رد على مقال صراع العقل والبندقية في السودان. للكاتب: زين العابدين صالح عبد الرحمن .. بقلم : عربي يعقوب محمد

 


 

 

في الواقع لم استغرب ما جاء في مقالك بعنوان البندقية والعقل اشكالية السياسة السودانية والمرفق مع هذا الرد والمؤرخ بتاريخ 14 السبت تقريبا 2015. الا انني قد هالني زعمك الجزافي في ان الدكتور جون قرنق لم يطرح افكارا سياسية وانما كان يعمل بعقل البندقية او وفقا للبندقية وما طرحه من افكار سياسية بالجملة لا قيمة لها ولا تختلف عما طرحتها ما يسمى بالحركة الاسلامية ؟ وهذا كذب صريح يرجع اما لجهلك التام عما طرحه د قرنق وما يسمى بالحركة الاسلامية معا, او لانك تتعمد التجهيل المفضي او الكاشف لجهلك انت اولا قبل تجهيل الاخرين بغرض تضليلهم.  لان بصراحة ما تسمونها (دلعا) بالحركة الاسلامية لم تطرح افكارا سياسية فيما يتعلق بمؤسسة الدولة السياسية الحديثة وكيفية اقامتها حتى الساعة, واذا لديك ما يوضح طرح ما يسمى بالحركة الاسلامية فيما يتعلق بالدولة الحديثة فارجو ذكره وتوضيحه مسنودا بمرجعياته وتطبيقاته في الماضي والحاضر وليس مجرد تصحيف بلا اسانيد من الواقع. فيما يتعلق بطرح الحركة الشعبية او طرح د قرنق وفق رؤيته للسودان الجديد, اولا: فان الحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان لم تؤسس عسكريا الا بعد العدوان على الكتيبة 105 في بور من قبل عسكر السفاح جعفر نميري الذي اثر الهجوم العسكري على الكتيبة 105 في بور والتي لحقت بها الكتيبة 103 في البيبور. فهدف السفاح الدكتاتور الانقلابي جعفر نميري وجنرالاته العدوانيون كان واضحا جدا, وهو القضاء على ما تبقى من قوات الانانيا من الذين رفضوا قرارات الاستيعاب في ما يسمى بالجيش السوداني - وهو في الحقيقة جيش الشمال السوداني او بصورة ادق هو الجناح العسكري لاحزاب الخرطوم بقيادة الشماليون وليس جيشا للسودان, والا كيف تفسر الحروب التي خاضها هذا الجيش ضد اقاليم السودان الاخرى؟ -  فالسفاح نميري بعد ان انقض على اتفاق اديس ابابا بتقسيم الجنوب, - بالاتفاق مع الاخرين وفق ما عرف بالمصالحة الوطنية – كان ايضا عقدوا العزم الى اصدار وفرض قوانين ما يسمى بالشريعة  الاسلامية في كل السودان مما يثير الجنوبيون, والعدوان السافر علي اقليمهم, وبالتالي سيجد الجنوبيون الكتبتين عبارة عن قوة في يدهم للمقاومة ضد السفاح المشير نميري وقراراته الجمهورية بالغاء اتفاق اديس ابابا احاديا. عليه خطط السفاح نميري وزمرته, مع سبق الاصرار والترصد الهجوم على الكتيبة 105 في بور ومن ثم على الكتيبة 103 اذا لزم الامر واثروا المقاومة ايضا, لينتهي امر الجنوب لصالح شماليي السلطة في الخرطوم كما كان الوضع قبل الاتفاقية. وهنا لابد من ذكر الضباط الابطال الذين قاوموا هذا القرار العدواني بالهجوم على الكتيبة 105 منهم الفريق محمد توفيق صالح ابوكدود رئيس هيئة الاركان والذي كان د قرنق مستشارا عسكريا له في القيادة العامة فورعودته من امريكا. والفريق يوسف محمد يوسف, فكان مصيرهما الفصل التعسفي من الجيش نهائيا. كما كان قبلهما ايضا الفريق عبد الماجد خليل واربعة وعشرون ضابطا ايضا تم فصلهم لاسباب ذات صلة  بالقرار. عليه فان قيام الجيش الشعبي لتحرير السودان في 16 مايو 1983 كان امرا مفروضا بالقوة العسكرية التي تقتضي حتمية حمل السلاح للدفاع عن النفس كحق مشروع لا مساومة فيه مع اي كان.  اللهم الا اذا انت ترى ان الجنوبيون مباحون للسفاحين حكام الخرطوم الشماليون المعتدون. اما الافكار السياسية للدكتور قرنق فكان سابقا لقيام الجيش الشعبي لتحرير السودان, وانما تعود منذ مذكرته الشهير لقيادة الانانيا وبالتحديد اللواء جوزيف لاقوفي 24 يناير 1972 معترضا على بنود الاتفاق الذي تم في اديس ابابا. ومنها تتجلى الافكار السياسية الناضجة والمتقدمة جدا للدكتور جون قرنق دي مابيور. فما سطره النقيب انذاك  جون قرنق في تلك الرسالة قد شخص مشكلة الدولة السودانية منذ تاسيسها حتى ذلكم التاريخ, بل حتى الان. وقد اكد الواقع لاحقا كل تحليله وفرضياته في الرسالة بالضبط. ولم اجد من كتاب السياسة والسياسيون السودانيون من سطر مثل تلك الرسالة  حتى اللحظة. واتحداك انت في ان تاتي باحد من الساسة الشماليون المتعاقبون في السلطة في الخرطوم وخارجها من سطر مثيل لتلك الرسالة؟ وربما استثني شخص واحد وهو العالم الدكتور منصور خالد الذي ايضا ذهب الى الحركة الشعبية لقناعة فكرية بطرح د قرنق الفكري السياسي, وليس لاي شئ اخر. ولكون د قرنق يطرح افكارا يقنع شخص بعلم الدكتور منصور خالد ووعيه السياسي, فهذا في حد ذاته الدليل على ان لقرنق افكارا سياسية حقيقية ناضجة, ولكن من يقنع ديوك السلطة في الخرطوم واتباعهم وصحفييهم؟ فمشروع السودان الجديد لد قرنق ببساطة: ان السودان تاريخيا قد تكون من عناصر حقيقية تاريخية ومعاصرة وهو ما اسماه بالتنوع التاريخي والتنوع المعاصر وفق الهجرات المعاصرة - من القبل الاربع وليست من جهة واحدة فقط-  اللذان يكونان السودان الموجود بين ايدينا. وهو واقع متنوع عرقيا  ودينيا او متعدد حتى جغرافيا اي يتكون السودان من اقاليم شاسعة بحجم دول, متباعدة المسافات مما يصعب جمعهم تحت حكم مركزي او اي شكل احادي فوقي.وللاعتراف بهذا التنوع والتعدد السوداني او المكون للسودان في اطار مؤسسة الدولة السياسية الحديثة ليكون الانتماء على اساس حق المواطنة بغض النظر عن العرق او الدين او الجهة, فلابد من تاسيس الدولة, العلمانية, الديمقراطية المتعددة, الموحدة فيدراليا؟ وهنا انتهت اللعبة للافكار السياسية, لان المفكرون السياسيون في العالم اجمع لم يبتكروا شيئا جديدا فوق هذا حتى الساعة. وعليه نحن لا يمكن ان نخترع العجلة طبعا؟ ولكن صحيح الفهم قسم او التعمد الثعلبي القاتل؟ فهذه هي  خلاصة بنات افكار الدكتور جون قرنق دي مابيور ومشروعه للسودان الجديد. وعند المقارنة مع اطروحات الاخرين ضمنهم ما يسمى بالحركة  الاسلامية:  فان مشروع الدولة الحديثة هو مشروع فكري سياسي من العقل البشري فما هو طرح ما يسمى الحركة الاسلامية هنا عن الدولة الحديثة؟ ارجو ان توضح لنا؟ مشروع العلمانية بمعني فصل مؤسسات الدولة الحديثة للجميع, عن مؤسسات الدين او الاديان جميعا لتصبح الدولة محايدة, ليتساوى الجميع في الانتماء اليها على اساس حق المواطنة المتساوية قبل القانون؟ وهنا انوه بان الدكتور قرنق قد طالب منذ الايام الاخيرة للسفاح نميري وجنرال حربه سوار الدهب وابني عمه د الجزولي دفع الله في الفترة الانتقالية, وصادق المهدي قد طالبهم جميعا بفصل الجامع والكنيسة معا عن الدولة؟ اذن هذا في حد ذاته طرح فكري سياسي فماذا طرح الاخرون؟ وهنا التناقض القاتل لما طرحتها ما يسمى بالحركة الاسلامية وهي تطبيق شرع الله برنامجهم السياسي - اذا جاز ان تكون الشريعة الاسلامية سياسة- وهو بالتاكيد ليس فكرا بشريا وانما دين موحى او منزل من عند الله وله اكثر من الف عام على الارض فكيف تساويهم مع طرح د قرنق السياسي الدنيوي؟ واي فكر سياسي هنا؟ وما علاقة كل هذا بمؤسسة الدولة الدنيوية الحديثة غير الانقضاض عليها وهدمها بالكامل وهذا ما حدث فور استيلاءهم على ركام ما اسماه د قرنق بالسودان القديم الاحادي الاقصائي؟ الديمقراطية والتعددية وهنا مفهوم واحد للديمقراطية وهي التعددية السياسية وفق الديمقراطية الليبرالية, او حتى الديمقراطية الاشترالكية. بالاضافة الى التعددية بمعنى التنوع الذي يعني وجود الجميع المختلفين ثقافيا دينيا عرقيا جهويا, وحتى اقليميا في اطار مؤسسة الدولة الحديثة الواحدة. وهناتلقائيا حسم لقضية الهوية بالاقرار بالهويات المتعددة لكل مكونات السودان, بخلق وطن يسع الجميع في اطار مؤسسة الدولة الحديثة. وكل هذا ما لم ياتي بهم, بل لم يقر بهم نخب الشمال تاريخيا وحكام الخرطوم المتعاقبون منذ الاستقلال حتى اللحظة. ولا حتى في عهود ما يسمى بالديمقراطية التي ظلت ديمقراطية طائفية لجماعة من عرق واحد ودين واحد واقليم واحد ولغة وثقافة واحدة بل مدينة واحدة الخرطوم وما جاورها؟ بل البرنامج السياسي العرقي الديني الواحد ايضا؟ والطائفية بطبعها نقيض للديمقراطية وهذا ما سنتطرق اليه لاحقا.ثم الفيدرالية وهنا ام الافكار السياسية الناجعة على الاطلاق. وقد رفضها النخب الشماليون في السلطة وخارجها مما يفضح امرهم جميعا اولا بانهم غير ديمقراطيون ولا يؤمنون بالديمقراطية الحقيقية التي تقوم على مبدأ الحرية للفرد, قبل الجماعة, وحقه الكامل المشروع في الاختيار, كحق بالميلاد ومكتسب سياسيا مكفول بالقانون. والاعتراف بالاخر اي كان وحقه الكامل في نوع الوحدة السياسية التي يريد او شكل الحكم الذي يرتضي لنفسه وليس فرضا عليه من اي كان؟ ومن هنا ينبع شرعية الدولة نفسها وضمان الاستقرار الاجتماعي فيها. ثانيا ليس لهم افكارا سياسية بالمرة والدليل انهم لم يقدموا اي مشروع سياسي ناجع بديل لشكل الدولة السودانية ووحدتها السياسية,غير التعريب والاسلمة المفروضتان على الجميع احاديا فوقيا بالقوة الفيزيائية والارهاب دون ابسط شكل للحوار ولا حتى وفق الشورى الذي يتشدقون بها, مع باقي اقاليم السودان ومكوناته الثقافية والعرقية والدينية وفق اقاليمه اساس رقعته الجغرافية. وبدون اي منطق حتى, مما جعل امر الدولة الحديثة في خبر كان؟ناهيك عن مجرد التفكير في وحدتها السياسية التي لم يشرعوا فيها باي من انواع الوحدة السياسية في اطار الدولة الحديثة الواحدة المعروفة عالميا. واطلاقا لا يتم الا باتفاق سياسي طوعي لرؤى سياسية تعبر عن مصالح الجميع في الحياة الدنيا هنا, بين كافة مكونات السودان الاقليمية وليس فرضا من المركز المزعوم التي هي بالضرورة مركز لذات الاقاليم المكونة للسودان والا فلا مركز ولا يحزنون؟ ومركز لمن بالضبط؟ فمؤسسة الدولة السياسية الحديثة لا تقوم على العرق او الدين. وكل هذا ما نقده د قرنق بل شخصه اولا ثم طرح افكاره باعلاه في اقامة الدولة الحديثة وهي جملة الافكار من بنات فكر التنوير والحداثة وبالاخص الافكار السياسية في نشأة الدولة الامريكية الامبراطورية الديمقراطية العلمانية المتعددة الفيدرالية القائمة الان . وهنا التحدي الكبير الذي يكشفكم بجلاء ووضوح. والمفارقة انك تقول بان د قرنق دعاء المهمشين من الاقاليم, وهذا صحيح بالفعل وهي بالتاكيد دعوة وطنية مخلصة وصادقة وعادلة ايضا وليست دعوة عرقية او دينية ولا جهوية وانما اقليمية في اطار السودان الموحد وهذا حق مشروع عادل وضرورة حتمية ايضا لاقامة وطن مستقر للجميع. ولا يحق لاحد مجرد الاعتراض عليه؟ بل واجب من في سدة السلطة القيام بهذا والدعوة الصادقة المخلصة اليها. وياريد حكام الخرطوم الشماليون المتعاقبون قد قاموا بهذا منذ فجر الاستقلال لما كان كل هذه الازمات التي هي نتاج طبيعي وحتمي للاقصاء التاريخي الظالم الفاضح لسكان اقاليم السودان وتغيبهم من حقوقهم المشروعة في وطنهم. فالاقاليم هي حقيقة تكوين السودان نفسه ام انكم لا ترون في ان الاقاليم ليست مكونات السودان الاساسية؟ فلولا الاقاليم لما كان هناك سودان وليس العكس؟ والسؤال: من هم هؤلاء في المركز المزعوم؟ فان لم يكونوا ابناء لاقليم ضمن اقاليم السودان فمن اين اتوا اذن؟ فجميعهم ابناء اصيلين لاقليم جزء من السودان وليسوا هم كل السودان؟ عليه كيف ينكرون حق باقي اقاليم السودان في المشاركة العادلة الفاعلة في صناعة القرار السياسي حتى في اقاليمهم قبل المشاركة في الشأن العام لوطنهم في الخرطوم؟ وفوق كل هذا تساوي هذه الدعوة الموضوعية العادلة المشروعة مع دعاوي تتديين الدولة لتصبح دولة للطوائف الدينية المسلمة المنقسمة اشتاتا دون اي اخر من غير المسلمين. او الدولة العربية وهي دولة او دعوة عرقية عنصرية  فالعرب عرق ضمن اعراق السودان وليسوا هم كل السودان. وبالتالي فرض عروبة السودان بالقوة العسكرية هو تقسيم السودان عرقيا عنصريا ليس الا. وهنا تكمن جوهر الازمة السودانية منذ فجر الاستقلال والذي نجم عنهما الاقصاء السياسي الثقافي والتهميش الاقتصادي لكل اقاليم السودان بما فيهم شمال السودان؟ وكل هذا تطرق اليه منفستو الحركة الشعبية لتحرير السودان الصادر في يوليو 1983 ولقد جاء بالنص:

1- ان الحركة التي نعمل تاسيسها يجب ان تعمل على خلق سودان  موحد جديد يعمل على تحقيق العدالة والمساواة للمهمشين .

2 -  يتبنى نظاما اشتراكيا؟ وهنا ( الاشتراكية وليست الشيوعية للفرق النسبي بين المصطلحين فحتى الاسلام يعتبر نظاما اشتراكيا كما ظل يقول فقهاء الدين الاسلامي تاريخيا)

3- اعادة هيكلة السلطة المجموعة (هيكلة الدولة), في السودان بطريقة تنهي والى الابد السلطة بواسطة اي مجموعة لا تخدم الا اهدافها الذاتية مهما كانت خلفية هذه المجموعة سيان ان كانت احزاب سياسية او سلالات عائلية او طوائف دينية او طغمة ضباط عسكريين.

4- العمل بحزم على انهاء الظروف والسياسات التي قادت الى التنمية غير المتوازنة في السودان, ذلك الوضع الذي قاد الى ان تكون المناطق القاصية في الشرق والغرب والجنوب والشمال الاقصى, مناطق متخلفة وتشكل اطرافا للمركز المتطور نسبيا.

5- النضال ضد العنصرية والتي قامت بتوطيدها انظمة حكم الاقلية المتتابعة (الكشة) الشبيه بنظام الابارثيد, تلك السياسة التي طردت العديد من الفقراء والعطالي  من مدن شمال السودان  واعادتهم بشكل جماعي الى مناطقهم الاصلية ( تاثر بهذه السياسة اساسا ابناء غرب السودان والجنوب ببساطة لانهم لا ينتمون للخرطوم والتي تعتقد الزمر الحاكمة بانها ملكها وحدها دون شعب السودان باكمله. فهذه بعض من النقاط الشاخصة التي جاءت في المنفستو بعد مقدمة طويلة عن تاريخ السودان وسير تطوره منذ القدم – حضارة كوش على ضفاف النيل العظيم وليس منذ دخول العرب السودان  كما ظل يزعم كذبا وافتراء-  وتضمن المنفستو تحليل علمي رصين يتطابق مع التحليل العلمي لعلماء الاجتماع والسياسة والفلسفة معا عن الاثر الاستعماري الغربي الحديث في العالم وافريقيا تحديدا وكيف سلم المستعمرون سلطة مستعمراتهم لاقليات نخبوية محلية – صغار موظفي المستعمر نفسه-  بعد شحنهم بمفاهيم متجزئة مثل القومية العرقية او الدين او الاثنين معا, وكل ادوات الولاء للمستعمر وسياساته مثل – فرق تسد  والحكم غير المباشر - سياسات الهيمنة الاستعمارية اللتين طبقهما المستعمر في افريقيا تحديدا وكان غرض المستعمر هو خلق طبقة من الاقلية يقوم المستعمر نفسه بعملية صياغتهم وفق نظام تعليمي خاص ليكونوا صغار الموظفين تحت الادارة الاستعمارية باعدادهم جيدا لخدمة المصالح الاستعمارية. ثم ايداع  السلطة في يد من يامنهم لضمان مصالحه الاستعمارية ما بعد استقلال هذه المستعمرات. وهذا ما حدث بالفعل حيث مارست اقليات السلطة ما بعد الاستقلال قد واصلوا في خطى المستعمر وفق قاعدة التركي ولا المتورك او المستعمر الانجليزي ولا خلفائه المحليين الذين استمروا في تطبيق سياسات مدربهم ومستخدمهم المستعمر من فرق تسد والاقصاء  السياسي الثقافي والتهميش الاقتصادي واستمرار حكم الاقليات (الاتوقراط) وكان نصيب السودان هو الاكبر, للجمع بين الدين والعرق احاديا فوقيا كاساس لاقامة الدولة الحديثة, بالاضافة الى الجهة لنخب الشمال الاقلية (الافندية صغار موظفي المستعمر) الذين ورثوا سلطة الدولة السودانية الناشئة المستقلة من يد المستعمر وفق سودنة الوظائف,فتم  مصادرة الدولة واختطافها بالكامل من جميع شعوب السودان الذين كان نصيبهم في القرار السياسي المتعلق بشان دولتهم الوليدة صفرا كبيرا؟ بينما تمكن الاقلية في انتزاع ولائهم للدين (الاسلام) والعرق (العربي) من هنا تلقائيا اندثرت مؤسسة الدولة الحديثة المعنوية واهدرت شرعيتها التي تنبع من جميع شعب السودان ورغبتهم السياسية وفق مشروع سياسي وطني دنيوي واضح المعالم بعيدا عن العرق والدين وانما خدمة مصالحهم الدنيوية وضمان وتامين حقوقهم الطبيعية والسياسية المكتسبة, بدءا بحرياتهم وتطلعاتهم في الحياة الحرة الكريمة المستقرة. فالولاء للدولة الحديثة لا تقوم على العرق او الدين فرضا بل تختلف تماما عن الولاء الديني او العرقي. وهكذا كانت الكنكشة الطائفية الدينية العرقية الجهوية لاقلية صغار موظفي المستعمر في سلطة كل السودان التي اصبحت مجرد الوظيفة لخدمة المصالح الذاتية الانانية المحضة, والتي تلقائيا وضعوا الاخرين خارج اطار الدولة منذ ما قبل الاستقلال, وهو الاقصاء والتهميش السياسي الاقتصادي الثقافي...الخ والتي وضع اساسه المستعمر نفسه وجاء هؤلاء على نهجه. وللادراك بكل هذا قد وضع مؤسسي الجيش الشعبي لتحرير السودان وعلى راسهم د قرنق تحليلا منطقيا وعلميا واقعيا لازمة الدولة السودانية منذ الاستقلال (السودان القديم وحتمية اندثاره من خلال بنية تكوينه). وفور سقوط السفاح نميري قد طالب د قرنق بعقد الموتمر القومي الدستوري قبل الانتخابات, والذي يجب ان يحضره كل مكونات السودان عبر ممثليهم وهذه الفكرة ايضا ترجع المؤتمر القومي الدستوري الذي عقد في فلادلفيا لوضع الاساس للدولة الامريكيةوكتابة اول دستور للولايات المتحدة الامريكية, بعد التحرير وحضره ممثلي الولايات الثلاثة عشر الانجليزية حتى قيام الثورة الامريكية.

وسنواصل

عربي يعقوب محمد    arabiug@hotmail.com

 

آراء