سلام العالم في مواجهة التمايز الجنسي .. ترجمها: ناجي شريف بابكر

 


 

 

أعمال مترجمة

سلام العالم في مواجهة التمايز الجنسي
ترجمها: ناجي شريف بابكر
نقلا عن ذي فورين بوليسي ماغازين
كتب فاليري هدسون في 24 أبريل 2014
.
علي الصعيد الاكاديمي في الدراسات الأمنية، تسود السياسة الواقعية، وأولئك الذين يساندون هذه الرؤية، ملزمون بقبول الدلائل التجريبية حينما يتم إبرازها أمام أعينهم، ملزمون أن يروا العالم كما هو، وليس كما يتوهمونه في مخيلاتهم المثالية. كتب يوما والتر ليبمان "يجب ألا نستبدل نظرتنا للعام بإعتباره عالما خياليا".
.
حسنا، إن أمامنا هنا بعض الدلائل التجريبية الساطعة، التي لا يمكننا تجاهلها:
بإستخدام قاعدة بيانات واسعة المدي عن وضع المرأة في عالم اليوم، والتي قمت بإبداعها بمساعدة ثلاث من الزملاء، وجدنا من خلالها أن هناك صلة قوية ومعتبرة فيما بين حالة الأمن التي تعيشها البلدان وأوضاع النساء السائدة فيها. في الحقيقة فإن أقوي العناصر تنبؤاً بسلامة وأمن الدولة لا يتعلق بمستوى ثرواتها، أو الممارسة الديمقراطية فيها، ولا حتي كينونتها الإثنية – العقدية، إنما أقوي العناصر تنبؤاً علي سلامتها وأمنها يتعلق بالسؤال عن الكيفية التي تعامل بها المرأة فيها. بل أبعد من ذلك، فإن الديمقراطيات التي تعلو فيها معدلات العنف ضد النساء تجدها تماثل في إنعدام الأمن والإستقرار، نظيراتها اللاتي ننعدم فيها الممارسة الديمقراطية.
.
إن النتائج التي توصلنا إليها، والتي سيحتويها كتاب سيطرح خلال هذا الشهر تحت عنوان "الجنس والسلام العالمي".. تعكس ما توصل إليه دارسون سابقون من خلاصة فحواها أنه كلما إتسعت الهوة فيما بين النهج المتبع في التعامل مع المرأة من ذلك المتبع في التعامل مع الرجال في بلد ما، كلما زادت إحتمالات وقوع ذلك البلد في دوامات من النزاعات، داخلية كانت أو كانت في مواجهة دول أخرى، وأن يكون هو دون سواه من البلدان، المبادر في اللجوء إلي العنف في مثل تلك النزاعات، بل إلي مستويات أكثر تطرفا في العنف. وفي مساقات أخرى كالصحة العامة، النمو الإقتصادي، الفساد، ومستويات الرفاه الإجتماعي، فإن أكثر العوامل تنبؤاً هي تلك التي تعكس أوضاع النساء. إن ما يحدث للنساء يؤثر علي الأمن، الإستقرار، الرفاه، النزعة نحو العنف، الفساد، الصحة، نوع النظام السياسي، ، وبالطبع قوة الدولة. فإن الأيام التي كان من الممكن فيها لاحدهم أن يدّعي أن أوضاع النساء لا تحمل أي تداعيات علي مصير الأمن العالمي، في الحقيقة، قد ولت إلي غير رجعة. فإن النتائج الموضوعية المناهضة لمثل هذا الإدعاء متعددة وحاسمة بحيث يتعذر تجاوزها.
.
لكن بنظرة متفحصة للعالم، فإن أوضاع النساء تفتقر لأي حد من الأمان. وأن قواعد المعلومات لدينا قد ساعدت علي ترتيب البلدان ضمن حزم متعددة لسلامة أوضاع النساء، تتراوح درجاتها ما بين صفر (الافضل) وأربع درجات (الأسوأ). وإن الدرجات قد تم تخصيصها وفق تدقيق بحثي لأكثر من 130,000 معلومة مرجعية عن أوضاع النساء، علي أن يتوصل مدققان إثنان لإتفاق كامل في الدرجة المخصصة لأي من البلدان. ففي معيارنا لتقييم الأمان الفعلي للنساء في البلدان المعنية، لم يحرز أي بلد في العالم درجة الصفر، أي لم يخل بلد في العالم من قصورٍ ما في أوضاع النساء. لا أحد.. وقد كان متوسط أداء البلدان مجتمعة 3.04، مما يدلل علي الإنتشار الواسع لعنف مستمر يتم إرتكابه في مواجهة النساء في كافة أنحاء العالم، حتي في تلك البلدان التي تزدهر فيها مستويات التنمية والحرية. إن الولايات المتحدة الأمريكية علي سبيل المثال، قد حققت درجتين علي هذا المقياس نتيجة لتفشي حالات العنف المنزلي والإغتصاب.
.
إنه لمن السخرية أن يبادر كاتب كالسيد ستيفان بينكر، للإدعاء أن العالم قد صار أكثر أمانا، دون أن يعترف أن العنف تجاه المرأة في كثير من البلدان، غض النظر عما سواه، قد أصبح أكثر إنتشارا من السابق، بل أنه يتدثر في ثياب الإعتداءات التي تتمخض عن الحروب والنزاعات المسلحة. أن نقول أن بلد ما في أمان في وقت تتعرض فيه المرأة للتعدي والقتل، أو أن نغض الطرف عن العنف تجاه المرأة بينما ندعي، كشأن السيد ستيفان بينكر، أن العالم الآن قد صار أكثر أمانا، فإن ذلك لا يعدو كونه مغالطات لا قيمة لها.
.
إنه لمن المؤسف أن العنف من خلال التمييز الجنسي، يتخذ جذورا عميقة في ثقافات متعددة، لدرجة بعيدة، تجعله يتمدد ليس خلال حياة المرأة، بل حتي قبل ولادتها. ففي معيارنا لإختبار أفضلية الذكور، والتناسب ما بين الجنسين في المواليد، كان متوسط الأداء العالمي لكافة البلدان 2,41، دلالة علي أن العالم كله متورط في محاباة المواليد الذكور. وفي 18 دولة تمتد من أرمينيا وحتي فيتنام، فإن نسبة المواليد الذكور ترتفع بصورة تدعو إلي الريبة. إن هيئة الِأمم المتحدة للسكان تقترح إبتداء من العام 2005، أن أكثر من 163 مليون إمرأة قد إختفين في تعداد سكان دول آسيا، إما لأسباب تتعلق بعمليات إجهاض إنتقائية، أو قتل أجنة، أو وسائل أخرى. إن عالم الديموغرافيا السيد دودلي بوستون من جامعة إي إم في تكساس، قد تحقق من أن الصين سوف تعاني من عجز يزيد عن 50 مليونا من الفتيات بنهاية هذا العقد. كم سيُعقّد ذلك يا ترى من أوضاع الصين، إستقرارها وأمنها، وبالمقابل أحلامها كدولة تتجه لريادة العالم في هذا القرن.
.
مؤشرات جامعة أخري ينقبض لها القلب. ففي قوانين الأسرة، فإن النساء يتعرضن للتمييز علي أصعدة كثيرة، كالزواج، الطلاق، والميراث. هذا التمييز بالمقابل يخدم كأساس لتنامي العنف ضد المرأة، بالإضافة لأنه يجعلها في وضع أضعف لا يؤهلها لدورها في الدفاع عن نفسها وعن أطفالها. أنا وزملائي قد تحققنا من أن معدل الأداء العالمي في التمييز في قوانين الأسرة هو 2.06، مما يقود للتحقق من أن معظم الدول تنطوي علي قوانين وتشريعات تتفق، رغم تفاوت مستوياتها، في التمييز ضد النساء. وأن بعض دول الربيع العربي، بما فيها مصر المأهولة بالسكان، تندرج هي الأخرى وفق هذا المعيار.
.
الجدير بالذكر أن وفيات الأمهات، تتجه لمعدل عالمي في حدود 2,45، كدلالة علي أولويات الحكومات وتقييمها المتدني لحياة النساء.
وختاما، فإن تضمين أصوات النساء في مؤسسات إتخاذ القرار، إعتمادا علي مستويات تمثيلهن بأجهزة الدولة، يندرج وفق معدل دولي في حدود 2,74. ربما لا نجد غرابة في ذلك إذا ما علمنا أن مشاركة النساء في أجهزة الدول يقل عن عشرين بالمائة. ليس ذلك فحسب فإن تمثيل المرأة في أجهزة الدولة يأتي متواضعا في دول تشمل حتي ديمقراطيات ناضجة كاليابان (13,4%) وكوريا الجنوبية (14,7%)، ناهيك عن هنغاريا (8.8%). كما تأتي الولايات المتحدة في درجة أقل من المتوسط حيث تمثل النساء فيها ما لا يتجاوز 17% من أعضاء الكونغرس.
.
إنه لمن السخرية بمكان أن نعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية حينما قامت بغزو أفغانستان والعراق، كانت تلح علي أن هذه البلدان يتدني فيها تمثيل المرأة لأقل من 25%، بينما نجد الآن أن البلدين سويا يتجاوزان الولايات المتحدة في هذا المعيار: فإن برلمان أفغانستان تمثل فيه النساء 28% من الأعضاء، بينما تمثل المرأة 25% من عضوية البرلمان العراقي. ففي ذلك الإطار فإن أداء الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، من حيث تمثيل النساء، قد تفوقت فيه حتى علي نفسها.
.
إن الحجة علي العنف ضد النساء ظاهرة للعيان، لكن ما الذي تعنيه حينما يتعلق الأمر بالسلام العالمي؟.. إذا ما نظرنا إلي ظواهر كالإجهاض الإنتقائي وتعدد الزوجات: نجد أن الظاهرتين قد ساعدتا علي إختلاق طبقة من الشباب معزولين ودون شراكة حقيقية في المجتمع، حيث أنهم محرومون، بسبب ذلك، من تكوين خلاياهم الأسرية التي تخصهم، إذ يُعدُّ ذلك مؤشرا علي النضوج الذكوري وفق ثقافاتهم المحلية.
.
ربما ليس مفاجأة أن نشهد تنام واضح في معدلات الجريمة، السرقة، التهريب، والتي من خلالها تحاول هذه الشرائح المهضومة إجتماعيا التأهل للمنافسة علي الزواج. لكن وجود مثل هذه الشرائح من الرجال الطلقاء في مقتبل العمر قد تساهم أيضا في إنتعاش تجارة الإنضواء تحت ألوية المنظمات الإرهابية، أو حتى في حث الدول علي إشعال حروب عبثية للتخلص من الضغوط التي تمثلها مثل هذه الشرائح. علي سبيل المثال فإن الناجي الوحيد من هجمات بومباي في 2008 قد إعترف بأنه قد تم دفعه بواسطة والده للمشاركة في العمليات لغرض الحصول علي ما يكفي من الأموال لمقابلة نفقات الزواج المتنامية له ولمنسوبيه.
.
ومن خلال البراهين العملية كان من السهل علينا التمييز في أن الإتفاقيات التي تضع حدا للنزاعات المسلحة، والتي لا تُمثّل فيها النساء، تكون عرضة للأنهيار أكثر من نظيراتها اللاتي تأخذ مسارا مخالفا، كما أن المجموعات الذكورية تميل عادة لإتخاذ قرارات قاسية وخالية من التعاطف، أكثر من المجموعات المختلطة التمثيل، ظاهرتان ربما قادتا لإحتمالات أكثر ترجيحا لنشوب النزاعات فيما بين الدول.
.
علي مستويات أكثر عمقا، فإن القابلية للتعايش مع عناصر بشرية مختلفة عنا تتأثر في كل مجتمع لوحده بطبيعة العلاقة ما بين الإناث والذكور في ذلك المجتمع. ففي المجتمعات التي يسود فيها الرجال من خلال العنف، فإن عصابات يسودها الذكور تسعي لإدارة الدولة بنفس الدرجة من العنف. قد تم التعبير عن ذلك جليا من قبل مناهضين إيرانيين من الذكور خلال الإنتفاضة الخضراء سيئة الحظ في 2009، من خلال إحتجاجهم بإرتداء محارم نسائية، كدلالة علي الثورة ضد النظام، وكدلالة كذلك للتضامن مع النساء اللاتي قد طال إضطهادهن بواسطة النظام. وقد أبدى ذلك أحد المؤيدين للإحتجاجات: "قد تأخرنا نحن الذكور الإيرانيون في القيام بذلك.. إن كنا قد قمنا بذلك في اليوم الذي فُرض فيه الحجاب علي أخواتنا اللائي لم يكنّ يرغبنّ بذلك، لما أحتجنا لأن نكون هنا اليوم". هذه عبارة شديدة العمق: إن الذكور الذين لا يحركون ساكنا وهم يرون النساء يتم إخضاعهنّ، سينتهون هم أنفسهم يوما ما ليصبحوا ضحايا لهذا الإخضاع. بينما الذكور الذين يرون نظراءهم الإناث كأنداد متكافئين هم الوحيدون الذين تتعاظم فرصهم لنيل الحرية والعيش في سلام.
.
في إشارة مليئة بالأمل، فإن وزيرة الخارجية الأمريكية السيدة هيلاري كلينتون، قد أعلنت أن أوضاع النساء ستكون في محط إهتمام السياسية الخارجية الأمريكية، وقد أوضحت في 2010 أن "إن مساواة النساء في الحقوق، ليست موضوع أخلاقي فقط، ولا إنساني، إنها ليست موضوع عدالة فقط، إنما موضوع أمن وسلام"، ثم أضافت كذلك "إن ذلك يعتبر من المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية". ولكن بالأخذ في الإعتبار أن الدلالة النافية للشك في أن توفير الأمن والإستقرار للنساء يساهم في تحسين الأمن والسلامة للدول، فإنه من المحير أن البعض ما زال مترددا بالأخذ بتلك الدلائل، مما يؤكد علي كون الآخرين مسلوبي الإرادة في مواجهة الثقافات والتقاليد السائدة. الدليل الأكثر إلحاحا في الوقت الراهن، أفغانستان، حيث يبحث ممثلون رفيعون قرار الولايات المتحدة بالرحيل في 2014 "إن موضوع التمايز الجنسي ربما اتخذ أولوية متأخرة من ضمن قائمة من القضايا الأخرى". لا يمكننا إلا الجزم بأن أوضاع النساء في أفغانستان سوف تشهد مزيدا من التدهور مع رحيل القوات الأمريكية، وقد أكدت نساء أفغانيات عن قلقهن من ذلك، لكن كيف يتسق الأمر مع تصريحات السيدة كلنتون؟.
.
إن الولايات المتحدة ليست عاجزة عن مد يد العون للنساء في أفغانستان، حتي وهي مزمعة علي الرحيل. ربما بإمكانها علي الأقل تقديم ضمانات لإعانتهن علي الهبوط بسلام فيما بعد 2014. فقبل مغادرتها يمكن للولايات المتحدة وضع مسارات لجوء واضحة لنساء أفغانستان اللاتي يواجهن جرائم ضد النساء، أو ربما الإعلان عن برامج لمنح دراسية يتم من خلالها إستقدام فتيات أفغانيات علي درجة كبيرة من الذكاء للجامعات الأمريكية. ويمكنها كذلك التأكيد علي تمثيل النساء في محادثات السلام مع طالبان. بل أكثر من ذلك يمكنها دعم المطاردات التي تباشرها محكمة جرائم الحرب في مواجهة قادة بارزين في طالبان سبق أن تورطوا في جرائم ضد النساء. يمكنها كذلك أن تكمل مبادرات التمويل لبث إذاعي مجاني مخصص للمرأة الأفغانية، وتأسيس مدارس داخل المساجد لتعليم النساء. تستطيع الولايات المتحدة بالتأكيد إنتزاع ضمانات من الحكومة الأفغانية بضمان عدم المساس بملاجئ النساء. ويمكنها كذلك التحكم في عمليات العون لأفغانستان من خلال ربطها بمؤشرات معيارية لتحسن أوضاع النساء هناك.
من المؤمل أن السيد رايان كروكر سفير الولايات المتحدة في أفغانستان، وآخرين، أن يكونوا أكثر حرصا علي التحقق من مثل هذه النقاط آنفة الذكر.
.
إن الدليل واضح جدا، إن التحدي الرئيسي في مواجهة القرن الحادي والعشرين، يتمثل في التخلص من العنف في مواجهة النساء، وإزالة العوائق في تنامي قدراتهن، إبداعهن، وأصواتهن. إن طائراً بجناح كسير، أو فصيل بأنثي جريحة لن يكون قادرا علي التنامي.. إننا علي علم كافي بذلك. بل إن التجربة الإنسانية تحتشد بالتجارب لآلاف السنين، وقد دفعت مقابل ذلك أنهارا من الدماء، وجبالا من المعاناة. إن بلدان العالم عليها إتخاذ مسار مغاير، ذلك المسار الذي تسنده كافة الدلائل الموضوعية، سيقودنا قطعا لحياة أفضل، وللرفاهية والأمن لكافة بلدان العالم.
.
إنتهي

nagibabiker@hotmail.com

 

آراء