الدمار والخراب والقتل الذى يمارس الآن وبصفة انتقائية ، وقرار هروبها من ميدان الملحمة فى الشمال خوف الفضيحة ، وكذلك فشله الواضح فى قطاع الشمال الوهمى الذى يديره لأجل التكسب وتلفيق التقارير المضللة للارباك السياسى والتشويش الذى ظل يمارسه هذا الكاهن بطريقة منتظمة ومكابرة مضحكة لا تعرف الخجل !. وتبعه فى هذا المنحى كبير العرابين باقان الذى قال بأن الفائز الحقيقى بالرئاسة هو عرمان ( يا للمواساة ) الذى حصل على ما يربو على المليونين ، بمثل ما حصل القائد سلفاكير على 93% !؟ . وكأن المواطن فى الشمال والمراقبين لا يعرفون بنية الجنوب المجتمعية ومحدودية الوعى الاكاديمى والتعليم وارتفاع الأمية بنسبة كبيرة ، فضلا عن تعقيدات العملية نفسها وعدد البطاقات (12) ، وبرغمها جاءت نتيجة الانتخابات بالجنوب شفيفة ومذهلة ومقبولة وغير نزيهة بالشمال !، والكل يعى ارتفاع نسبة الأخطاء والبطاقات التالفة والجهل بالعملية نفسها ومحدودية التدريب والوعى الانتخابى بالجنوب ، لكن الطريقة الباقانية – العرمانية التى تابعناها فى كل المراحل السابقة فى تنفيذ الاتفاق تجعل ببساطة كل شيىء مقنعاً ومنطقياً على طريقتهم طالما هى لصالحهم، وتقدح فى كل نتيجة تكون فى غير مصلحة الحركة الشعبية ، هذا هو السلوك المنهجى الذى اعتمدته الحركة الشعبية فى خطابها السياسى ازاء الشمال وكرسته لتبرير حركتها ومواقفها وخصصت له بعض أبناء قرنق للتعبير عنه ، من واقع الشائعات التى يطلقونها لاثارة الغبار والضوضاء حول ممارسات شريك الحكم المؤتمر الوطنى بالتشكيك والقدح والتهديد والوعيد والمقاطعة وكل الآليات والتكتيكات التى تحتاج فى كل مرحلة الى وقت وسجال سياسى واعلامى لتجاوزها !.
نحن أمام مفارقات كثيرة ظلت هى بعض نهج الحركة وقادتها فى التعامل مع قضايا الوطن وهمومه الكبرى ، وقد صرح أتيم قرنق القيادى بالحركة من يومين أن الغرض من تحالف جوبا مع المعارضة الشمالية كانت تكتيكاً مرحلياً لأجل الانتخابات وأنهم الآن بحاجة لتكتيك آخر للمرحلة القادمة وهى مرحلة الاستفتاء وتقرير المصير للجنوب ، الأمر الذى يكشف النزعة الاستغلالية لحركته لقوى المعارضة الشمالية فى عبور المراحل وكسب التأييد المرحلي، وعلى خطاه سار لوكا بيونق من واشنطون فى تصريحه حول النسبة التى تتوقعها حركته من حصتهم فى الحكومة التى ستتشكل !. فالحركة الشعبية ظلت على الدوام لها أكثر من لسان وقلب تتحدث به ، فهى عندما تخوض حواراً جاداً مع شريكها فى الحكم داخل الغرف المغلقة تخضع للمسئولية والعقلانية والتزام كافة مطلوبات الحوار الموضوعي المفضي الى غاية وفق أجندة محددة ، وتنحنى للعواصف وتقبل وتتنازل وتساوم كما يفعل أى مفاوض آخر ، ولكنها سرعان ما تنفض يدها عن أى التزام يبرم وتشوش عليه عقب اقراره مباشرة بآلية معروفة على نحو ما ظل يبثه باقان رغم تحجيمه وعرمان رغم سحبه من سجال الرئاسة ظلا يمارسان هوايتهما المحببة بوسائط الإعلام !. التفاوض مع الحركة من واقع الممارسة الفعلية وكأنه يتم على مستويين الأول رسمي هادى وعقلاني له أضابيره التى تشهد على القضايا التى جرى التحاور بشأنها ومقرراته ، وآخر هو لإطلاق المواقف التفاوضية وإعلاء السقوف والمزايدات السياسية عبر أجهزة الإعلام والشكوى للسفارات والمنظمات والمؤسسات الدولية ومبعوثى الدول والحكومات الذى بات الكثيرون منهم عبئاً على السلام والعملية التفاوضية كما فى الطريقة التى يتعامل بها الجنرال الأمريكي غرايشون الذى لا يفهم موقعه الآن ما ان مبعوثا للولايات المتحدة أم هو محللاً سياسيا أو مراقباً كرئيسه الأسبق كارتر أم هو حاكم الجنوب الفعلي من خلال إشاراته وتصريحاته التى تستبطن الكثير والتى يطلقها بشأن تعليقه على نتيجة الانتخابات ونتائج الاستفتاء المتوقعة ومردها على استقلال الجنوب ومستقبله وسائر مجريات الأوضاع بالسودان !. كلها تخدم ذات الوجهة التى يتمترس عندها الثنائي باقان وعرمان فى الإبقاء على حالة الجفوة والإرباك واللا سلم بين أطياف الشراكة السياسية المعطوبة التى تمضى الى نهاياتها الآن !. كلنا يدرك الأجندة السياسية الخارجية لأطراف دولية بعينها وراء رفض المعارضة للمشاركة فى الانتخابات ورفضها لنتيجتها من بعد وفرار بعض قادتها الى الخارج ولو لحين ، والحركة الشعبية ليست بالأفضل فيما عبرت عنه تجاه النتيجة رغم التضارب والالتباس فى أراء قادتها ، ورغم التسليم والرضا والقبول بنتيجة الانتخابات فى النيل الأزرق من قبل الوطني ليصار الى نهاية سلمية للعملية برمتها والتوجه نحو تشكيل الحكومة الجديدة واستكمال مطلوبات المرحلة المتبقية والاستفتاء والملفات الموضوعية المتصلة به هى أهم ركائز هذه المرحلة الفارقة !.كنا نظن أن التعاطي عقب الانتخابات سيفرز قيادات أكثر وعيا بحساسية المرحلة التى تخوضها البلاد وأولها شكل ووجهة الحكومة التى ستكون ، والتى يملك المؤتمر الوطني الغلبة فى تشكيلها منفرداً ، لكن إدراكه ووعيه باستحقاقات السلام وخطورة ما تبقى تلزمه بإبداء مرونة كافية وانفتاح على القوى السياسية الأخرى حتى يواكب تكوين الحكومة تطلعات شعبنا وتوقه للأمن والاستقرار السياسي ونحن نستشرف حقبة جديدة وتفويض شعبي له محددات وغايات وميقات !.
وحيال هذه الجزئية الهامة في عكس ميلاد فجر جديد لشراكة ملزمة من وحى بنود اتفاق السلام الشامل الذي يدعو طرفا الاتفاق للعمل من أجل الوحدة الجاذبة ، فقد بعث زعيم الحركة سلفا كير من يومين ببرقية تهنئة للبشير يهنئه فيها بالفوز وثقة الشعب التي أولاه إياها ، وقد حملت رسالته التى صيغت بعناية من المضامين والمعاني الكبيرة والمبشرة ما حملت ، مما يدعو للأمل والتفاؤل ، ولكنها فى ذات الوقت سرعان ما تتبخر وتصطدم بتيار بقان عرمان الذي ظل ممسكا وما يزال بعربة القيادة والسيطرة داخل الحركة الشعبية أو هكذا يصور للمراقبين من وحى التدخلات والتقاطعات والإشارات المربكة التي يرسلونها فى تعارض تام مع ما يقول به رئيس الحركة ومكتبها السياسي ، مما يجعل من العسير هضم هذه الحالة المستعصية لإقامة توافقات مستقرة وتفاهمات لها ديمومة وقابلة للتنفيذ !. الطبيعي أن يظل رئيس الحركة هو الممسك بزمام الأمور والمعبر بلسانها إزاء المواقف الكلية والموجه لسكوك قادتها فى التزام ما يبرم ، لا أن يترك الساحة لما تريده نوايا هذا التيار وهو قد خبر وجهته ومقاصده فى تمزيق البلاد واستشراء التنازع والتناحر ، وصلته الوثيقة باليسار الشيوعي الذي نخر فى جسم الحركة وقضى على فكرة ومشروع السودان الجديد كما هلك بفعاله الهوجاء قطاع الشمال إلا من صور لعرمان امتلأت بها ساحات المدن والأرياف فى الشمال لكن مردودها فى الصناديق كان صفراً كبيرا لولا حملة التزوير الممنهجة بالجنوب !.نسوق هذه المشاهد ليس من باب الحرص على تماسك الحركة وبنائها بقدر حرصنا على البناء الوطني الذى يشيد الآن على جدار بناء ديمقراطي وتحديات المرحلة التى نواجه فيها استحقاق الاستفتاء ، والذى لا نتهيبه بقدر حرصنا على توفير المناخ الصحي والشفافية فى المؤسسات التى ستنهض به حتى لا يكون منفراً وتجد نتيجته القبول ان تمت إجراءاته على نحو يضمن الحرية والنزاهة ، لا الرغبات التى يجهر بها تيار الانفصال داخلها والذى تتصدره مجموعة باقان ولا تتورع فى التبشير به والترويج له !. هؤلاء لهم أجندتهم وارتباطاتهم الخارجية ، وممارستهم اليومية تفضح هذه النوايا التى تسعى لقلب الحقائق بجرأة يحسدوا عليها ، والتدليس فى توجيه إرادة أبناء الجنوب لخدمة أهدافهم التآمرية !.هنا لابد من مراقبة دقيقة ومتابعة لصيقة لمجمل الخطاب السياسي الذى سيصدر عن الحركة وقادتها لعكس رغباتهم من المرحلة القادمة !. لقد تستر هؤلاء فى الفترة المنصرمة حول مبهمات وإشارات متناقضة لما تعتمله صدورهم إزاء قضية الانفصال والوحدة رغم الشواهد العملية على الأرض من واقع تعاطيهم السياسي ومواقفهم تجاه ما كان مطروحا ً !.ظل حديثهم أنهم سيتركون الخيار لارادة شعب الجنوب للتقرير بشأن الوحدة والانفصال وليتهم فعلوا ! لكن ممارسة هؤلاء ظلت محاطة بضبابية لأن الساسة هم من يمسكون بعصب الإرادة السياسية فى الجنوب الآن أو بالأحرى (الحركة الشعبية ) وقيادتها السياسية والعسكرية هى التى تتولى الخطاب السياسي وتتخذ المواقف وتصدر القرارات وقبل هذا كله تحكم الجنوب بطريقة حصرية لا مجال لأى طرف كى يلقى عليه اللوم فى المستقبل أو يحمل المسئولية فى المآلات القادمة !. لا مجال للتستر خلف الشعارات والأوهام واللغة التى تحتمل أكثر من تفسير وحجب النية الحقيقية التى ظلت بمثابة الطلاسم والدائرة المفقودة في دهاليز الحركة ، وما ان كانت راغبة فى سلام حقيقى وتعمل لأجله لينتهى بنا الى وحدة لكامل تراب الوطن وسيادته ، أم هى تمتطى حصان طروادة كى تبلغ به ما هى عليه الآن لتصل للاستقلال بفصل الجنوب كما ترجح ممارستها !. نريد وحدة فى اللسان والعمل ونشر مطلوبات الوحدة وتعضيد تيارها لا هدمها والتشويش عليها . لذلك سنقوم من الآن فلاحقا بمتابعة هذا السلوك وسبرغوره من خلال مشاركة الحركة فى الحكومة ونهج وزرائها داخل الأجهزة الرسمية التشريعية والتنفيذية ، ومدى تحليهم بالمسئولية والايجابية التى عبر عنها زعيمهم فى برقيته للبشير، وتعاونهم فى ترسيخ وحدة البلاد وترجيح تيارها على محدودية الوقت المتبقى ، وما ان كانت الحركة قد غادرت ماضيها القمىء والمربع السابق في التنافر والتهريج وارسال الاشارات المربكة وتسويق بضاعة الانفصال ، لأن الأيام القادمة لا تحتمل التسويف والمتاجرة بهكذا قضية ستحدد مستقبل السودان وجواره وما يحملان من تبعات عظيمة !.
adam abakar [adamo56@hotmail.com]