رسالة الي شباب حزب الأمة ومثقفيه

 


 

 

 

بداية التحية لجماهير حزب الأمة شبابها ومثقفيها وإبداعهم المتواصل في مشاركاتهم الفاعلة في إسقاط نظام المؤتمر الوطني.

ان هذه الثورة العظيمة لم تصل الي هذه المرحلة إلا بمساهمات الجميع ولازالت الواجبات موجودة لاستكمال وصول الغايات التي تتمثل في السلطة المدنية الانتقالية وتحقيق أهداف الثورة المتمثلة في حرية سلام وعدالة.
أن المهدي عليه السلام لم يكن رجل سلطة بل كان ثائرا أمام طغيان الدولة العثمانية ولقد كانت تجربته بمقاييس زمانه ثورة حقيقية في توحيد قبائل السودان المختلفة،بل ذهب بعض المؤرخين أن الثورة المهدية لها الفضل في تكوين السودان الجغرافي الحالي،،وفي سبيل هذا الهدف السامي قاوم الإمام محمد أحمد عسف العسكر فاسقط المهدي جيوش هيكس باشا علي غابة شيكان كما أسقط غردون عند تحرير الخرطوم في 26 يناير 1885م وقاوم حملة علماء المسلمين الذين يمثلون جناح حكومة غردون وعلي راسهم الشيخ (الأمين الضرير) شيخ توتي وقد كانت تأتي مرتباتهم مباشرة من الحكم العثماني فقد كان يخاطبهم المهدي ب (علماء السوء)،،بل وقد أظهرت رسائل المهدي (دار الوثائق) لغة أدبية رفيعة يخاطب بها زعماء القبائل، فقد عاش هذا الإمام رحمه الله بسيطا ومتواضعا بين الناس وقد وردت قصة في كتاب (مهدي السودان سيف الاسلام) أن المهدي بعد اختلافه مع شيخه محمد شريف دخل في موضوع تجارة للفحم مع تاجر في مدينة القطينة ولكنه سرعان مافض هذه الشراكة لأن التاجر طلب منه تخزين هذه السلعة الي حين ارتفاع سعرها مااعتبره الإمام المهدي باطلا يجب محاربته.
وعلي هذا النسق اكتسبت الثورة المهدية شعبيتها وقفت معها معظم قبائل السودان لشعورهم بالهام القائد وصدقه وإيمانه بما يحمل من رسالة، وعلي هذه الطريقة أيضا كانت جماهير الأنصار هي الجماهير الملتزمة دائما بالخط الوطني وخط المقاومة لكل الأنظمة الحاكمة مدنية كانت علي قلتها أم عسكرية.
رغم هذا التاريخ المشرق والتضحيات الجسام فقد ظلت الأوضاع الطبقية لهذه الجماعة مسحوقه ومستضعفة ولم تنتقل بأشكال حياتها من التعليم والمسكن والصحة وغيره الي مراتب متقدمة رغم تعاقب الأجيال علي مدي مايقارب 140 عاما ،،وهذا يرجع لطبيعة قيادة هذا الحزب وخطه السياسي الذي لايناقش قضية البسطاء والمسحوقين وكيفية تبديل حياة البؤس وانعدام الأمل الي حياة ممتلئة بالعلم والمعرفة والتسلح بها،،في نفس الوقت قيادة الحزب الفكرية مشغولة بمشاريع فكرية تنادي بالوسطية والحوكمة وفي اعتقادي هذا ترف فكري لايشبه معاناة الجماهير ولاتخاطب جذور المشاكل كالحرب والفقر والجهل والمرض.
لقد حان الوقت المناسب للالتزام جانب هذه الطبقات المستضعفة التي قدمت الغالي والنفيس التي علمت أولادها وبناتها بمجهودها الذاتي،،حان الوقت لمناقشة قضايا التعليم والصحة والحياة الكريمة ،،ولبناء اقتصاد قوي ينتفع به الجميع قائم علي الإنتاج والتوزيع العادل للثروة خاصة للمزارعين والفلاحين ورثة الأنبياء والإنتاج وتعمير الأرض.
أن ماتقوم به قيادة حزب الأمة لايمثل مصلحة البسطاء والمسحوقين بالانحياز للثورة وغاياتها النبيلة ،،ولكن قيادة هذا الحزب تسعي لأن تمتلك السلطة بدون حتى أن تقدم برنامج اصلاحي للاقتصاد أو السياسة أو النسيج الاجتماعي ،،حتي برنامج الكوديسا الذي اقترحته القيادة هو مشروع قدمته النخب السياسية السودانية في برنامج (لجان الحقيقية والمصالحة/لجان المواجهة) أسوة بتجارب الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وهو مطروح ولكن مشروع معلق في الهواء ولم تتقدم فيه قيادة الأمة خطوات.
لقد نزف الأنصار كثيرا وخاصة حينما أصبحت دارفور بؤرة للصراع العسكري ولم يكن هذا الصراع في أساسه الحقيقي إلا تعبيرا شديد العنف عن الإحباط العام والصمت امام الظلم الاجتماعي الواقع عليهم الذي لم تسطيع قيادة الأمة أن تعبر عنه أو تبحث عن جذور مسبباته بعدما كانت دارفور دوائر مقفولة لحزب الأمة يأتي إليها مهرولا لحصد الأصوات الانتخابية ويفر مسرعا بدون تحقيق المرجو منه، فللعنف شروط كما للسلم وأول شروطه هو الاحساس بالخيبة وانعدام الأمل في الحوار،
ان المهمة عظيمة أمامكم أيها الشباب والمثقفين من الأنصار أن ترجعوا هيبتكم المفقودة وان تخاطبوا اهتمامات جماهير هذا الكيان ومطالبه المشروعة ولابد أيضا من تحليل سياسي واقتصادي لأساس هذه القيادة التي أصبحت بعيدة جدا عن التعبير عن شعب السودان ومطالبه في بناء دولة الحرية والديمقراطية والسلام، وهذا هو دور (المثقف العضوي) الذي يلتزم جانب الحق والحقيقة ولايهادن في توجيه المسار وإعادته الي وجهته الصحيحة.

h.salih.bilal@gmail.com

 

آراء