سلام أم حرب مستمرة فى إثيوبيا؟

 


 

 

• د. كييتول تروﻨﭭول 27 ديسمبر2021م
• ترجمة مصطفى السنوسى
يتناول أستاذ دراسات السلام والنزاعات فى كلية أوسلو الجامعية الجديدة د. كييتول تروﻨﭭول مسار النزاع فى إثيوبيا وإحتمالات المآل.ويطرح السؤال الجوهرى حول الحرب والسلام :
تتأرجح إثيوبيا على جرف – حرب مستمرة أم بداية محادثات سلام؟
ويقول: "إن إنسحاب قوات تقراى إلى إقليمها، قد فتح نافذة لمحادثات سياسية، بيد أنه ما زال غير واضح ما إذا كانت الحكومة الإثيوبية وحلفاؤها سينتهزون هذه الفرصة للمضى فى طريق مفاوضات سلام حقيقية.والبديل يمكن أن يكون حرب عصابات مدمرة طويلة الأمد، يمكنها أن تقود البلاد إلى حافة إنهيار سياسى وإقتصادى.
تدخل الحرب الإثيوبية عامها الثانى من القتال الضارى. ويضم مسرح الحرب الإثيوبية - قوات فيدرالية وقوات ومليشيات حكومات إقليمية ، مليشيات الأمهرا غير النظامية (فانو)، قوات الدفاع الإرترية، قوات دفاع تقراى، وقوات دفاع اورومو، كأطرافٍ متصادمة رئيسة – أكبر صراع فى العالم فى عام 2021م. هلك عشرات الآلاف من المقاتلين فى ميادين المعارك، وقد تم ذبح الآلاف من المدنيين، وتم إستخدام الإغتصاب والمجاعة كأسلحة فى حرب إستعلاء يائسة.
تقدم قوات تقراى:
بعد طرد التقراى بواسطة القوات الفيدرالية الإثيوبية ، من عاصمتهم مقلى فى نوفمبر 2020م، تجمعت قوات جبهة تحرير تقراى، المكونة من حكومة تقراى المنتخبة، تجمعت فى الجبال الوعرة داخل الإقليم.
هنالك، عادوا رسم إستراتيجيتهم وجندوا الآلاف من المتطوعين لحركة المقاومة الجامعة، "قوة تحرير تقراى" لبدء كفاح مسلح ضد الحكومة الفيدرالية. ومن مارس حتى نوفمبر كانت هجمتهم المضادة على القوات الإثيوبية والإرترية قد حققت مبدئياً نجاحاً بارزاً. ويشير الكاتب إلى إنتصارات جيش تقراى المدهشة:
"ما بدت كمجموعة حرب عصابات صغيرة، تطورت إلى جيشٍ تقليدى يقاتل إثنتين من أقوى جيوش الدول الأفريقية."
عندما استعادت قوات دفاع تقراى العاصمة مَقَلِى ومعظم أراضى إقليم تقراى فى يونيو، أحكمت السلطات الإثيوبية حصاراً كاملاً على الإقليم، قاطعة إمدادات الكهرباء،الإتصالات، الإنترنت، خدمات المصارف، حاظرة السفر وإيصال العون الإنسانى – بالتزامن مع إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد. وعن أسباب طول أمد الحرب يقول كييتول تروﻨﭭول:
"وبسبب الحصار المضروب، لم تثق حكومة التقراى فى صدق إعلان وقف إطلاق النار، واصفة إياه "بالنكتة السمجة"، وقررت الزحف نحو العاصمة أديس أببا، بزعم الضغط على الحكومة من أجل بدء محادثات السلام ورفع الحصار، فى مجال الإغاثة الإنسانية عن شعبها الذى تعصف به المجاعة. وإذا لم ينجح ذلك، بدا الهدف هو أسقاط حكومة أبى أحمد وتشكيل حكومة إنتقالية."
سير جبهة تحرير تقراى الحثيث نحو أديس أببا أدهش كثيراً من المراقبين.وعندما سقطت مدن ديسى وكوﻤﭘولتشا فى أيديها فى نهاية أكتوبر، أدى ذلك إلى قلقٍ واسع من إنهيار السلطة الفيدرالية، خاصةً وقد تم إعلان الطوارئ فى كل أنحاء البلاد. وبعد شهر فى نهاية نوفمبر إحتلت القوات المشتركة لجبهة تحرير تقراى وجيش تحرير أُرومو مدينة دبرى سينا، التى تبعد 220 كلم فقط من العاصمة أديس أببا، بينما سرى الهرج بين المجتمع الدبلوماسى من أجل إخلاء مواطنيهم.وناشدت سلطات أديس أببا المواطنين حمل السلاح للدفاع عن المدينة. وفى رد فعل على التهديد الماثل، أعلن رئيس الوزراء أبى أحمد "حرباً شاملةً" ضد المتمردين وتعهد بالذهاب إلى جبهة القتال لقيادة المعركة بنفسه.وبذلك إنحسر مد الحرب.
أسباب إنسحاب تقراى:
ما الذى دفع إلى هذا التحول الجذرى فى إستراتيجية قوة دفاع تقراى؟ ويشير الكاتب إلى مراجعة التقراى لإستراتيجيتهم:
"يبدو أن ثمة ثلاثة أسباب رئيسة لهذا القرار، بسبب مخاوف عسكرية، سياسية ودبلوماسية. أولاً وقبل كل شئ، يبدو واضحاً أن ميزان القوة العسكرية فى ميدان المعركة مال لصالح الحكومة الإثيوبية. العامل الرئيس لهذا هو الشراء الكثيف للإسلحة بواسطة الحكومة الإثيوبية خلال الأشهر الستة الماضية، حاصلةً من بين اسلحةٍ أخرى على طائرات من دون طيار عالية الفاعلية. وكان المسار الممتد لإمداد قوة دفاع تقراى من إقليم التقراى حتى الجبهة الجنوبية، بالأخص كان معرضاً لهجمات الطائرات من دون طيار، والتى عصفت بالسيارات التى تنقل الإمدادات للوحدات المقاتلة. علاوةً على ذلك العمق الممتد والمتعب لهجوم قوة دفاع تقراى جعل أجنحتهم عرضة للهجمات فى الشرق بواسطة وحدات العفر ومن الغرب بواسطة قوات الأمهرا.|
وفى ذات الوقت على المرء ألاَّ يقلل من دعوة أبى أحمد إلى حربٍ شاملة مشجعاً المدنيين على الإنضمام إليه فى جبهة القتال. خلق ذلك هذا موجة دافقة من الحماس القومى بين مناصريه، الراغبين فى التضحية بأنفسهم طواعيةً فى القتال. وعلى الرغم من أن المسئولين التقراويين يزعمون أن لديهم جيشاً مقاتلاً سليماً تم سحبه من دون الإشتباك فى المعركة، يبدو معقولاً أن مثل هذا المعدل العالى للإنهاك يكون صعباً بالنسبة لقاعدة التجنيد الصغيرة نسبياً بالنسبة لقوة دفاع تقراى.
وعلى كلٍ ،وحسبما ألمح إليه مسؤلو التقراى، كانت ثمة مخاوف دبلوماسية وسياسية أيضاً، أجبرتهم على الإنسحاب. فمن الناحية السياسية ، يبدو الإتفاق المعزز حول حكومة إنتقالية محتملة، مع حليفهم جيش تحرير أورومو وممثلين من "التحالف الفيدرالى"، ناقصاً. وظلت جبهة تحرير شعب تقراى واضحة حول كونها غير راغبةً أو لديها طموح فى العودة إلى المركز لحكم إثيوبيا، وربما خصوصاً أنها تدرك أنه عقب هذه الحرب الوحشية و آلة البروباغندا التى إبتدعتها الحكومة الإثيوبية، أنه فعل ذلك غير ذى جدوى. إن مسئولية قيادة حكومة إنتقالية محتملة تعتمد على تحالف المعارضة الأورومية الأوسع، والتى لم تستشر بعد بسبب الأوضاع السياسية فى البلاد.
وعلى كلٍ، فالعامل الأكثر أهمية فى وقف الهجوم النهائى على أديس أببا كان الضغط الدبلوماسى الذى ألقى بثقله على حكومة تقراى.خاصة الولايات المتحد الأمريكية، على الرغم من أنَّ مبعوثها الخاص السفير جيفرى فيلتمان قد كان واضحاً فى رسالته لجبهة تحرير شعب تقراى، معلناً فى نوﭭمبر: "نحن نعارض أى تحرك لجبهة تحرير شعب تقراى نحو أديس أببا أو أى تحرك لها لمحاصرة أديس."
ربما تكون قيادات جيش تحرير شعب تقراى للمفارقة قليلاُ – أمميين دهاة يبذلون جهداً عظيماً فى الإبقاء على العلاقات الدولية وتوازنها، وهكذا ترددوا فى التقدم إلى أديس أببا وهم يواجهون معارضةً دولية واسعة. وتعززت التكهنات بوجود إتفاقٍ سرى حول صفقة سلام بين الولايات المتحدة وحكومة التقراى، بيد أى من الأطراف لم يؤكد هذا.
نافذة لفرصة محادثات سلام؟
هل يخلق إنسحاب قوة دفاع تقراى فرصةً للحوارِ السياسى بين مَقَلِى وأديس أببا؟
لكى يكون هذا ممكنا فإنه يتطلب إتفاقاً على وقف الطرفين للعدائيات الذى يمكن أن يفضى لإتفاق وقف إطلاق النار، ممهداً الطريق لمفاوضات سلامٍ شاملة وجامعة لإيجاد حل مستدام للتحديات السياسية الإثيوبية الجوهرية.
فى التاسع عشر من ديسمبر وفى رسالة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو قوتيريش، إقترح الرئيس الإقليمى لتقراى دبريصيون قبريميكائيل وقفاُ فورياً لإطلاق النار، من دون شروط مسبقة، تعقبه مفاوضات. "بيد أنه وفى الخطاب أورد قائد قوة تحرير تقراى قائمةً من القضايا التى يجب أن تعالج بواسطة مجلس الأمن" وتُحل كجزءٍ متممٍ لأى عملية سلام. وتشمل القائمة إستعادة السلطة القانونية الكاملة لحكومة تقراى على كل أراضيها وإنهاء الحصار. لم ترد الحكومة الأثيوبية رسمياً بعد على دعوة المتحدث الرسمى بإسم جبهة تحرير تقراى قيتاتشو ريدا وأستمرت فى عملياتها العسكرية على الأهداف التقراوية، بما فى ذلك، كما ورد، قصف مَقَلِى.
من جاببٍ آخر، وعد وزير الدولة الإثيوبى رضوان حسين، بحواروطنىٍ شامل ومراجعات للدستور للوصول إلى حل مستدام للصراع الداخلى. وهو لم يرفض تماماً تضمين جبهة تحرير شعب تقراى فى مثل هذا الحوار، على الرغم من زعمه أنه ثمة فاعلين آخرين يمكنهم تمثيل شعب تقراى وشدد قائلاً: "لست أنا من يفتى بيد أنه إذا ما سلمت جبهة تحرير شعب تقراى أسلحتها، وبعض وحداتها الإجرامية بداخلها، ستكون هنالك عدة إحتمالات."
بيد أن هذا يبدو غير محتمل ، لأنه ثمة قليل من الإحتمال أن تستسلم قيادة جبهة تحرير شعب تقراى.
أذا كانت غير مفاوضات سلامٍ، إذاً ماذا؟
فى هذا الوقت ، تكتيكياً تدعم حكومة تقراى مساعى الغرب الدبلوماسية النشطة "الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبى فى المقام الأول" الهادفة إلى تشجيع الحكومة الإثيوبية على قبول المحادثات. بيد أن الرئيس دبريصيون، فى محادثةٍ عبر الأقمار الصناعية الأسبوع الماضى، أخبر كاتب هذا المقال أن مدة فرصة السلام وجيزة، حيث قال: "لدينا جيش ضخم سليم ولا يمكن أن يظل بلا حراك ينظر إلى شعبنا يتضور جوعاً حتى الموت."
من جهة أخرى، تُفَسِّرُ الحكومة الإثيوبية دعوة التقراى إلى وقف العدائيات على أنه علامة على الضعف العسكرى وربما تتساءل لماذا يقدمون تنازلاتٍ لعدوٍ مهزوم. وفى ذات الأثناء، رفضت إثيوبيا بعنادٍ ما أسمته تدخل الإمبريالية الجديدة فى قضاياها السيادية ووسموا الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبى بمساندى أجندة جبهة تحرير شعب تقراى.
ولذا ثمة تساؤل حول كيف ستكون فعالية الضغط الغربى على رئيس الوزراء أبى أحمد.
وثمة عنصرُ قلقٍ إضافى هو الحقيقة الواضحة أن رئيس الوزراء أبى أحمد ليس لديه سلطة على كل المسارات فى الحرب ضد التقراى. ويبدو مشكوكٌ فيه على نحو متساوٍ أن يقبل الرئيس الإرترى إساياس آفوَرْقِى أو قيادة الأمهرا عملية سلام والتى، على سبيل المثال، يستلزم المحاسبة على الفظائع الإرترية، أو بالنسبة للأمهرا لإعادة غرب تقراى إلى سيطرة مقلى. ولذا، حتى لو كان أبى أحمد نظرياً راغباً فى تسوية
النزاع مع قيادة التقراى، فإنه ربما لا يسمح له "رفقاء السلاح " بفعل ذلك .
ومن دون محادثات سلام، فسيكون لدى إثيوبيا خياران للمضى قدماً: إما أن إتباع إستراتيجية الإحتواء لسحق شعب تقراى وقيادته للخضوع، على سبيل المثال عن طريق الجوع/ المجاعة المفروضين – أو قتال متواصل يهدف إلى إعادة السيطرة على مَقَلِى، وتدمير قوة دفاع تقراى أو قتل قيادات جبهة تحرير شعب تقراى.
فى هذه الأثناء، الحكم لا زال غير معروف أى خيارٍ سوف تختاره. وعلى نحوٍ مماثل لا يمكن لقوة دفاع تقراى أن تظل مكتوفة الأيدى إذا ما استدام حصار إقليم تقراى، لأنها بهذا تخاطر بخلق معارضة داخلية لحكومة تقراى نفسها. وهكذا يكون خيارهم الوحيد إعادة الإشتباك العسكرى من أجل محاولة ترجيح كفة ميزان القوى فى ميدان المعركة مرةً أخرى.
إعتاد زميل لى فى جامعة أديس أببا على الزعم أنَّ: " إثيوبيا لا تفوت فرصة لتفويت فرصة" عندما يدور الحديث عن توكيد الإنتقال السياسى الديموقراطى الأصيل. فقد تم تفويتها فى عام 1974م بسقوط الإمبراطور هيلى سلاسى، وفُوِّتَتْ فى عام 1991م عندما تمت الإطاحة بالطغمة العسكرية لمنقستو هيلى مريم، وتبدو الفرصة قد فُوِّتَتْ مرةً أخرى عند تغيير قيادة الحكومة فى عام 2018م.
وإذا ما تم تفويت سانحةِ السلام هذه، فإنَّ الحرب/الحروب الإثيوبية على الأرجح ستستمر لتكون أكبر نزاع مسلح فى عام 2022م، وأبعد من ذلك.
• د. كييتول تروﻨﭭول ((@kjetil.tronvoll هو أستاذ دراسات السلام والنزاعات فى كلية أوسلو الجامعية الجديدة.

aljidayali50@gmail.com
/////////////////////////

 

آراء