شباب الثورة (طموحات مشروعة)

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم


abdullah14abdullah24@gmail.com

اصبحت اوضاع السودان تثير الحيرة والاسف من شدة تعقيداتها وتناقضاتها ومفاجآتها التي تتالي علي مدار اليوم، لدرجة بتنا نصبح فيها علي حال ونمسي علي حال مغاير، ونحن عالقين بين الرجاء والخوف. ولا ندري هل هذه آلام المخاض لدولة جديد علي اسس حديثة؟ ام هي اعادة انتاج لذات اخطاء الماضي لنخب سياسية تسترجع سيرة ال بوربون؟ ام هذا كله نتاج طبيعي لتجربة اسلاموية في غاية العدمية، لم تكتفِ بالفشل الاداري والفساد المالي والانحطاط السياسي والتحلل القيمي فقط، ولكنها مارست نوع من التخريب المتعمد وبما يرقي الي ممارسة سادية او سياسة التشفي والانتقام!
وسط كل هذه المراوحة الخطرة حول نفس المواقف والقضايا والشخوص، يظل موقف الاعتصام براس رمحه الشباب هو الاكثر اشراقا، او هو ما تبقي من زخم ثورة اثارت اعجاب الجميع بسلميتها وسط اجواء كلها احتقانات، بعد ان تجاوزت عقبة الرصاص والبمبان باعجوبة. ولكن طال الزمن ام قصر فان زخم الثورة الي زوال، ليبقي مردود هذا الزخم، اي ترجمته علي ارض الواقع سواء من خلال فعل عقلاني يمتد عبر الزمان، او الي فعل وقتي ينتهي بانتهاء اللحظة الثورية او اندثارها تحت ضربات تناقضات الواقع والمصالح واختلاف وجهات النظر! والسؤال والحال هذه، كيف يمكن تحويل زخم الثورة من انفعال مرتبط بالمكان الي فعل مؤسسي وامتداد في الزمان؟
وهنا تحضرني رؤيتين لكاتبين نابهين الدكتور مرتضي الغالي والبروف الطيب زين العابدين فيما يخص دور الشباب، واحدة تدعو لاستمرار اللجان الثورية في الاحياء ولكن علي ان توجه جهدها نحو الخدمة الطوعية، واخري تكوين جمعيات او كيانات شبابية للقيام باعباء خدمية ورقابية بصورة طوعية وتنسيق مع السلطات ..الخ. المهم، وجدت في هذه الدعوات نوع من الامل او بالاصح بداية او تدشين لمشروع التغيير الذي يبدأ من القاعدة التي يمثلها الشباب، لان التغيير المنشود ليس وجبة جاهزة يتم تناولها او مجرد شعارات ترفع او برامج سياسية تطرح من هنا وهنالك، فكل هذا يمثل الجانب الاجرائي او الشكلي فقط، ولكن التغيير الحقيقي يطال الذات والعادات وطرائق التفكير ومدي الرؤية وصولا لزيادة الخيارات امام المجتمعات، وبكلمة مختصرة الانفتاح علي كل ما هو جديد ومفيد بصورة منهجية وعقل مفتوح وقلب مشبع بروح التحدي والمغامرة والثقة بالنفس. ومردود ذلك يظهر بجلاء في المبادرات والمشاريع الخلاقة. والقضية المحورية هنا ليست في الصعوبة، فكل فكرة او عمل او مبادرة تقلل الجهد والزمن والكلفة وتصب تجاه المصلحة العامة فهي حتما خلاقة، ولكنها تكمن في كسر قيد السلبية والعادة والخوف من الفشل او نظرة الآخر المحبطة او المبخسة للانجاز..الخ، اي الايمان بالقضية يشكل نصف الهدف والسعي الجاد لانجازه يكمل الرسالة.
وحتي لا نكرر ما تقدم به الكاتبان يمكن ان نتقدم خطوة الي الامام، وبما ان ساحة الاعتصام نفسها تقدم نموذج مميز لقدرات الشباب علي التنظيم والتاثير، يمكن ان تصبح هي نفسها ساحة للحوار ومركز لتقديم المبادرات والطروحات الشبابية حول المستقبل، وكيفية المحافظة علي مكاسب ثورتهم حتي بعد بلوغ غاياتها النهائية، وكذلك امكانية التواصل بينهم مستقبلا مستفيدين من وسائل التواصل، خاصة وان الاعتصام نفسه شكل بوتقة انصهار لكافة مكونات البلاد الشبابية بعد الجامعات، اي ما يمكن وصفه بسودان شبابي مصغر، وتاليا من خلال هذا التشكُّل يسهل ان يكوِّن الشباب برلمانهم الموازي (منصة في وسائل التواصل) تطرح من خلاله القضايا والمبادرات للنقاشات حتي الوصول بها لرؤية مشتركة، تُدفع بها للكيانات السياسية او الحكومات المدنية، وعلي ذات المنوال يمكن ان تكون القضايا ذات ابعاد اقتصادية او اجتماعية او ثقافية او حتي احداث عاجلة.
كذلك لجان الاحياء او كيانات الشباب يمكن ان تصبح ساحة للتدريب علي الممارسة الديمقراطية والحوار المفتوح والادارة والتخطيط للاعمال والتنفيذ والرقابة، ومعرفة الاخطاء وطريقة معالجتها، وايضا تبادل الخبرات مع لجان وكيانات في مناطق ذات قضايا او مشاكل مشابهة.
وكخطوة اولي يمكن للمسؤولين عن تنظيم الاعتصام ان يصبحو النواة لتكوين لجان وكيانات الفترة القادمة او مسؤولون عن التدريب وتطوير القدرات او مركز تنسيق بين مختلف التكوينات وعبر طرح خطوط عريضة لكيفية تصميم البرامج وطريقة التنفيذ والعمل الجماعي، وكذلك عكس تجربتهم العملية الايجابي منها والسلبي، من خلال تعاملهم مع مختلف المكونات السودانية في ساحات الاعتصام. ولكن مع الوضع في الاعتبار ان اجواء الثورة والاعتصام لها روحها الخاصة، التي لن تتوافر في الاجواء العادية، التي يكثر فيها الجدل والتنافس والتواكل والبحث عن الغنائم والامتيازات.
علي كل يصعب وضع خارطة طريق لكي يمشي عليها الشباب، فهكذا امر متروك لقدراتهم وابداعاتهم وطبيعة طموحاتهم، ولكن ما يمكن تقديمه خلال الفترة القادمة غير خلق فرص العمل وعدالة التوظيف او توافر بيئة مواتية للنجاح بصفة عامة، فهو تخصيص وزارة للشباب تقوم علي بحث همومهم وتطوير مهاراتهم ورفع قدراتهم واعدادهم بالطريقة المناسبة لتحمل اعباء المستقبل. مع التنويه الي ان شريحة الشباب كغيرها من شرائح المجتمع ينطبق عليها ما ينطبق عليه دون تمييز او هضم للحقوق، ولكن التركيز علي الشباب فقط كمرحلة لها متطلباتها الخاصة، وما تشكله من طاقة هائلة، لها مردود ايجابي ضخم اذا ما احسن استغلالها والعكس صحيح.
وكل هذا يجعل الاهتمام بهذه الشريحة يتعدي مرحلة الشباب الي ما قبلها، من خلال تصميم برامج تعليم وتربية مواكبة للراهن ومستصحبة لقيم المجتمع، اي وفق فلسفة تعليمية تراعي ظروف البلاد ومتطلبات المستقبل وتطلعات المواطنين للحاق بركب الدول المتقدمة، وهو ما لن يتم انجازه إلا باحداث تحول ديمقراطي شامل وحقيقي، لان المسالة الوطنية حزمة متكاملة، ولتقاطع المجالات المختلفة مع بعضها البعض وتاثيراتها المتبادلة.
في ذات الاطار يمكن اعادة الدور الشامل للاندية، الذي صادرته الرياضة وبصفة خاصة كرة القدم وهي بطبعها موقلة في الذكورية، وكذلك خلق منتديات اسرية في كل حي ومنطقة، تعكس مواهب وقدرات اهل المنطقة الاجتماعية والثقافية ..الخ، وتناقش فيها هموم المنطقة والحي وغيرها من الوظائف التي تقع علي عاتق الشباب. ومن جانب آخر لملء الفراغ او اقلاه معادلة كفة منابر الجوامع، التي تم اختطافها لصالح تيارات محددة، تبث من خلالها نظرتها الكارهة للحياة بصفة عامة ولتراث البلاد الصوفي بصفة خاصة، ولا تتورع عن مهاجمة الشباب والشابات والسياسيين والمبدعين! والمنابر بطبعها ذات رسالة موجهة، تعزف بخطابها العاطفي علي وتر حساس يمس البسطاء ويشحن الشباب المتطرفين. وهذا بدوره يقودنا الي العمل علي اعادة النظر في حرية المنابر، ليس بغرض قمع الصوت المغاير ولكن لتنظيم الشأن الديني والابتعاد به عن المتاجرة والاستغلال. وكل من له نظرة خاصة في الدين (وكل نظرة فيه هي خاصة بطبعها) يخصص له منبر خاص يذهب اليه الناس بصورة طوعية! اي حفظ كرامة الدين وحق المتدينين يمر عبر النأي به عن الشأن العام، فالدين لله والوطن للجميع كما تقول الحكمة البصيرة. خاصة وهذه المنابر تحولت الي منصات سياسية وادوات يتم توظيفها لبث الفتن والتشكيك في مواطنة المواطنين، والاسوأ احتكار الدين لدي بعض ادعياءه المتشددين الذين يلهبون ظهر البسطاء بالتقريع والنذير والمنع والتحريم ويصمتون علي مفاسد الحكام الذين افسدو الدنيا والدين، وهذا عندما لا يتبادلون المنافع والقفشات خلف الكواليس. وبكلام واضح، يجب علي جيل الشباب تحرير الدين من محتكريه والمتسلطين باسمه، ووضعه في اطار البناء الروحي والقيمي لكيان الفرد. والحال هذه، ليس هنالك تدين اكثر من بذل النفس والجهد والمال لخدمة الوطن وقضايا المواطنين لوجه الله.
واخيرا، اصبح الشباب هم معلموا الاجيال، ولكن هذا لا يمنع تواصل الاجيال وتبادل الخبرات بكل احترام وتوقير، لان الحياة نفسها دورة محورها تبدل الاحوال والادوار.
رمضان كريم، ونسال الله ان يكون شهرا للخلاص من الديكتاتورية واستشرافا للديمقراطية. ودمتم في رعاية الكريم.

////////////////////

 

آراء