زَمَانُ الغُربَة

 


 

 

 

من رواكيب الخريف (مجموعة قصصيّة):

في الحياة آمالٌ، عِراضٌ... ما أن تتحقق، حتى: يذهب بريقُها، وتتحول تدريجياً إلى قيود باعثة على الضجر والململة...
ومن تلك الآمال، تجربتي مع اللجوء السياسي في ألمانيا...التي أفسدتها تعقيدات إجراءات الهجرة وتأخُّر صدور جوازي الألماني لسنوات: وهن، فيها، العظم مني واشتعل الرأس شيباً.
وكان أوَّل ما خطر ببالي بعد استلامي الجواز، أنني قد نلت ما أصبُو إليه، وحققتُ أحد أهم أحلامي، بالانتماء المُؤقت... والمُثبت بالمستندات للعالم ِ الأوّل...
وقررتُ قبل كل شيء، كصلاةٍ للشكر، العودة لأرض الوطن لمقابلة والديَّ،وأخواتي وإخواني وعموم الأهل والأصدقاء...
وجالت بخيالي صورٌمن الماضي البهيج، وفق تصوراتي الراهنة.
ورجعت فعلاً، بعدتعب، وأنا أحملُ أفراح اًتملأالدنيا، فلم أجد من تلك الصور شيئاً مذكُورا، سوى بقايا وأشلاء...
كان والدي على فراشِ الموت... ووالدتي تُعاني "الزهايمر"، أما أخواتي وإخواني فقد تبدّوا لي كما الغُرباء...
وبحثتُ عن طفولتي وملامح صباي... فلم أجد أحداً من أصدقائي، على قلةِ من وجدته،على حالِهِ أو قريبًا منها، وانمحت طلَّة البُيوت العتيقة التي ألفتها و عشعشت في وجداني... وتاهت الشوارع في الزحام...
وكان عليَّ أن أُقرر، بعد هذا، إما أن أقطع صِلتي نهائياً بالسودان، أو أصبِرلأرمِم ما انهار وانسلب من وِجداني، خلال سنوات انتظاري الجواز الألماني .
وتأملت حالي، فإذا بداخلي أنا، مما أكنُّه للوطن، أيضًا قد انمحق وتشوَّه، وأدركتُ إنني صرتُ ألمانيًّا أكثر من كوْني سودانيًّا...لم أحتمل الطقس...ولا البيئة...
ولم أفهمِ غالبيَّة المُفرداتِ الجديدة...
ووجدتُ أطفالاً جُددًا... وشباباً غير الذين ودّعتهم...نساء كنَّ صبايا، و ضهبت، حين أردت التعرُّف على بعض أحبابي السابقين!
ولعنتُ اليوم الأول، الذي: قررت فيه النزوح!
أكتُبُ هذه الخاطرة، من صالة مطار برلين، حيثُ وصلت قبل نصف ساعة، في عودةٍ نهائيَّةٍ، إلى مَوطِني الجديد: ألمانيا!

amsidahmed@outlook.com
////////////////////

 

آراء