سلمان الطوالي الزغرات

 


 

 

عبد العزيز إبراهيم جلوكا

صار سلمان الطوالي، الشهير ب"الزغرات"، الذي جاء خبره في كتاب الطبقات للشيخ ود ضيف الله (تحقيق يوسف فضل حسن) رمزاً للأوبة المعجزة من الفسق إلى الحق. وتوج هذه الرمزية المسرحي علي مهدي في "سليمان الزغرات سيد سنار" الاحتفالية التي وجدت قبولاً دولياً. وذاع خبر سلمان الزغرات عن الطبقات حتى بدا وكأن ذكره انطوى بهذا الخبر ولا الباحث عنه أكثر من الذي جاء به ود ضيف الله. وأريد في هذا المقال تجديد سيرة الرجل بما رأيته من عقيدة أهله رفاعة الطوال فيه وبما جمعته من كرامات مروية عنه.

خبر سلمان في الطبقات:
فقالوا له: اسقي الفقراء عطاشا فسقاهم .1 الطبقات ص 151. وأيضا لم يكن في مسرحه غير جاريته منانة التي تضرب له الدلوكة.
سلمان الطوالي "الزغرات" من قبيلة رفاعة فرع الطوال. أخذ طريق القوم من الشيخ محمد الهميم وسبب بداية امره أنه كان فاسقا بابكولا والبابكولا هو الشخص الذي يحضر الماء لصنع المريسة، ومسكنه اللبتور وهو جبل شامخ جنوب شرق رفاعة فهو مسافة يوم من رفاعة. وقيل إن الشيخ محمد الهميم ومعه الشيخ بان النقا خرجا من رفاعة بفقراهم طالبين المندرة فلقيهم سلمان مالي قربته ماء ليرقق بها المريسة للمراسة. قالوا له: أسقي الفقراء عطاشا فسقاهم. فقال له الشيخ محمد الهميم؛ الله يملاك دين. فتاب واستغفر ولحق الشيخ في المندرة سلك طريق القوم وأرشده. فأنجذب، وغرق، سكر ولبس الجبة المرقعة وفوقها الرحط وجرسين أحدهما: يمينا والآخر شمالا، ويزغرت، ناس رفاعة سمعوا صوته. رفاقته المراسة قالوا سلمان جن قال:
قالوا لي مجنون.
لاقوني ناس المكنون.
سقوني عسلا مشنون.
بعد أخذ سلمان الزغريد الطريق من الشيخ محمد الهميم عبد الصادق صار صادقا في عمله، وقد أتي الطريق من بعيد حيث كان بابكولا وهو الذي يشرب الخمر وليس لديه نقود يدفعها لأصحاب الخمر بل كان يحمل للمراسة الماء من العاديك "النيل الأزرق" الي الابايتور مسافة يوم كامل بالأرجل أو الزوامل وكان يحضر الماء. وقيل عصّب جارية من أهلها كما قيل أيضا من أهله، تضرب له الدلوكة إسمها منانة. و كانت لها معرفة بجميع أنواع الضرب و يقول لها:
يا منانة يا حنانة
دقي الدلوكة
يا خادم الله الماك مملوكة.

خبره بين أهله وكراماته
للرجل ما تزال سيرة كبيرة بين بني قبيلته رفاعة الطوال بجهة أم أصلة عرب المناقل على حدود ولاية النيل الأبيض التي جمعت منها سيرته وكراماته. فأحفاده من أهل عقيدته يزورون قبره بود ساقرتة جنوب شرقي مدينة رفاعة الي يومنا هذا للبركة والمقاصد. وأكثر هذه الزيارات في الأعياد. ويناديه المكروب ف " ينده " من الأقاصي إذا تعقدت اسباب الوصل.وأطثر قصاده من طلاب الذرية فيذهب إليه طلابها ويرقدون على حافة قبره متوسلين. وهم يعرفونه ب"الزغريد" لا "الزغرات" وربما لم يستحسنوا صفة الزغرته فيه بما يشبههه بالنساء. وأكثر من هذا يعرف أهله أن له من له من الأبناء علي المدفون معه بود ساقرتة، ومحمد، وأبو القاسم، ومصطفي الملقب ب " أبو حجل". ولمصطفي ولد هو ونور الهدي المدفون بمنطقة " أبو حلاقيم، شمال شرقي مدينة الدويم. ولسلمان ابنة هي نورا المدفونة بمنطقة ” فداسي" شمال مدينة ود مدني.
كراماته
جاء من كراماته أنه أرشد إلى قبره جماعة من أهله ضلوا عنه.
ففي نحو 1940 وصل رفاعة أربعة رجال وطفل كان راكبا خلف والده قادمين من جهة الدويم علي حدود النيل الأبيض. وكلهم من أحفاد سلمان الزغرات. وغادروا رفاعة علي متن حميرهم. وعندما أدركهم الليل كانوا بالقرب من ود ساقرتة موضع مقبرة الشيخ. كان الظلام حالكاً جعلهم في حيرة من الوجهة إلى قبر جدهم. قال أحدهم: "يا زاير ودنا لسلمان جدنا". وفي أثناء ترديده ظهر صقر وبدأ يتقافز أمامهم من شجرة إلى أخرى وهم في أثره. قال الحادي: "دا جدكم تابعوه". وحينما حط الصقر في الأرض كان الموضع قبر سلمان الزغريت. فناموا جميعا في محيط الضريح. وفي أثناء نومهم جاء رجل قال: "قومو العشا عصيدة بلبن وسكر تقيل وماء أيضاً. طعموا وشربوا. وفي الصباح لم يجدوا أثراً للرجل ولا للمواعين.

ويروي الناس عن الزغرات كرامة ربما كانت السبب في أنه مقصود من طلاب الذرية.تقول الرواية إن الشيخ محمد العركي جد "العركيين" فهم رفاعة ايضا. وكان الشيخ محمد العركي رجلا صالحا إلا أنه لم يرزق ذرية. لذا ذهب الي الصادقاب طالبا الذرية. قال الشيخ محمد العركي للشيخ محمد عبد الصادق: "الشيخ نوم لي بالخيرة بدور الجنا". وفي الصباح قال له الشيخ محمد عبد الصادق: "والله فتشت أركان الكون الأربعة ما لقيت ليك فيها جنا إلا أرجأ ولدي سلمان الزغرات. جاء سلمان الزغرات وأخبروه بالقصة ونام بالخيرة. وفي الصباح قال سلمان للعركي إنه: "لم يجد له ذرية إلا من أم حسون بت الحاج سلامة ولكن سيرتها "أي زواجها" الليلة فأسرع خذها. فمضى العركي مسرعا الي حيث ديار الحاج سلامة التي وصلها عصراً، وأخبر الحاج سلامة بالقصة. ولم يتوان والد أم حسون في الأمر. فذهب الي العريس وأطلعه جلية الأمر وفي الحين قال العريس "حرم يعرسه فوق مهري". فعوضوه بعقد قرانه فوراً على أختها. وتزوج الشيخ محمد العركي ام حسون التي انجبت له الشيخ دفع الله المصوبن جد العركيين.

وكرامات الزغرات كثيرة. قال أحدهم من قبيلة الطوال إنه تزوج ولم ينجب لأكثر من عقد من الزمان زار خلاله كل الأطباء اصحاب التخصص ولكن دون جدوى. وفي يوم ما قيل له: " زور جدك سلمان بنقضي أمرك ان شاء الله". ولم يكن الرجل ممن يعتقد في مثل هذه الأشياء فلم يكترث للأمر. ولكن " سيد الرايحة يفتش خشم البقرةكما يقولون. فذهب وقضي ليلته بجوار قبر جده سلمان الزغرات بصحبة زوجته وسائق سيارة. وظل ينده يطلب الجنى. وبعد تلك الزيارة حبلت الزوجة وأنجبت له ولداً أسماه سلمان تيمنا بجده.
وتروى بجانب ذلك كرامات أخرى لسلمان مما يكشف عن ترسخ الاغتقاد في بركته إلى يومنا. فحدثني عمي الشاب التاجر المتجول قال إنه كان لديه دين مستحق من إحدي نساء ام درمان. ولبثت السيدة تماطله شهراً بأكمله. وذات يوم، وكعادته كلما ألمت به ضائقة، استنجد بجده سلمان الزغرات. وفي الطريق الى منزلها ظل يردد: "يا سلمان يا سلمان الليلة كان حيه كان ميتة ألقي منها حقي". وكانت السيدة في منزلها. وفجأة شعرت بشيء من التوتر والقلق. وفقدت السيطرة على نفسها. وبداالأمر غير طبيعي بالنسبة لها ولم تجد مبرراً لهذا القلق الذي إنتابها ساعتئذ. كانت تجيء وتذهب داخل منزلها بلا داع. وظلت على هذا الحال حتى وصول عمي الى منزلها. وحسب قولها إنها أرادت الخروج. ولم تستطع. وحين طرق عمي الباب وفتحت له تحولت الى كائن آخر من الوداعة عكس الحال الذي اعتاده في السابق. فقد كانت فيما مضى فظة، متجهمة، وضنينة أيضاً. وجاءت طائعة راضية بالمبلغ المطلوب كاملا دون نقصان وقالت:" انت الليلة عملته لي شنو?". قال: "نهمته جدي سلمان الزغريد".
يبدو أن عمي ورث هذا الإعتقاد من لدن أبيه الذي تروي عنه أيضا حكاية" التور". فذهب هذا الرجل ومعه خاله إلى الدويم لشراء أبقار. كانوا شبابا. وبعد شراء الأبقار توجهوا صوب المراكب لكي تقلهم للشرق. فرست المركب وعلى متنها الأبقار بالشرق. وبعد أن وطأت الأبقار "القيف" بأقدامها سالمة أحس الثور وحشة الأرض و"جفل". وكانت نيته العودة غربا. كان قويا لا يلوي على شيء. نادي الرجل: "يا سلمان أكسرو!" وما لبث أن انكسرت ساقه. إلا أنه قام ظالعا وجري على ثلاث أرجل كأن شيئاً لم يكن. ونده الرجل ذات النداء:" يا سلمان أكسرو" وبالفعل تم له المراد. وأصبح الثور محطماً تماماً.

كثيرة هي الكرامات التي تروي عن سلمان الزغرات. ففي العام 1966 تنادي رجلان، كباشي ورفاعي طوالي، وعزما زيارة قبر سلمان الزغرات. فسمعهم طفل كان يدرس في ثالثة أولية فأنضم إليهما لم يأخذ معه شيئا سوي قلمه ولفح علي جسده الضئيل إزارا لأبيه كان قد جاء به من الحج. كان الموسم صيفاً فوصلوا منطقة ود آدم جنوب قبر سلمان في ود ساقرتة وفي إتجاه الغرب منطقة أم عكش. هناك أشار لهم الخبير، الذي له معرفة بمكان القبر، إلى جهة ود ساقرتة وقال بأن: "جدكم قاعد هناك". وفي ذات المكان أضاء نور وأخذ يتطاول لأعلي مدة ليست بالقصير.ة وما أن دنو منه إنطفأ. قال محدثي وهو حفيد سلمان: "بيّتنا فوقو، في رقدتنا شفتو (أي سلمان) شايل عصا ومقالد عمي غرب البحر (يقصد النيل الأبيض) قلته ليهو": تقالد عمي غرب البحر وأنا راقد جمبك". وعندما سمعه رفيقه يتحدث وهو نائم استيقظ وقال له: "يا زول مالك بتتكلم براك جنيت?" فحكى له ما شاهده ووصف له سلمان. قال:" أخضر رهيف، إزيرق نحيف". ناموا مرة اخري. وقريبا من الفجر سمعوا صوت عربة وتبعتها رائحة "بنزين". وكان الطفل متلفعا بإزار أبي.ه كان الازار متسخا إذ لا يوجد لديهم صابون في ذلك الحين فمسكنهم الخلا وسط الحقول. وفي أثناء نومهم جاء سلمان بقارورة عطر و"رش" العطر على ملابسهم وبقي أثر العطر في ملابسهم حتى عودتهم الى بلدهم. كل واحد من الرجال جاء بحاجته. الرجل الذي من قبيلة الكبابيش قال: "أمسك عربية أبني ليك سلك شايك". الطفل كان ممسكا بقلمه قال: "جدي قلمي ما يقع واطا كان وقع ما بزورك، كان ما وقع بزورك"." الرجل الطوالي الذي من أحفاده عقد نية الزواج. ولم يدم الأمر طويلاً تخقق لكل مراده ببركة الشيخ. فالرجل الكباشي جاءه أحد أثرياء المنطقة وعرض عليه أن يشتري له "لوري" ويكون شريكه. والطفل تقدم في المراحل الدراسية بنجاح تلو النجاح حتى صار من كبار المحاسبين. أما طالب الزواج فقد تزوج بنت عمه في ذات السنة.
ستغتني رمزية سلمان الزغرات بهذا الفصل الذي أتينا عليه في هذا المقال الذي دونا فيه سيرته من عقائد أهله فيه وفي كراماته. في سيرة ما بعد الطبقات للزغرات مادة مستجدة لروايه وثيقة للزغرات الذي صار فينا ولياً في لمح البصر.

IbrahimA@missouri.edu

 

آراء