شبابنا بين ( جاهزية) داعش..( وجهلنا) بالدين!

 


 

 

((إلى الناس عامة، وإلى المسلمين خاصة، وإلى السودانيين بوجه أخص!!

اعلموا: أنّ الإسلام بريء من الهوس الديني الذي يجتاح العالم الإسلامي اليوم!!

وهو بريء من المهووسين الدينيين الذين يسفكون الدماء، ويفسدون في الأرض، مشوهين وجه الإسلام الحق، ومباعدين بين الناس وبين المعين الصافي!!

فلا تقابلوا هذا الهوس بالسلبية، ولا بالإذعان، ولا بالرضوخ لإرهاب دعاته المضلّلين!!

بل واجهوا هذه الجهالة بسلاح الفكر الديني الواعي!!

وواجهوها بحكم القانون!!

سددوا أمامها المنافذ، والثغرات!!

وادحضوا حجة هذا الهوس .. اليوم، وليس غداً!!

فإنّكم إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير!! ))

الاخوان الجمهوريون

كتاب  (اﻟﻬﻮس الدﻳﻨﻲ  يهدد أمن ووحدة الشعوب  ويعوق  بعث الاسلام )  يونيو 1980

لقد تناقلت كل صنوف الميديا المحلية وحتى الخارجية انضمام  طلبة مامون حميدة لداعش

ومن جريدة حريات بتاريخ  18 مارس 2015 داعش ( يجند (11) طالباً وطالبة من ابناء الاطباء وأساتذة الجامعات السودانيين)

ايضا ورد فيها نص الدكتور الفاتح  الملك جزئية : لقد تم تسفير 11 طالب وطالبة من الطلاب النوابغ جداً والمتدينين جداً جدآ ونحسبهم ممن هدى كثيرا من زملائهم في الجامعات 5 منهم من جامعة مأمون حميدة جميعهم أبناء أساتذة أما في جامعة الخرطوم أو دكاترة في السعودية أو انجلترا وذلك يوم الأربعاء الماضي وللأسف كلهم يحملون الجنسية الانجليزية مما سهل خروجهم من مطار الخرطوم...الخ ).... انتهى

وتوقفنا عند محطات الدهشة مزيد،  واعترتنا حوجة المحتاج  لتكذيب الخبر  وبعدها انصب جهدنا في تداولنا الخبر، ثم توقفنا ، عند محطة انتظار حدث اخر!! ودلت الشواهد اننا نُكرر  الدهشة السابقة عقب كل حادثة ، وتظل المشكلة في انتظار حل جذري.

لقد تأملت  توصيف الطلبة  والذين نسأل الله ان يرد غربتهم سالمين ويطمئن اهلهم، ويطمئننا  عليهم،   ويحفظهم ببركة صلاح أهل السودان اجمعين، ( رب أشعث أغبر لو اقسم علي الله لأبرّه)..  لقد  ورد في توصيفهم  بأنهم ( متدينين جدا جدا).  وهنا بيت القصيد، اذ نحن في حاجة ماسة لتعريف من هو المتدين؟ وماهو المعيار لمقياس هذا التدين!!؟  معلوم ان الدين يبدأ بالظواهر  كوسيلة معينة  لكي  يكون الانسان  مهتما بالداخل ، متدينا جوهراً ، وان ينعكس ذلك الداخل في معيشة لقيم الدِين في اللحم والدم ، فينتج الفرد الحر الخيِّر  النافع البار بأهله ، وبالمجتمع الذي يعيش فيه أيا كان نوع ذلك المجتمع وبأي ارض كان شرقاً او غرباً. فلقد ورد الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

لذلك شباب هم من خيرة  الشباب ومتعلمين وناجحين اكاديميا ، ما الذي حدث  ليحوجهم للانضمام الي داعش؟ هل ياترى  بسبب الفهم الديني الذي تطرحه  الجماعات السلفية والمتطرفة،  في انها تدعو لإحياء الدين وعودته كما كان في عهده الاول في القرن السابع، متخذين من ( أزمة الأخلاق العالمية) ! ذريعة لهذه الدعوة !! ومتكئين  على الفهم الجهادي الاسلامي، في التبرير للعنف!! ؟

ام بسبب بحثهم عن الله!! وعن حل للتناقض الحادث بين معيشتهم في تلك المجتمعات الغربية وبين  معتقدهم كمسلمين!!

ام  هو  ماعليه الداعشيون من ( مظهر المتدين) والمسكنة ! وتعمير المساجد  وحلقات التلاوة ،واللحى وارتداء العباءات السوداء والنقاب!!

الحقيقة  ان الدين الاسلامي ليس هو بدين المغفلين، او البسطاء السذج بل هو دين الأذكياء،  لذلك كان أحرى بالشباب الذين تستقطبهم داعش من عواصم البلدان المتقدمة ان يسهل عليهم التمييز والتفريق ..

لقد استطاعت الجماعات الاسلامية  ورجال الدين  كمنهجية رسالية  في فقههم ، اتخاذ العواطف وسيلة  لاستغلال الناس باسم الدين. ويكفي شاهدا ان حكومة الاخوان المسلمين بالسودان  والتي تجلس على سدة الحكم لأكثر من ربع قرن ، ساقت الشباب لحتفهم في أحراش الجنوب بفهم انه جهاد بين المسلمين والكفار وان موعدهم الجنة ، واهازيجهم التي  كانت تدوي في اجهزة الاعلام وتغنى بها حتي الأطفال في الحواري وعند ميادين اللعب فيما يشبه الغيبوبة وغسيل الدماغ:

(     أقـسـمـت يـا نـفـس لـتـنـزلـن لـتـنـزلـن أو لـتـكـرهـنـّـ

إن اجلب الناس وشدوا الرنـه مالى أراك تكرهين الجـنــه

يا نفس الا تقتلى تموتى هذا حمام الموت قد صُليت

وما تـمـنيت فقد أُعطيت إن تـفـعـلـى فـعـليهما هديت

ياحبذا الجنات واغترابها طيبة وبارد شرابها

امريكا وروسيا قد دنا عذابها علي ان لاقيتها ضرابها)

وأضعف مافي هذا التنادي انه دعوة هوسية للموت ، متغافلين عن ان الأصل في الدين ان تحيا في سبيل الله، وان تشمر مسابقا الموت بالإكثار من  فعل الخيرات والطاعات  وبنشر دعوة الاسلام السلام.

والحقيقة ان هذه الدعوة لم تفنِ وتبيد غير أَبْنَاء الشعب السوداني المحب بالفطرة للدين ، ولم نسمع طوال حقبة حكومة الاخوان المسلمين ، ان  ابن احد الدعاة الإسلاميين او الحاكمين او ( المتمكنين) قد استشهد، او سمعنا بسرادق عزاء  أقيم في  فناء دورهم ( لعرس الشهيد)،  او زغاريد ام الشهيد امام كاميرات برنامج (ساحات الفداء ) او شاهدنا جولات السكر والزيت والشاي عوضاً بخساً لفلذة أكبادهم !!!

الملاحظ ان هذه الدعوة الجهادية  تساوت بين داعش والاخوان المسلمين والوهابية وجماعات التكفير والهجرة،  وخلافهم من الجماعات السلفية ، واجتمعوا على كراهية (امريكا وروسيا)  ، في محاولة بائسة لتجسيد دورة  التاريخ الاسلامي في الْقرن السّابع وإعلانه الجهاد على  ( دولتي الفرس والروم) !! وهذا يسوقنا للرجوع  الي مرابط الدهشة ، في كيف جاز لهؤلاء الشباب الأذكياء الانضمام الى صفوف  داعش ؟؟

وقد  تكون الاجابة ميسورة اذ ان داعش فاقت رصيفاتها من دعوات الهوس الديني  الأخري ، باستقطاب شبابنا بمخاطبتهم بلغتهم العصرية والتي هي نفسها من صنع ( امريكا وروسيا) !! اذ طوعت بواسطة الشباب أنفسهم أدوات التواصل الاجتماعي الالكتروني والميديا، كوسيلة لغسل الادمغة ونشر الفهم السلفي المتخلف للدين.

وساعد الآباء في المهاجر بدفع ابنائهم دون وعي منهم الى احضان ( داعش) ،  فبدافع الحرص على ان يظل هؤلاء الشباب الّذِين ولدوا مسلمين بالفطرة ، في بلدان غير مسلمة ،  مسلمين صحيحي الاسلام، ومن قبيل  الحماية  لهم من التدهور الاخلاقي ، الذي يلجئهم للمخدرات والامراض النفسية والانحراف عن الفطرة الانسانية السليمة ، حرصوا على دفعهم الى المساجد، وحلقات تحفيظ القرآن،  وتسليمهم الى أئمة  لا يعلمون عنهم شيئا سوى مظهر ( المتدين جدا جدا ).. وفي حقيقة الامر هؤلاء يختلفون عنا نحن (السودانيين).  اذ نحن  اصحاب  إرث ديني طيب،  ضارب في عمق التصوف  ورثنا منه سماحة الدين  والتعايش السلمي بين بعضنا البعض، رجال ونساء وبين المجتمعات الأخري ، وبذلك تمايزنا عن بقية المسلمين  الذين يحملون الفَهْم السلفي  المتطرف للدين..

ومن اعجب الأمر ان تلك المساجد هي منشآت أقيمت صروحها،   بتصريح وتعاون من دول تلك المهاجر سواء كانت في إنجلترا ، امريكا ، كندا او غيرها،  بَلْ وتحت حماية ورعاية قوانين تلك الدول،  التي تؤمن لهم السلم وإقامة شعائرهم ومعتقداتهم  بالطرق التي يرتأونها ، وهي نفس الدول التي  تسهل لهم الصالات الضخمة لإقامة صلاة العيدين ، ويتقبلون منهم الدعم  المالي والعيني في حالات الكوارث الطبيعية في الدول الاسلامية، وهو  في الأصل دعما ماديا يأتي جزء منه كضرائب من البورصات وصالات القمار والمضاربة والخمور!!!!  وهنا يتجسد تناقض هؤلاء الأئمة والقائمين على المساجد، في انهم يقبلون باليد اليمنى دعمهم وباليسرى يحملون  السلاح لحربهم!!

وبمثل هذا الصنيع أودعنا  شبابنا، وبجهلنا، الي حتفهم، فبدل ان توجه تلك الطاقات لكي تخدم حوجة  إنسان موطنهم الأصلي ، بالعمل الطوعي في  مناطق  الفقر والحروب والجهل في الشمال والشرق ، دارفور ، وجبال النوبه وغيرها،  يتم تبنيهم من داعش وينضموا هم طواعية  في ركابهم بحجة  التطوع في مستشفياتهم، ومن سخرية الاقدار ان داعش لم تطرح  في برنامج خلافتها الاسلامية  ان الانسان  غاية في ذاته  واحتياجاته اولوية ، بَل تبنت رايتها الجهادية ( السوداء) !!!  شعار (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) .. والمشركين عندهم هم ايضا من ( المسلمين) الذين يخالفونهم الرأي.. لذلك لم نشاهد لهُم مستشفيات !! بَلْ امتلات الفضائيات بتنفيذهم  الرجم والقتل بالرصاص والسيف والقطع من خلاف ، على الرجال والنساء ، وهم مكبرين ومهللين وزاجين بنبي المرحمة في عقب كل حادثة  مروعة امام شاشات العالم..

اذن كيف يمكن  ان يجتذب الشباب  الأذكياء  بمثل هذا الصنيع !! الا اذا كان هذا ما وصل اليهم بانه هو ( الفهم الصحيح للإسلام  )، لذلك أذعنوا اليه تسليما بان هذا الامر ( دين) ، كما كان يتم تخويف المفكرين قبلهم بالمفهوم الخاطئ  بترويج السلفيين ان  ( الدين نقل وليس عقل) !! لانه بغير كبير ذكاء ، واضح ان  داعش وغيرها من الدعوات السلفيّة ،  قد فشلت في ان تستخرج من الاسلام حلولا لمشاكل هذه البشرية  وحلولا لهذا الشباب الحائر المضطرب   والباحث عن الله ، بَل وعجزت عن طرح منهجية توائم بين معتقدهم ومعيشتهم في بلدان الغرب!

وهكذا  لم يترك لنا هؤلاء الشباب  المنضمين الى صفوف داعش سوي خيارين، إما الوقوف في محطات التحسر والدهشة،  او التعامل مع هذه الظاهرة بجدية تنقلنا من تتبع اخبار داعش!!  الى محاربتها بتسليح ابنائنا بالفهم السليم للإسلام !!  (يا أيها الذين آمنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ) صدق الله العظيم

ايضا كجزء من تسليح ابنائنا بالفهم السليم للإسلام لابد لنا كمسؤولين واولياء أمور لهؤلاء الشباب ان نتبين ذلك الفهم إبتداءً .. اذ تبين ان  جَمِيع أولياء أمور الشباب الّذِين انضموا لداعش لا تنقصهم المعرفة الأكاديمية والتحصيل العلمي وحائزين على اعلى الشهادات والوظائف العلمية، لكنهم من  مجريات الأمور في تقديري انهم في امر دينهم، يركنون إلى الفهم المتعارف عليه بَين المُسلمين ، وهي أن العلم والمعرفه بالدِّين هي من اختصاص من درسوا الدين في المؤسسات الدينية وسموا أنفسهم ( برجال الدين) !! ومن هَذَا المنطلق  أوكلوا امر تعليم شبابهم الدين  الي تلك الجماعات التي ارتضت بالفقه بديلا للفكر في مجابهة مشكلات هؤلاء الشباب وسخرت الدين للسلطان واستغلت به البسطاء والسذج، وطوعت كل امكانياتها لمعاداة الغرب والأديان الأخرى .

لذلك لاسبيل للخروج من هذا المأزق الا بان  نعي  ان الاسلام جاء من اجل إسعاد الانسان وإعمال الفكر واستخدام العقول وتوحيد البنية البشريّة ومعافاتها من الأسقام النفسية والتعصب والعنف.

tina.terwis@gmail.com

////////

 

آراء